تقارير سردیة: الحضور العربي في كردستان .. نازحون وكسبة ومستثمرون يغيرون وجه المدن الكردية

الحضور العربي في كردستان .. نازحون وكسبة ومستثمرون يغيرون وجه المدن الكردية

ينقسم الكرد بين مرحبين ومتخوفين من تصاعد أعداد المواطنين العرب في مدن اقليم كردستان

رياض الحمداني/ اربيل:

في شارع “اسكان” وسط اربيل عاصمة اقليم كردستان، حيث يتزاحم في ساعات المساء المتسوقون وقاصدو المطاعم والمقاهي حتى تصعب الحركة على ارصفته التي تملؤها عربات الباعة المتجولين، تتناغم اللغتان العربية والكردية وتختلطان الى حد الامتزاج على ألسنة رواد الشارع من المواطنين العرب والكرد، في مشهد يشي بحجم الحضور العربي في قلب الاقليم الكردي.

لجذب المشترين من السياح والمقيمين العرب في الاقليم، والذين وصلت نسبتهم بعد موجات النزوح في العام 2014 الى نحو ربع السكان، يروج بعض الباعة لبضائعهم بالعربية وكذلك يفعل عاملو الاستقبال في المطاعم والكافيهات، وهنالك في الواجهات المتقابلة على طول الشارع الرئيسي وأفرعه تواجهك اللافتاتِ الدعائية المكتوبة باللغتين.

قبل ثمانية عشرة عاما من الآن، كان التواجد العربي في أربيل، أكثر مدن البلاد تطورا من الناحية العمرانية والبنى التحتية الخدمية، محدودا جدا والذين يعرفون العربية كانوا فقط من أبناء أجيال ما قبل الانتفاضة الكردية ضد نظام حزب البعث سنة 1991.

تلك الإنتفاضة ادت الى انفصال الاقليم بمحافظاته الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك وحصول انقطاع اجتماعي وثقافي بين الشمال الكردي والوسط والجنوب العربيين، استمر لغاية نيسان/أبريل2003 .

محمد أحمد (58 سنة) من بغداد، يقيم حالياً في الولايات المتحدة، مكث في اربيل عدة سنوات نهاية تسعينات القرن المنصرم، هربا من ملاحقات حزب البعث. يقول بأن الجيل الناشئ وقتها في المدينة كان يعرف اللغة الكردية وثقافتها فقط وكان عليه الاستعانة في كثير من الأحيان بأصدقاء كمترجمين ليتواصل مع المجتمع.

“كل شيء تغير اليوم” يقول محمد الذي يعود لزيارة الاقليم بعد نحو عقدين، ويرى ان اربيل أصبحت اليوم مدينة مختلفة ولم تعد فيها حساسيات قومية وحواجز لغوية.

في أسواق القلعة التاريخية بمتاهة تعرجاتها تجد في كل مكان متسوقين عرب مقيمين في الاقليم او قادمين من محافظات وسط جنوب البلاد بقصد السياحة، وتلبية لمتطلباتهم تجد محالا متخصصة ببيع الملابس العربية التقليدية، الرجالية منها والنسائية. وأينما حللت في المدينة تجد مواطنين عرب يعملون في كل القطاعات الخدمية والتجارية والصناعية.

محمد مندهش كون سائقي سيارات الأجرة وأصحاب المتاجر يبادرونه متحدثين بالعربية، وبخلاف الماضي يشاهد تزاحم اللافتات العربية في الأسواق والفنادق والمطاعم وعيادات الأطباء والمختبرات الصحية والمستشفيات والورش.

“لم يكن ذلك مقبولاً فيما مضى” يتابع مسنداً ظهره الى جدار القلعة، مشيراً إلى أقدم أسواقها في الجهة المقابلة “كانت اللافتات التجارية وغيرها كلها بالكردية، والكتابة بالعربية كانت في بعض المناطق ممنوعة كرد فعل لمواجهة حملات التعريب التي قام بها النظام السابق قبل 1991”.

