الايزيديون يحصنون مخيماتهم بالطابوق مغلقين ملف “العودة المستحيلة”
في ظل الصراع الاقليمي المتقاطع بين طريق "السبايا الشيعة" وطريق "التركمان العثمانيين"
في ظل الصراع الاقليمي المتقاطع بين طريق "السبايا الشيعة" وطريق "التركمان العثمانيين"
ميسر الأداني/ حزيران 2021:
ضمت “كوري قاسم” (38 سنة) طفليها بين ذراعيها وهي تراقب من بعيد ألسنة النار التي تلتهم عشرات الخيم وتخلف أعمدة دخان هائلة غطت كل المخيم الذي يضم الجانب الجنوبي منه خيمتهم التي آوتهم طوال سنوات النزوح السبع، وتحولت خلال دقائق مع كل ما يملكونه إلى رماد.
ليست المرة الأولى التي يحترق فيها مخيم شاريا للنازحين الايزيديين الواقع 16كم جنوب دهوك بإقليم كردستان، منذ إنشأ على عجل في آب 2014، فقد شهدت عائلة كوري عدة حرائق سابقة خلال سنوات وجودهم فيه بعد فرارها مع طفليها من داعش الذي اختطف عناصره زوجها وأحد أطفالها ودمر منزلهم الطيني في ناحية القحطانية قرب سنجار على الحدود مع سوريا.
“حدثت حرائق صغيرة هنا في السابق، لكن هذه المرة احترق كل شيء ولم نعد نملك مأوى”، تقول كوري التي احمر وجهها تحت لفحات اشعة الشمس، وخلف الدخان والرماد بقع سوداء على ملابسها البيضاء، مشيرة إلى أنها كانت تعيل نفسها وطفليها من خلال المساعدات وما يجود به المحسنون وتعد الأيام على أمل أن يعود زوجها وابنها المفقودين.
بعد ساعات من الصدمة التي شردت مجددا مئات العوائل، اعلن محافظ دهوك “علي تتر” ان حريق المخيم الذي يأوي بشكل خاص الايزيديين النازحين من قضاء سنجار أدى إلى احتراق 370 خيمة بالكامل تعود لـ 184 عائلة تتألف من 994 شخصاً.
ذلك الحريق بتداعياته وبما فرضه من مطلب أساسي وحيد للنازحين تمثل باعادة بناء خيمهم لكن هذه المرة بالطابوق، بما يحمله ذلك من مؤشر على بقاء طويل، اضيف الى عوامل أخرى بينها فشل تطبيق اتفاقية سنجار وبدء مشروع اعادة عوائل تنظيم داعش من سوريا الى العراق، تدفع بمجملها الى اغلاق ملف عودة سكان سنجار الى مناطقهم تحت وقع صراع ومصالح قوى اقليمية ومحلية مختلفة لها خططها على تلك الأرض.
بالبناء بالطابوق بدلاً من خيامهم المحروقة.. نازحون ايزيديون يعلنون رفضهم العودة إلى سنجار
افتقاد متطلبات السلامة
في خضم الحادثة التي أعادت التذكير بمأساة الايزيديين الذين تعرضوا للابادة والتهجير قبل سبع سنوات، أعلنت السلطات المحلية في دهوك عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الحريق، فيما رجح مصدر في الدفاع المدني بدهوك أن يكون سبب حريق المخيم الذي تقطنه ما يزيد عن ثلاثة آلاف عائلة بعدد اجمالي يقدر بـ16000 شخص، تماساً كهربائياً، مشيرا الى اصابة 25 نازحاً فقط بجراح متفاوتة.
محما خليل، قائممقام قضاء سنجار المعترف به من قبل حكومة اقليم كردستان، وصف الحادث بأنه “مأساة إنسانية وإبادة أخرى”. مذكراً بما حدث للإيزيديين غداة هجوم داعش على بلداتهم وقراهم في سنجار غربي نينوى يوم الثالث آب/أغسطس 2014.
وانتقد خليل الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية لعدم توفيرها متطلبات السلامة للمخيم ولا تأمينها لمركبات الإطفاء والإسعاف. ودعا المنظمات الناشطة للتدخل وإيجاد حلول جذرية للحد من تكرار هكذا حرائق لحين تأمين عودة النازحين الى مناطقهم.
لكن النازح زياد خلف (35عاما) يرى ان المشكلة اكبر من توفر متطلبات السلامة او مركبات الاسعاف واطفاء الحرائق، وهي في الأساس تتعلق “بسوء تنظيم تجمعات الخيم في ظل ضيق مساحة المخيم، فالخيم متلاصقة وهناك زحام كبير”، وادارة المخيم تتحمل مسؤولية معالجة ذلك.
كما يحمل خلف المسؤولية أيضاً للنازحين أنفسهم: “عدم التزامهم بضوابط السلامة يؤدي الى حوادث، لاسيما أن الخيام مصنوعة من مواد قابلة للاشتعال كالقماش والبلاستك وبداخلها أنابيب غاز الطبخ وعبوات وقود التدفئة”.
