4% تلقوا اللقاح.. يفضلون مواجهة الفيروس على أخذ اللقاح في ظل سوء الادارة وشائعات المخاطر
موجة شرسة من الوباء تجتاح العراق على خلفية ضعف عمليات التطعيم وعدم الالتزام بمتطلبات الوقاية
موجة شرسة من الوباء تجتاح العراق على خلفية ضعف عمليات التطعيم وعدم الالتزام بمتطلبات الوقاية
ايوب حسن وفريق بغداد/ 1 آب:
موجة جديدة من الاصابات المرتفعة بفيروس كورونا تضرب العراق منذ اسابيع هي الأكثر شدة منذ بدء دخول الجائحة، مثيرة القلق من انهيار صحي وشيك، في ظل عدم الالتزام باجراءات الوقاية، وضعف الاقبال على اخذ اللقاحات والذي غذته اللامبالاة من التداعيات والاشاعات عن مخاطر اللقاحات.
ويحذر مسؤولون بالقطاع الصحي وعاملون من أن المستشفيات بدأت تمتلئ مجددا بالمصابين، وفي ظل معدل الاصابات المرتفع سيحصل عجز خطير في قدرات استقبال الحالات الحرجة، ما قد يهدد بكوارث جديدة تضاف الى حادثتي حريقين كبيرين حصلا في مستشفيين يستقبلان مصابي كورونا وخلفا نحو مائتي قتيل.
وكشفت وزارة الصحة على لسان المتحدث باسمها سيف البدر، يوم السبت، عن امتلاء ردهات الحالات الحرجة للمصابين في بغداد والمحافظات.
وحذر البدر من أن “جميع ردهات الحالات الحرجة ممتلئة بالكامل حالياً”، مشيرا الى وجود خمسة آلاف حالة حرجة حالياً في المؤسسات الصحية وهناك خشية من “عدم القدرة قريبا على استقبال حالات جديدة مع استمرار تسجيل معدل اصابات مرتفع” يتجاوز العشرة آلاف يوميا.
وأكد أن “الوضع الحالي خطير ويهدد النظام الصحي في البلاد برمته، لأن المؤسسات الصحية لا تستطيع استقبال ألف حالة يومياً على اعتبار أن 10% من الاصابات اليومية يدخلون المستشفيات”.
وقبلها بيوم واحد، ذكر المكلف بإدارة وزارة الصحة هاني العقابي، في مقطع فيديو، ان المستشفيات تواجه صعوبة في استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين في ظل محدودية القدرة الاستيعابية.
ودعا العقابي الذي كلف مؤقتا بادارة الوزارة بعد استقالة الوزير نتيجة توالي “كوارث” المؤسسة الصحية، المواطنين الى مساعدة الملاكات الصحية من خلال اخذ اللقاح والالتزام بشروط الوقاية، مشيرا الى وجود 4000 مريض على أجهزة الأوكسجين و”المعامل التي تنتج المادة لا تستطيع أن تسد الحاجة في ظل تزايد الإصابات”.
وتؤكد مصادر صحية تم التواصل معها، ان غرف العناية المركزة في البلاد لا تمتلك القدرة على استيعاب هذا الرقم، وان بعض المراكز توقفت فعليا مطلع الاسبوع الجاري عن استقبال المصابين.
وتوالت خلال الأيام الماضي تحذيرات وزارة الصحة من خطورة الوضع مع دخول البلاد الموجة الثالثة للجائحة “نحن الان في موجة وبائية هي الاخطر من كل سابقاتها ونسبة الحالات الشديدة فيها هي الاكثر خلال كل المدة السابقة”، مبينةً أن “المؤسسات الصحية تواجه ضغطا كبيرا بسبب عدم الالتزام بالاجراءات الوقائية”.
وبلغ متوسط اعداد الاصابات اليومية في نهاية تموز نحو 13000 حالة، وعدد الوفيات في المتوسط 60 حالة، ومازالت أعداد المصابين يقارب أعداد الذين تلقوا اللقاح لتفاديه، في وقت وصلت الحصيلة الكلية الرسمية للوفيات جراء مضاعفات المرض الى أكثر من 18500 حالة وهو ما يضع العراق في مقدمة الدول المتضررة من الوباء مقارنة بعدد السكان، وكذلك يضعه في قائمة الدول الاعلى في انتشار الوباء واعداد الاصابة، حيث يحتل العراق اليوم المرتبة 22 من اصل 222 دولة ضمن تصنيف موقع worldmeters المتخصص في تسجيل احصائيات أزمة جائحة كورونا في كافة انحاء العالم.