الإقليم الملاذ

الباحث في شؤون الأقليات عبد الصمد محمود، يذكر بأن العلاقات الاجتماعية بين الكرد والعرب كانت متماسكة ولقرون عدة، فجنوب كردستان حيث العمق العربي كان يشكل بعداً تجارياً واقتصادياً للكرد.

وبالمقابل كانت العشائر العربية قد اجرت تفاهمات مع نظيراتها الكردية ونقلت في مواسم احتباس الأمطار قطعان الماشية لترعى في مناطقها ولاسيما في سهل السندي بمحافظة دهوك.

واعتاد المواطنون من جميع مدن العراق قضاء العطلات، الصيفية بوجه الخصوص في مناطق الاقليم السياحية بسبب المناخ والمناظر الطبيعية التي فيه.

“غير أن سياسة التعريب وحملات الأنفال التي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي وقتل على أثرها آلافٌ من المدنيين الكرد، أثرت على تلك العلاقة كثيراً” يقول عبد الصمد ويلفت إلى أن أجهزة نظام حزب البعث كانت تعمل على إحداث قطيعة بين الكرد والدولة والمجتمع العراقيين من خلال “عدم السماح للكرد غير البعثيين بالانخراط في المنظومة الأمنية والعسكرية أو تول الوظائف المهمة الى جانب منع تسجيل الاراضي بأسمائهم في بعض المناطق”.

وبعد إنغلاق المحافظات الثلاث على نفسها بحماية دولية بين 1991-2003 تحول الاقليم بحسب عبد الصمد إلى “فردوس للهاربين من قمع النظام السابق” ومحطة يتوقفون فيها لالتقاط الأنفاس قبل الخروج من البلاد لتتقاسمهم المهاجر.

أعداد متزايدة

حدد علي سندي وزير التخطيط السابق في حكومة الاقليم أواخر عام 2018 عدد النازحين من باقي مناطق البلاد والمقيمين في الاقليم بنحو مليون ونصف المليون شخص، فيما كان عدد سكان الاقليم يبلغ خمسة ملايين و900 الف.  أي ان نحو 25% من المتواجدين في الاقليم خلال تلك الفترة كانوا من العرب.

عاد قسم منهم خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة لكن آخرين قرروا البقاء والاستقرار في مدن الاقليم بما يوفره لهم من أمن وفرص عمل، إذ يتواجد في محافظة اربيل وحدها وفق ارقام حكومية نحو 280 ألف عربي، من مجموع سكانها البالغ نحو مليونين، ويتركز وجود هؤلاء في مركز المحافظة.

تقول ام حسام، وهي موصلية نزحت الى اربيل في نهاية العام 2014 ان عائلتها المؤلفة من ستة أشخاص قررت الاستقرار في اربيل بشكل دائم “اثنين من اولادي في الجامعات واحدى بناتي في مدرسة حكومية تدرس بالعربية، وابني الاكبر يعمل هنا في شركة خاصة”.

تضيف السيدة الخمسينية التي تسكن في مجمع سكني بمنطقة الاسكان:”هنا نعيش في استقرار امني، والخدمات جيدة، ولا نشعر بأي تمييز  اجتماعي ولا بالغربة .. فلماذا أعود؟”.

دهوك تستقطب كفاءات الموصل

لا يقتصر التواجد العربي الكثيف على عاصمة الإقليم فقط، وإنما تنتشر مجمعات سكنية ذائعة الصيت في محافظة دهوك أيضاً.ففي جهتها الغربية، حيث مجمع افرو ستي السكني الاكبر من نوعه في الاقليم، يمكن أن يلاحظ المرء وبسهولة بأن غالبية السكان يتحدثون العربية.

يعلق عبدالرحمن، المدرس المتقاعد: “جيراننا كلهم من أهالي الموصل، ربما ثلثا المجمع الذي يضم نحو اربعة آلاف شقة سكنية هم من العرب والباقي كرد وأتراك ومن جنسيات أجنبية.

المجمع الذي يشكل مدينة صغيرة يستقطب منذ سنوات المواطنين القادمين من مدينة الموصل المجاورة سواء الكفاءات العلمية من اساتذة الجامعات و الاطباء وكبار  الموظفين أو التجار و الكسبة وأصحاب الحرف. وذلك لما يتوفر فيه من خدمات عصرية حيث الحدائق ومساحات ممارسة الرياضة ومرافق الترفيه والمدارس وخدمات الكهرباء والماء لـ24 ساعة.

“هذهِ أشياء تفتقر اليها  مدينة الموصل” يقول تاجر الالبسة محمد غزوان الذي يقيم في دهوك على الرغم من أن تجارته في الموصل: “منذ عشر سنوات تقريباً وأنا اتنقل بالسيارة بين المدينتين مرتين أسبوعياً وأعرف آخرين يفعلون ذلك يومياً، لا يحتاج الأمر سوى القيادة لأقل من ساعة”.

يقول عبدالله علي (40 عاما) وهو كردي يدير سوقا شهيرا لبيع المواد الغذائية في افروستي “قبل سبع سنوات لم أكن اعرف العربية وكنت اتفاهم مع الزبائن بصعوبة، اليوم اصبحت اعرف اللغة جيدا، وبعض العرب خاصة من الجيل الجديد ايضا صاروا يتحدثون بالكردية. التجارة والاختلاط دفعانا الى ذلك”.

اللغة ليست عائقا

على أنغام اغاني من التراث الكردي، يستقبل صاحب مقهى شعبيٍ في شارع اسكان زبونه الدائم أحمد الفلوجي بعبارة الترحيب الكردية المميزة “به خێربــێى” فيرد عليه الأخير بالعبارة ذاتها لكن ببطء محاولاً قدر الإمكان ترديدها بلكنة سليمة.

الفلوجي (55 عاما) نازح منذ سبعة سنوات من محافظة الأنبار غربي العراق، تعود أن يختتم نهاره بساعة مسائية يقضيها في المقهى قبل  مغادرة السوق الى بيته القريب في شقق الاسكان التي تعج بالمقيمين العرب.

يقول الفلوجي بأن النازحين واللاجئين كونوا علاقات وطيدة مع المواطنين الكرد وأصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي في مدينة أربيل. فهم متواجدون في السوق، يبيعون فيه ويشترون، ويعرفون ما هي المطاعم التي تقدم أفضل الطعام والمقاهي التي يمكن أن تحتسي فيها أطيب “استكان شاي” وصاروا يعرفون أسواق المدينة جيدا بل وحتى دهاليز أزقة أحياء اربيل القديمة.

خلال سنوات اقامته السبع، تعلم الفلوجي اللغة الكردية، فهو يفهم الأحاديث بنحو جيد لكنه مازال يجد صعوبة في الكلام “كذلك معظم اخوتي الاكراد يفهمون العربية لكنهم يتكلمونها بلهجة متعثرة.. نزوح الكثير من العرب بعد 2014 رفع العوائق بيننا، منذ سنوات وأنا أعيش هنا لم أشعر يوما بالعنصرية ولم أتعرض الى المضايقة من أحد”.

لكن محمد علي (36 عاما) العربي القادم من صلاح الدين، والذي يعمل في مطعمٍ شعبي بحي قديم وسط اربيل، تمكن خلال سنوات قليلة من اجادة الكردية وتحديدا اللهجة (السورانية) التي يتحدث بها سكان اربيل والسليمانية.

يقول “تعلمت الكردية خلال عملي في المطعم. لم أقم بالتسجيل في معاهد تعليم اللغة. الاختلاط في العمل والشارع يجعلانك تتعلم بسرعة. اغلب الزبائن هنا من الكرد لذلك اكتسبت لغتي من خلال الحديث معهم”.