وكان عدد الاصابات في نهاية حزيران دون السبعة آلاف حالة يوميا، وعدد الوفيات دون الثلاثين، وسبق ذلك انخفاض كبير للاصابات استمر عدة أشهر ووصل في بعض الايام الى ما دون 1000 اصابة.
حملات تطعيم ضعيفة
بعد نحو أربعة أشهر من وصول اولى وجبات اللقاح، لم يتجاوز عدد متلقي اللقاح المليون ونصف المليون شخص في بلد يضم اكثر من 40 مليونا، نصفهم فوق الـ 18 من اعمارهم، أي ان أقل من 7.5% من الذين يوصى بتلقيهم اللقاح تلقوه فعلا.
وفي اقليم كردستان سجلت معدلات مماثلة، حيث اكد مستشار وزارة الصحة في الاقليم ئارام رستم في تصريحات صحفية، ان نحو 4% من مواطني الاقليم تلقوا اللقاح حتى نهاية تموز، مبينا انهم لا يستطيعون تأمين اللقاح حاليا لجميع المواطنين لذا يدعون من هم فوق الـ 60 عاما للتطعيم اولا.
ويشير الى انه وفق العقد الموقع بين وزارة الصحة العراقية وبرنامج (COVAX) فان الكميات الواصلة ستكفي لتطعيم 20% من السكان في العراق عموما خلال العام الجاري. ويتم العمل على زيادة النسبة من خلال عقود أخرى مع الشركات المصنعة للقاحات.
ويقدر متابعون للملف، ان العراق في ظل “سياسة التلقيح الضعيفة والمتلكئة والمتقطعة” سيحتاج الى أعوام لاكمال تطعيم ثلثي السكان.
ثلاثة أسباب رئيسية تكمن وراء قلة التطعيم، بحسب متابعين، تتمثل في تأخر الحكومة في توفير اللقاحات، ومحدودية الكميات المتوفرة وقلة مراكز التطعيم ما يتطلب انتظارا يمتد لأسابيع، والاشاعات التي تتحدث عن مخاطر اللقاحات والتشكيك بفاعليتها ونوعيتها والتي غذتها تصريحات لرجال دين وعاملين في الحقل الطبي.
مخاوف وتساؤلات
مهند حميد (38 سنة) بائع مواد غذائية بالتجزئة يسكن مدينة البياع في العاصمة بغداد، فقد والدته في الثاني من آذار 2021 إثر إصابتها بالفيروس، وللسبب نفسه لحق بها في الشهر التالي عم له وزوجة خالهِ الوحيد، ومع ذلك يصر على عدم أخذ اللقاح وهدد زوجته بالطلاق إن تلقت اللقاح.
يبرر حميد موقفه القطعي من اللقاح بعدم معرفة نتائجه المستقبلية وعدم التيقن من جودة النوعية وضمان سلامته عند النقل والخزن، في ظل الفساد السائد في المؤسسات الصحية وغياب الاهتمام في مجمل القطاع.
وينقل حميد تجربته في المستشفيات التي راجعها خلال مرض والدته الراحلة وكذلك شقيقه الأصغر والذي تعافى من المرض بعد تدهور حالته الصحية لأسبوعين كاملين: “الخدمة الصحية سيئة، من يدخل هناك للعلاج لا يعرف ان كان سيخرج معافى فاحتمالات موته أكبر من شفائه”.
ويتابع بمرارة :”عليك هناك أن تدفع للدواء وللممرضين، الفساد يحيطك في كل مؤسسات الدولة في الدوائر الحكومية والمحاكم والجامعات والمعابر الحدودية، فهل من المعقول أن يكون اللقاح الموزع مجاناً سليماً؟”.
يتفق معه حسام صديقه الثلاثيني الذي يبيع المواد المنزلية ويمتنع عن ارتداء الكمامة “أنا اخالط الناس منذ عامين، لم أصب بكورونا. مرة واحدة أحسست بأعراض تشبه الانفلونزا مع آلام في المفاصل لكن انتهى الأمر خلال ثلاثة ايام دون مراجعة طبيب او مختبر”.