بخلافه يقول مراد قاسم(32 عام ) أنه لم يستطيع تعلم الكردية على الرغم من مرور ثماني سنوات على اقامته في أربيل، عازياً الأمر الى كونه يعمل في محل كوافير في منطقة (اوزال ستي) حيث أغلب المقيمين هناك من العرب وتسود اللغة العربية هناك.

وعدم تعلم اللغة الكردية بالنسبة للمقيمين العرب هو الشائع، فالموطنون الكرد هم من يسعون لتعلم العربية، خاصة ممن يعملون في الأسواق التجارية والشركات والمقاولات أو في قطاع الخدمات والفنادق والسياحة فضلا عن اصحاب التكسيات.

موهبة فجرها النزوح

قريباً من قلعة اربيل التاريخية، يجلس شكري عبد عطية على كرسيهِ مطلقاً العنان لفرشاته، راسماً بها وحسب الطلب وجوه زبائنه ولوحاتٍ تدلل على مهارته التي تفجرت خلال السنوات السبع التي قضاها في أربيل، حتى أصبح رساماً مشهوراً.

عطية كان شرطياً في محافظة الانبار التي نزح عنها في حزيران/يونيو2014، بعد سيطرة داعش عليها وقتل عناصره للكثير من رفاقه منتسبي الشرطة المحلية.

يقول انه كان يطارد الموت ويختبئ منه ولم يكن يملك وقتا لممارسة هوايته، لكنه اليوم صار يلتقط الفرح في وجوه زبائنه الكرد والعرب على حد سواء “هذه هي وظيفتي” يردد بسعادة وهو يمرر فرشاته بخفة على لوحة طلبها زبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول بأنه يتلقى الطلبات بكل اللغات ويحاول الرد عليها. ويتابع وهو يبتسم “أقول بعض الكلمات بالكردية وبطريقة صحيحة، والبقية حتماً ليست كذلك، لكنها  كافية للتواصل، أشعر بأن تكلمي بلغتهم تعني شكراً مني لما قدموه لي في أصعب فترة مررت بها في حياتي” .

يقول محمد زنكنة وهو عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني أكبر الأحزاب في الأقليم، ان “ماتوفر للعرب في اقليم كردستان لم يتوفر لهم في مدنهم التي نزحوا منها حتى بعد تحريرها، الاقليم احتضنهم في حين رفضت محافظات جنوبية استقبالهم بحجة التخوف من أمكانية وجود متسللين من داعش بينهم”.

ويقر زنكنة بأن جزءا من النازحين خلقوا التنوع الحالي الذي تعرف به اربيل اليوم وساهموا في بنائه، مشيرا الى أن “الاقليم تحمل الثقل الاكبر من النازحين وأمن متطلباتهم بالتعاون مع المنظمات والامم المتحدة”.

ويعتقد بأن التعايش السلمي وتقبل الآخر هو السبب الأهم لبقاء العرب في كردستان واتخاذهم للإقليم مكاناً للسكن والعمل.

الاندماج الثقافي والاجتماعي

يفضل كثيرون من أبناء مختلف المكونات العراقية الاستقرار في اربيل بسبب توفر فرص العمل والتنوع الثقافي السائد فيها، فهناك الكرد والتركمان والعرب والمسيحيون الذين تكتظ بهم منطقة عينكاوا.

بعض هؤلاء ورغم استقراره المتأخر في اربيل اندمج بنحو سريع في المجتمع الكردي، وكون صداقات مع العائلات الكردية وصلت بعضها الى المصاهرة.

تفرض العادات والتقاليد في إقليم كردستان مبالغ كبيرة على من يتقدم لخطبة فتاة كردية، ومع تراجع الامكانات المالية لأهالي الاقليم في السنوات الاخيرة التي شهدت نزوح آلاف العائلات العربية الى المدن والقرى الكردية واختلاطهم بسكانها، ظهرت حالات مصاهرة بين المكونين نتيجة اقبال بعض الشبان الكرد للزواج من عائلات عربية.