يضيف حسام الذي لم يكمل تعليمه الثانوي:”سمعنا عبر الفيسبوك بعض الاطباء، ينصحنون بعدم تلقي اللقاح، ويتحدثون عن نتائجه الخطيرة مستقبلا… لا أعرف. لكن طالما كان ممكنا فأنا لن اتلقى اللقاح”.
بدوره يشكك مرتضى عواد (46 سنة) من مدينة الكاظمية بصحة أخذ اللقاح لكن هذه المرة من الناحية الشرعية. ويقول بشيء من الحيرة بأنه سمع بأذنيه رجل دينٍ يقول بأن اللقاح بكل أنواعه الصيني والروسي والألماني والبريطاني وغيرها يسبب العقم لدى النساء والرجال والأخطر من ذلك أنه يحدث تجلطات في الجسم تؤدي الى الوفات بعد سنتين أو ثلاثة.
مرتضى الذي قضى أكثر من نصف عمره في تصليح الشاحنات في ورشته العائلية جنوبي العاصمة بغداد يميل إلى فكرة التقطها سمعه من أناس عديدين في محيط عملهِ أن “كورونا خطة دولية لتقليل أعداد البشرية ومن لم يصب به مباشرة يتم نقله اليه بواسطة اللقاح لكن بعد فترة حيث تظهر العوارض الخطيرة”.
ويتناقل الناس في الشارع قصصا عن ان اللقاح يتسبب بتغييرات جينية، ويشيرون الى أحاديث لرجال دين معروفين ينصحون بعدم تلقي اللقاح لوجود مواد جلاتينية فيه مأخوذة من الخنازير.
لمواجهة ذلك حذر المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، من “نشر قصص ليس لها أساس علمي، ونظريات مؤامرة حول اللقاحات والكمامات”، مبينا ان ذلك “يعد جريمة، وتهديد للأمن الصحي للبلد”.
وقال ان الوزارة “تحمل الأشخاص الذين يثبت أنهم ينشرون معلومات تضلل الرأي العام بشأن اللقاحات المسؤولية القانونية الكاملة، وكذلك وسائل الإعلام التي تروج لهذه المعلومات”، لافتا الى اتخاذ إجراءات قانونية ضد أشخاص حرضوا الناس ضد الكمامة واللقاح”.
واضاف إن “جميع اللقاحات فاعلة وآمنة وهي من مناشئ عالمية رصينة، ولم يثبت تسجيل أي أعراض جانبية أو حتى مضاعفات متوسطة”، مشددا على أنّ “أي حديث عن وجود تأثيرات جانبية للقاح هو عار عن الصحة ولا يمت للعلمية بأية صلة”.
الفساد وتأصل عدم الثقة
الباحث الاجتماعي د. خيري مسعود جبر، يعتقد بأن فقدان الثقة العراقية ليس منصباً على اللقاح، بل على الجهات المحلية التي تستورده وتلك التي تتولى تخزينه وتوزيعه ومن ثم اعطائه، إضافة إلى سوء إدارة المؤسسة الصحية ككل.
واستشهد بالحريقين اللذين اندلعا خلال الاشهر الماضية في مستشفى أبن الخطيب في العاصمة بغداد يوم 24 نيسان/أبريل2021 ونجم عنه مقتل 82 شخصاً وإصابة 110 آخرين من المصابين بكورونا، والثاني اندلع في ردهة عزل مصابي كورونا في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار يوم الاثنين 12 تموز/يوليو 2021 وأدى إلى مقتل 92 شخصاً وإصابة العشرات.
وأوضح بأن “للمؤسسات الحكومية العراقية تأريخ حافل بالفساد” وفق تعبيره، مشيرا الى تعطل بناء سلسلة مستشفيات في وسط وجنوب البلاد كان يفترض ان يكتمل انجازها قبل نحو عقد من الزمن.
فضلاً عن ذلك، يقول د. خيري “السوق العراقية غارقة بالأدوية الفاسدة والمواد الغذائية منتهية الصلاحة والبضائع والسلع الرديئة، وكلها مستوردة وتمرر بواسطة قنوات الفساد التي يسيطر عليها المسؤولون خارج ضوابط التقييس والسيطرة النوعية”.
ويتساءل ايضاً :”كيف سيعرف المواطن العادي بأن اللقاح المضاد لكورونا لن يكون جزءاً من منظومة الفساد القائمة؟”.
سمية عبد الغني، معلمة في مدرسة ابتدائية بمدينة الموصل شمالي العراق، تقول بأن مستشفيات المدينة دمرت خلال حرب التحرير من داعش التي انتهت في تموز/يوليو 2017، ومازالت تشغل مواقع بديلة هي في الغالب كرفانات تفتقر إلى ابسط المقومات والمستلزمات الطبية ولا يكاد يجد المراجع فيها شيئا من الأدوية فيضطر إلى شراء كل شيء تقريباً من الصيدليات الخاصة، كالأدوية والحقن وغيرها.
وتتابع: “إذا كانت مستشفيات مدينة يعيش فيها أكثر من مليوني شخص ليس فيها حبة براسيتول، كيف بإدارة الصحة إذن أن تعمل على حفظ اللقاح من التلف وإعطائه للمواطنين بطريقة آمنة، ثم من سيحاسبهم إذا تسبب اللقاح بموت أحد المواطنين في المدينة، فأبناؤنا يموتون كل يوم لأسباب أخرى كثيرة ولا نجد أحداً يقتص من الفاعلين وهم معروفون للجميع؟ “.
الموجة الأخطر والعودة للحظر
مع تجاوز أعداد العراقيين المصابين بالفايروس المليون ونصف المليون، أكدت وزارة الصحة أن الموجة الوبائية الجديدة هي الأشد والأخطر.
وحمل بيانُ صدر في منتصف تموز المواطنين مسؤولية تفاقم تفشي الوباء بسبب “استهانتهم في تنفيذ الإجراءات الوقائية” بعودة كل مظاهر التجمعات البشرية مثل مجالس العزاء والاحتفالات في القاعات واستئناف العادات الاجتماعية كالـ “مصافحة والمعانقة والتقبيل”.
وترفض الوزارة الانتقادات الموجهة لها بشأن مسؤوليتها عن ضعف عمليات التطعيم، محملة ايضا المواطنين المسؤولية، مؤكدة أن اللقاحات المتوفرة آمنة ومستورد من مصادر رصينة.
ولوح البيان إلى إمكانية العودة لفرض الحظر الشامل وغلق الحدود لقطع سلسلة انتشار العدوى في حال تواصل زيادة الاصابات والوفيات.
وفي أقليم كردستان حيث يبلغ عدد السكان ستة ملايين نسمة، أعلن وزير الصحة في الحكومة سامان برزنجي تزايد تسجيل حالات الإصابة بالمتحور (دلتا) الذي يعد الأسرع إنتشاراً في العالم وتم تسجيله في أكثر من 100 دولة أخرى.
وقال منتصف تموز، ان الاصابات زادت بمقدار الضعفين في محافظات الإقليم مقارنة بشهر حزيران. لكن تلك الأرقام تضاعفت مجددا نهاية تموز ودفعت الحكومة الى تشديد الاجراءات في الأسواق ومنع مجالس العزاء واغلاق قاعات الاعراس والحفلات ومنع بعض النشاطات، وهددت في حال استمرار الأرقام بالتصاعد بفرض حظر التجوال.
فيما حذر وزير داخلية إقليم كردستان ريبر احمد السكان قائلا: “إذا أردتم استمرار المعيشة والكسب التزموا بالإجراءات الوقائية” في تلميح إلى إمكانية إعادة فرض الحظر الشامل.
وبموجب الموقف الوبائي اليومي الموحد الذي يصدر عن وزارة الصحة العراقية فأن أكثر من 3000 آلاف حالة اصابة سجلت في محافظات الاقليم الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك أيام 28 و29 و30 تموز، في حين كانت اعداد الاصابات دون الألف في المحافظات الثلاث في الأيام الثلاثة الاخيرة من شهر حزيران 2021.
تلك الأرقام المرتفعة دفعت عضو لجنة الصحة بالبرلمان العراقي جواد الموسوي، الى المطالبة بفرض حظر صحي وطني شامل لأسبوعين متتالين. وقال بأن أغلب الاصابات الحالية هي من المتحول دلتا الذي سرعته تتجاوز أربعة أضعاف سرعة انتشار المتحورات القديمة.
ولكسر سلسلة انتشار دلتا، على حد قول الموسوي، فأن فرض حظر صحي وليس أمني، هو الحل، على أن تتخلله أربع ساعات صباحية يسمح خلالها بتحرك المواطنين لتلقي اللقاح والحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية.