وأصبح من المألوف أن يتقدم كرديٌ بطلب يد فتاة عربية، لتأسيس حياة أسرية تخلو من الديون التي قد تفرضها متطلبات الزواج الباهظة من فتاة كردية. بحسب من تحدثوا لنا.

دلشاد يوسف، الذي جاوز عقده الثالث، هو واحدٌ من الذين أقدموا على ذلك، فعمله كمحاسب في مركز تجاري بالسليمانية لم يكن ليؤمن متطلبات الزواج بكردية، ويقول: “كنت سأحتاج في أقل تقدير الى عشرين الف دولار لو تزوجت باحدى بنات اقربائي، وأنا أسكن شقة سكنية صغيرة ببدل إيجار يبلغ 200 دولار”.

فرق أصابع يده التي مدها أمامه: “5000 دولار فقط كانت تكلفة زفافي من بنت عربية نازحة تقدمت لخطبتها من والدها الذي يعمل محاسبا ايضا. ونحن سعداء ويسود بيننا التفاهم والاحترام”.

ثم استدرك: ” نحن نواصل حياتنا، هي تتقن الكردية الآن وأنا تعلمت منها العربية “.

يرى الباحث الاجتماعي بيار حاجي، بأن حالات الزواج بين المكونين التي حصلت في السنوات الأخيرة أمر طبيعي نتيجة الاختلاط والتلاقي الثقافي والاجتماعي، وهي حالات كانت موجودة بشكل محدود قبل عقود من الزمن لكنها اختفت في مطلع تسعينات القرن الماضي.

ويقول حاجي، ان “تعايشا ايجابيا حصل في السنوات الأخيرة، وغلبت العلاقات الإنسانية النزعة القومية، فقد كانت هنالك أفكاراً وتصورات مغلوطة مترسخة في ذهنية المواطن العربي عن اقليم كردستان بفعل السياسات الخاطئة والعكس ايضا، لكنها تغيرت بمجرد حدوث الاختلاط، وغطت المشاعر الانسانية على الكثير من الأمور” .

أمن وقانون وفرص

“كل شيء منظم هنا وكأنك في دولة أوروبية، الإجراءات والقوانين واضحة لتشجيع الاستثمار.. نعم المنافسة أكبر لكن أسعار العقارات أرخص والتسهيلات كثيرة، ولن يضيع لك مال هنا” يقول المقاول أبو علي القادم من الموصل متحدثا عبر الهاتف الى صديق من مدينة البصرة جنوبي العراق، محاولاً إقناعه للانتقال الى كردستان.

ثم ذكر بان أقليم كردستان مقارنة بباقي مناطق العراق يمثل قصة نجاح في المجال الاستثماري وهناك بنية تحتية أفضل ومستوى خدمات أعلى وتطوراً اقتصادياً لافتاً الى جانب معدلات بطالة وفقر اقل.

“جزء كبير مما تحقق يرجع الى عامل استتباب الأمن وقانون الاستثمار لسنة 2006” يقول أبو علي بامتنان ويضيف بأن القانون يتيح للمستثمرين إعفاءً ضريبياً لعشر سنوات وأرضاً مجانية لأصحاب المشاريع الضخمة فضلاً عن تخفيضات كمركية كبيرة.

أبو علي كان يعمل في مجال المقاولات الإنشائية في مدينة الموصل، لكنه تعرض إلى تهديدات بالتصفية قبل نحو 15 عاما ونجا من محاولة اغتيال لأنه رفض إعطاء تنظيم القاعدة نسبة 10% من أرباح المشروع الذي كانت قد رسيت عليه مناقصته من مديرية تربية نينوى.