تزايد الفحوصات سبب
المخبري الطبي ناجي محي الدين، يعتقد بأن ارتفاع أعداد المصابين المسجلين سببه زيادة الفحوصات المختبرية وأن الوباء متفشٍ بدرجة كبيرة في العراق حتى قبل اعلان وزارة الصحة دخوله للموجة الوبائية الثالثة، ولم يستبعد امتداد ذلك لما يزيد عن عام مضى.
وقال بأن معدل الفحوصات اليومية في العراق كانا صغيرا، ولم يتم زيادته إلا في أواخر 2020، مشيرا الى انه كلما أعلنت وزارة الصحة عن زيادة أعداد الفحوصات زادت معها حالات الاصابة المسجلة.
واوضح أن هذا الأمر لا يصل إلى علم المواطنين بسبب القصور الإعلامي الواضح من قبل الجهات المعنية، لذلك فهم يستقبلون اجراءات فرض حظر التجوال وغيرها التي تحد من حريتهم بالكثير من التذمر ويتم التمرد عليها لاحقاً بالتجمعات في الاسواق والمناسبات الدينية وبالنتيجة اتساع رقعة العدوى.
ويقول: “مع امتناع الاغلبية عن أخذ اللقاح فهذا يعني بأن عمر فيروس كورونا سيكون طويلاً جداً في العراق والتداعيات ستكون ايضا كبيرة”.
فرض اللقاحات.. رفض وتأييد
بدلاً من فرض حظر التجوال الذي يؤثر على الحياة الاقتصادية لشريحة واسعة تعاني أصلا من الفقر وتداعياته، يقترح البعض جعل أخذ اللقاح إلزامياً أو اتخاذ تدابير صارمة لدفع المواطنين إلى أخذه.
الحكومة العراقية اعتمدت جزءاً من هذا ووافقت خلال جلسة عقدتها في 21 حزيرن/يونيو 2021 على توصيات قدمت إليها من وزارات عدة بينها وزارة الصحة، فاشترطت لتجديد الاجازة الصحية للمطاعم والمعامل وأي مرفق آخر خاضع للرقابة الصحية، أن يتلقى العاملون فيها اللقاح وبخلافه لا يسمح لها بالعمل بدءاً من الأول من أيلول/سبتمبر2021.
وبدءاً من ذلك التاريخ أيضاً لن يسمح لموظفي الدوائر والمؤسسات العامة والخاصة والطلاب أكبر من 18 سنة والهيئات التدريسية بالدوام واعتبارهم غائبين إن لم يقدموا (كارت) التلقيح أو فحص (PCR) سالب اسبوعيا لغير المشمولين باللقاح أو المصابين خلال فترة الشهور الثلاثة السابقة، معززاً بالتقارير الطبية من اللجان المختصة.
وإلزام جميع العراقيين المسافرين الى خارج العراق بدءاً من الأول من أكتوبر 2010 ابراز الشهادة الدولية للتلقيح بلقاح كوفيد -19 واشتراط تلقي جرعة أولى كحد أدنى من اللقاح المضاد للحصول على استثناء من حظر التجوال الجزئي أو الشامل عند اقتضاء الحاجة لفرضه.
ويرى محمد المفتي، وهو كاتب عراقي يقيم في مملكة النرويج منذ 22 سنة، أن لا أساس قانوني لفرض اللقاح. ويفترض بالحكومة العراقية أن تكثف جهودها في توعية المواطنين ودعوتهم لأخذه وليس إجبارهم على ذلك بفرض العقوبات.
وأشار المفتي إلى تجربة النرويج في هذا المجال، إذ أن الحكومة برئاسة آنا سولبيرغ تعقد اجتماعاً كل يوم خميس تطلع فيه المواطنين على مستجدات مواجهة الفيروس والإجراءات المتخذة للحد من انتشاره.
ويقول “كان هنالك الكثير من الناس يشككون بالمرض ومن ثم باللقاح، لكن الحرص على سلامة المجتمع وتفضيله على المصلحة الشخصية دفعت بأغلبية السكان الى أخذ اللقاح في نهاية الأمر” .
بلغ مجموع متلقي لقاح فيروس كورونا في النرويج في الاسبوع الثالث من شهر تموز/يوليو2021 ثلاثة ملايين ومئتي الف شخص، أي نحو ثلثي السكان البالغ عددهم (5,328,000) نسمة.
وبحسب المفتي، يعني ذلك أن هذا البلد الاسكندنافي يتجه قريباً إلى إعلان تطعيم جميع السكان البالغة أعمارهم أكثر من 18 سنة، وهنالك حديث يجري إلى احتمال تعزيز اللقاحين بثالث مطلع العام المقبل للقضاء على الفيروس وبنحو نهائي.
وبالنسبة للدول المجاورة للعراق، فقد أعلنت وزارة الصحة في السعودية يوم 15 تموز/يولو2021 اعطاء أكثر من واحد وعشرين مليون جرعة مضادة لفايروس كوفيد- 19 خلال سبعة أشهر فقط من بدئها لحملة التطعيم التي انطلقت في 17كانون الأول/ديسمبر 2020.
وتبلغ حالات الاصابة المؤكدة بالفيروس في السعودية حتى 17تموز/يوليو 2021 ما مجموعه (507,423) إصابة، علماً أن عدد السكان فيها يزيد عن 34 مليونا، في حين أن العراق الذي تناهز اعادد سكانه 40 مليونا سجلت فيه نحو مليون ونصف المليون اصابة مؤكدة وتلقى عدد مماثل اللقاح.
وفي تركيا، التي تعد الشريك التجاري الأكبر للعراق والمقصد الاول للعراقيين في السفر والسياحة، أعلن عن اعطاء اكثر من 71 مليون جرعة لقاح حتى الان، لمواطنيها والمقيمين ايضا من جنسيات اخرى. وأكدت وزارة الصحة التركية انخفاض مستوى الاصابات من اقصى ذروتها في نيسان الماضي بـ 62 الف اصابة يومياً وصولاً الى 5000 الاف اصابة في نهاية حزيران، وذلك بعد سلسلة تدابير مشددة شملت فرض حظر للتجوال استمر لاكثر من 18 يوما.
لكن سرعان ماعادت الاصابات بالارتفاع لتصل الى اكثر من 22 الف حالة في اليوم الواحد وهذا ما ينذر بخطر قريب من العراق نتيجة تصاعد أزمة الموجة الثالثة في الدول المجاورة.
دعوات لتوعية رجال الدين
ارتفاع معدل الإصابات بالفيروس والوفيات الناجمة عنه، دفع ناشطين مدنيين إلى نشر تجاربهم الشخصية عبر حساباتهم في وسائل التواصل الإجتماعي، معززة بصور تظهرهم وهم يتلقون اللقاح، بهدف تحفيز المواطنين المترددين في أخذه.
الناشط بهاء محمود خضر، انتقد وزارة الصحة التي تصدر بيانات دورية تدعو فيها فئات معينة بينها رجال الدين إلى حث المواطنين لتلقي اللقاح، وقال بأن على الوزارة القيام بواجباتها والحرص على تنفيذها “وليس تقديم المناشدات لهذه الجهة أو تلك. دعواتها هذه تدل على قصور وإهمال جسيمين في عملها”.
ويرى بهاء، أن من الأولى بالحكومة والوزارات توعية رجال الدين أنفسهم بالمرض وضرورة مكافحته باللقاح بدلاً من مناشدتهم لبث الوعي بين الناس “لأن كثيرين منهم مازالوا يعتقدون بأن الجائحة خطة دولية محكمة واللقاح مؤامرة لاستكمالها، وبعضهم يروج لفكرة أن الاستمرار في التوافد على المناطق المقدسة كفيل بمنع انتشار الفيروس، وليس اللقاح وإجراءات مكافحته الأخرى”.
ويتساءل ناشط آخر فضل عدم ذكر اسمه :”البلد يسجل معدلات اصابة غير مسبوقة، فهل سيطلب رجال الدين من الناس الامتناع عن الزيارات الدينية، فموعد الزيارات يقترب، وسنرى من يهمه مصلحة الشعب وتوعيته”.
فيما يقترح الناشط المدني عبد الرسول حيدر، على المرشحين للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في العاشر من تشرين الأول/ اكتوبر2021 أن يستغلوا الدعاية المجانية التي يوفرها مجرد ظهورهم في وسائل الاعلام وهم يتلقون اللقاح.
ويضيف بمرح :”لدينا 3500 مرشح، ظهورهم وهو يتلقون اللقاح سيزيد شعبيتهم.. وفي النهاية إذا كان اللقاح آمنا فسيحقق ذاك مكسبا للطرفين المرشح والمواطن، أما إذا لم يكن كذلك، فيكون المكسب للمواطن لأنه سيتخلص بذلك من الطبقة السياسية الفاسدة برمتها!”.