بعد تلك الحادثة اضطر الى ترك المدينة والانتقال الى الإقليم “كان ذلك في خريف 2017 بدأت حياة جديدة وقررت خوض العمل في ذات الحقل، منذ ذلك اليوم والى الان لم اتعرض لأي ابتزاز او تهديد، نعم المنافسة كبيرة والارباح أقل لكن مادمت قد حصلت على الموافقات الرسمية والتسهيلات اللازمة، لا شيء يمكن ان يعطلك ويشكل خطرا على عملك”.

وعن انخراط العرب في الحياة الاقتصادية بكردستان بما فيه الاستثمار، يقول الخبير الاقتصادي ادريس رمضان كوجر “لقد اصبحوا جزءا من القطاع الاقتصادي ودخلوا سوق العمل ولهم دور إيجابي في ذلك خاصة في قطاع الخدمات وعمليات البناء والاعمار”.

ويشير كوجر الى أن الأمن المتوفر والبنية التحتية والخدمات التي يقدمها الإقليم هو ما حفزهم على ذلك و يقول “المواطنون العرب هنا في أربيل لا يشكلون مجرد قوة شرائية فقط كما يعتقد البعض. نعم هم ينفقون الأموال في التسوق والسياحة والترفيه والاقامة، لكن أيضاً يستثمرون أموالهم في اقامة المشاريع ويحققون ارباحاً”.

يتسيدون سوق العقارات

يعتمد قطاع السياحة بكردستان، والذي يعد واحدا من أبرز القطاعات الاستثمارية، بنسبة تزيد عن الـ 80% على المواطنين العرب القادمين من محافظات وسط وجنوب البلاد فيما تتوزع النسبة الباقية بين القادمين من ايران وتركيا.

بينما يقدر مستثمرون في قطاع العقارات الذي يتسيد المشهد الاستثماري في الاقليم، بأن القطاع يعتمد بنسبة تفوق الـ60% على الزبائن العرب.

وتؤكد الأرقام الرسمية أن غياب العرب عن السوق الكردية سيعني انهياراً للقطاع السياحي في الاقليم كما حدث في العام 2020 والنصف الاول من العالم الجاري بسبب جائحة كورونا، وسيوجه ذلك الغياب ضربة لا يمكن معالجتها لقطاع العقارات.

يقول ئارام قادر، الذي يعمل في المجال العقاري، بان “غياب العرب عن السوق هنا سيعني افلاسنا”. ويتساءل “من سيشتري كل هذه العقارات؟ الموظفون هنا لا يستطيعون تأمين متطلبات معيشتهم، والاغنياء من طبقة المسؤولين وكبار الموظفين لديهم بدل العقار الواحد عشرة. لذلك فنحن نستهدف المواطنين العرب بشكل اساسي”.

ويلفتُ إلى أن عشرات المشاريع السكنية الجديدة التي ترتفع بناياتها وسط أربيل ودهوك والسليمانية، تبحث عن مشترين عرب، وبنظرة سريعة على اعلاناتها في السوشيال ميديا ستكتشف بأنها موجهة لتلك الشريحة”.

يوافقه الرأي زميله، كاميران الذي يدير فندقا وسط اربيل “ليس قطاع العقارات فحسب بل قطاع الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية الأخرى، كنا سنغلق أبوابنا لولا الإقبال من وسط وجنوب العراق”.

ويردف:”اذا زرت أسواق القلعة ستكتشف سريعا بأن جزءاً كبيرا من المتسوقين هم من العرب، وعندما تتوقف المجاميع السياحة عن القدوم، تجد بأن أصحاب المتاجر والمطاعم  يجلسون بلا عمل”.

يؤكد محمد عبدالله  مدير فرع شركة “الحاج سلام” للعقارات التي تملك 18 فرعا في الاقليم اضافة الى تركيا وعدد من الدول الاوربية، تلك المعلومات، مبينا أن المواطنين العرب يشكلون ما نسبته 60 – 65%  من مشتري العقارات في الإقليم.