تحسن يبعث بارقة أمل
في ظل تحذيرات وزارة الصحة من أن العراق يمضي نحو نفق وبائي مظلم اذا لم تتزايد معدلات اخذ اللقاح واستمر عدم الالتزام بمتطلبات الوقاية في الأسواق والمناسبات العائلية والتجمعات الدينية، ومع ارتفاع اعداد الاصابات والوفيات في الاسبوعين الأخيرين، تضاعف عدد الذين يسجلون أسماءهم لتلقي اللقاحات بنحو عشر مرات.
وبدا الزحام كبيرا على مراكز التلقيح في مختلف مناطق البلاد التي كانت قبل أسابيع شبه فارغة، وسط انتقادات من نشطاء ومواطنين لعدم توفير الكميات الكافية وعدم زيادة مراكز التلقيح وعدد ساعات عملها.
يقول دلير قاسم (37 عاما) “منذ ستة اسابيع سجلت لتلقي اللقاح عبر الموقع الألكتروني، ومازلت انتظر ردهم .. راجعت العديد من المراكز قالوا لي ان عليَ انتظار ظهور اسمي”.
ويردف بصوت مرتفع “ماهذا التناقض، تطالبون الناس بتلقي اللقحات في حين انتم تعجزون عن توفيرها”.
وزارة الصحة، ردا على تلك الانتقادات ذكرت انها تعمل على توفير ملايين الجرعات للعام الحالي والمقبل.
وقال علي البلداوي مدير عام شركة كيماديا أحد تشكيلات وزارة الصحة، في تصريحات صحفية إن “العراق متعاقد مع الشركات العالمية المنتجة للقاح كورونا وبكميات كبيرة تصل بشكل دوري”.
وأوضح أن “وجبات من لقاح فايزر تصل الى العراق أسبوعيا، فيما يتوفر لقاح سينوفارم الصيني إضافة إلى أسترازنيكا المورد عن طريق (COVAX)”.
وبحسب البلداوي تم التعاقد مع شركة فايزر على توفير 12 مليون جرعة، وهناك تفاوض لإضافة 5 ملايين جرعة أخرى، وتم توريد 750 الف جرعة من لقاح سينوفارم دخلت فعلياً و500 ألف جرعة على أبواب الدخول، وتم التعاقد على 16 مليون جرعة لقاح أسترازنيكا تصل بالتتابع”.
فيما قال مدير الصحة العامة في وزارة الصحة رياض عبد الأمير الحلفي ان الوزارة تعمل على توفير أكثر من 10 ملايين جرعة لقاح بشكل تدريجي خلال الأسابيع المقبلة.
ونهاية الاسبوع الماضي توقفت العديد من منافذ توزيع اللقاحات في بغداد عن العمل، وشهدت مراكز اخرى فوضى كبيرة، نتيجة نفاد الكميات المزودة بها مع الاقبال الكبير على اللقاحات.
يقول زيدون الطائي، وهو احد الذين ينشطون على مواقع التواصل في حملات الحث لتلقي اللقاحات، ان الاسبوع الأخير شهد تضاعفا في تلقي اللقاحات “ما يشكل بارقة أمل بعد أشهر من الاحباط الذي عشناه لضعف عمليات التلقيح”.
ويضيف وهو يدون أرقاما على موبايله: “بعملية حسابية بسيطة نحن بحاجة للاستمرار على نفس الوتيرة بتلقيح اكثر من 100 الف مواطن يوميا، بعد ام كان المتوسط دون الـ10 آلاف سابقا، لكي نتمكن من تلقيح ثلاثة ملايين شخص شهريا”.
وبوجود 40 مليون عراقي نصفهم يحتاجون الى اللقاح لأن العدد الباقي هم دون سن الـ 18 عاما ولا يوصى حاليا بتلقيهم للقاح، سيتطلب عملية تلقيح ذلك العدد نحو سبعة اشهر.
وينبه الطائي: “هو وقت طويل، لكننا نخشى ان يمتد لسنوات في حال تراجع اقبال المواطنين مجددا على التلقيح وتراخي الحكومة في تنفيذ خططها بتوريد الكميات المطلوبة والتشجيع على أخذ اللقاح، هذا اذا لم يحدث طارئ جديد يغير المعادلات”.
أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ونشر على موقعي “ناس نيوز” و”NRT“