وينفي وجود مجمعات سكنية محددة يجتمع فيها العرب بنحو حصري “المجمعات السكنية عادة ما تضم المكونات العراقية المختلفة، فجميع من يحملون الجنسية العراقية يحق لهم شراء عقارات وتملكها بإسمه في أي مكان في كردستان”.

التوازن السكاني

ولا يجد الصحافي الاقتصادي سيماند كريم، مشكلة في اعتماد سوق العقارات على المواطنين العرب ففي النهاية سيسهم ذلك في “تحريك السوق ودعم البنية التحية وتطوير الاقتصاد”.

ويستدرك “أما فيما يخص الاستثمار فيشترط القانون أن يكون هنالك شريك كردي للمستثمر من خارج الإقليم وهذا لحماية مصالح المستثمرين المحليين”.

ويشير الباحث محمد زنكنه، الى عدم وجود مشكلات في التملك أو العمل لكن هنالك شروط ضرورية ينبغي توفرها تتعلق بالأمن، ومن الممكن أن تسبب عراقيل حتى لبعض المقيمين في كردستان.

ويوضح أن بعض المسائل تتعلق بـ”الخصوصية القومية” للاقليم، مشيرا الى ان سياسات نظام حزب البعث المتعلقة بالتعريب وتمليك الاراضي لبعض الجماعات الموالية له في السبعينات والتي تحولت الى مشكلة سياسية اليوم، جعلت حكومة الاقليم حذرة بعض الشيء في بعض الجوانب.

يعلق جمال حاجي، الكردي السبعيني الذي كان يسأل عن أسعار الشقق في واحدة المجمعات التجارية الحديثة، على فتح حكومة الاقليم أبواب قطاع العقارات على وسعها أمام المواطنين العرب: “لا أفهم بالسياسة ولا بأهمية تلك الخطوة لاقتصاد الاقليم، ولا أعرف هل لدى الحكومة اجراءات لضمان التوازن السكاني في المدينة، لكني منزعج فهؤلاء لا يسمحون للأسعار بالانخفاض، لا يمكنني أن أجد شقة مناسبة لعائلة ابني المتزوج منذ سنوات”.

ويضيف وهو يبتسم :”اذا استمر الحال على ما هو عليه، فستصبح أربيل خلال عقد أو اثنين ذات غالبية عربية، ونحن سنصبح اقلية”.

يبدي مواطنون كرد آخرون ذات الشكوى، لكن هذه المرة بسبب مزاحمة العرب لهم على فرص العمل، خاصة في قطاع الخدمات، فبعض المولات التجارية والشركات الى جانب المرافق السياحية تستقطب العمال العرب “بأجور اقل وشروط التزام أكثر”.

تلك الفرص ونوعية الحياة، هي التي دفعت قسم كبير من النازحين لمدن الاقليم الى عدم العودة لمناطقهم السابقة بعد استعادتها وانخرطوا في الحلقات الاقتصادية وأسسوا حياة جديدة لهم حتى بعد استعادتهم لوظائفهم السابقة.

فمازال الرسام شكري عبد عطية، يواصل عمله على الرصيف المحاذي لقلعة اربيل، وحتى بعد عودته الى وظيفته في سلك الشرطة عقب قرار الحكومة العراقية بإعادة المفصولين من وزارتي الدفاع والداخلية. هو يؤدي واجبه في قيادة شرطة الانبار لعشرة أيام في الشهر ويعود الى عائلته في أربيل  وينجز الطلبات المتراكمة من اللوحات لزبائنه.

هو لا ينوي نقل عائلته مجددا الى الأنبار “اشعر ان أربيل هي ملاذي الآمن..أطفالي اعتادوا على الدراسة بالمدارس العربية، وآمل أن يدخلوا الجامعات هنا.. أصبحت اربيل مدينتي وفيها مستقبل أطفالي”.

انجز التقرير بدعم مؤسسة نيريج للصحافة الاستقصائية ونشر بشكل مختصر على موقع “درج”

المزيد عن تقارير سردیة

Reports

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19016}" data-page="1" data-max-pages="1">