لم يلتهم حريق مخيم شاريا للنازحين الايزيديين في مطلع حزيران خيامهم فحسب، وإنما أحلامهم بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا عنها في ظل الصراع الاقليمي على أرضهم وتناسي قضيتهم وتجاهل الحكومة والمجتمع الدولي لمطالبهم، معلنين من خلال بناء مساكن كونكريتية عن ترسيخ واقع نزوحهم وتمديد سنوات بقائهم
خسائر لا تعوض
خسر خلف مثل عشراتٍ آخرين من أرباب الأسر النازحة في المخيم، ممتلكاته ومدخراته التي جهد وعلى مدى سنوات في جمعها بعمله في اقليم كردستان كعامل بأجر يومي، يقول وهو يحاول النهوض بعد ساعتين من العمل الشاق على تنظيف ارضية خيمته من بقايا الرماد: “ضاع كل ما أدخرته، لا أعرف ما علي فعله الآن، مصيبتنا كبيرة وكل الأبواب مسدودة امامنا”.
ويتابع:”لم أكن أجمع المال لإعالة ما تبقى من عائلتي فقط، بل لكي يكون بين يدي ما يكفي في حال عثرت على أحد افراد عائلتي المخطوفين .. 30 شخصاً خطفهم التنظيم إبان هجومه على سنجار لا اعرف شيئا عنهم، لكن علي ان أجهز المال في حال ظهر اي منهم، لأدفعه للجماعات التي تبيع المخطوفين”.
فقد خلف اثنين من أبنائه وأربعة أشقاء وشقيقات مع أطفالهم، لكنه مازال وبعد سبع سنوات يأمل باستعادة بعضهم خاصة الاطفال منهم ويتواصل بحرص مع اي ناجي جديد بحثا عن خيط أمل.
مثل خلف خسرت عشرات العائلات مدخراتها وكل ما كانت تملكه من حاجيات ومئونة. يقول الأربعيني قاسم، الذي عمل طوال عامين في مجال البناء، انه خسر المال القليل الذي كان يأمل ان يساعده على شراء هيكل بيت صغير في سنوني لأنه لا يستطيع العودة الى قريته المدمرة في جنوب سنجار.
عودة مع وقف التنفيذ
حريقُ مخيم شاريا فتح مجدداً باب الجدل القائم في البيت الإيزيدي بشأن “قضية” عودة عشرات آلاف النازحين الى قضاء سنجار الذي يخضع لسيطرة قوى أمنية مختلفة ومتقاطعة الولاءات، أو بقائهم في 14 مخيماً موزعاً في إقليم كردستان أغلبها في محافظة دهوك.
قبلها وتحديداً في شهر نيسان/أبريل 2021 دعاهم رئيس الجمهورية برهم صالح في بيان صدر عن مكتبه للعودة من أجل اعادة اعمار مناطقهم.
البيان نفسه أكد وجود جملة من العقبات تعترض هذه العودة بإشارته إلى ضرورة تجاوز العراقيل السياسية والإدارية التي تمنع إنصاف ذوي الضحايا والعمل على تنظيم الإدارة في سنجار بالاستناد على إرادة اهلها وإبعادهم عن الصراعات السياسية وتعزيز أمنها واستقرارها وتقديم المساعدات المادیة والخدمات الأساسية.
ناشطون ايزيديون يرون بأن وجود جماعات مسلحة مختلفة الولاءات في سنجار بينها الحشد الشعبي والمقاتلون الايزيديون الموالون لحزب العمال الكردستاني الى جانب الجيش العراقي والبيشمركة الذين تتقاطع توجهاتهم، تثير مخاوف النازحين وتمنعهم من العودة.
هذا فضلاً عن الإنقسام الإداري الذي أدى الى نشوء حكومتين للقضاء مع قائممقامين أحدهما يتلقى تعليماته من العاصمة بغداد والآخر من أربيل في إقليم كردستان. وكانت النتيجة وأد خطط اعمار كثيرة أعلنت في السنوات الماضية.
حتى خطة الإدارة المشتركة للقضاء وفق “اتفاقية سنجار” الموقعة في تشرين الأول/أكتوبر2020 برعاية بعثة الأمم المتحدة في العراق والتي بشرت بها حكومتا بغداد وأربيل، لم تر النور بسبب رفض قوى الحشد الشعبي لها وبوجود خلافات بين الحكومتين تعلقت بسلطة كل منهما على القضاء الذي يعد بالأصل من المناطق المتنازع عليها بين الاقليم والمركز.
وما زاد من احباط النازحين ورفع مستوى مخاوفهم من العودة إلى سنجار، الإعلان في شهر أيار/مايو 2021 عن نقل دفعة أولى من أصل 100 عائلة لعناصر تنظيم داعش، من مخيم الهول في شمالي شرق سوريا إلى مخيم الجدعة قرب ناحية القيارة جنوب مدينة الموصل.
وأثار مرور حافلات تقل هذه العائلات عبر قضاء سنجار الواقع على الحدود العراقية السورية موجة غضب في الشارع الإيزيدي، إذ وصفت النائب السابق في مجلس النواب فيان دخيل الأمر بأنه “إهانة كبيرة جداً لجراح الضحايا التي ما تزال تنزف وصفعة أخرى بوجه الإنسانية والألم الذي مازلنا نعيشه”.
وحمل حريق شاريا وعلى خلفية الصراع الأمني وفشل اتفاقية سنجار وبدء عودة عوائل تنظيم داعش، ردة فعل قوية من النازحين تمثلت باصرارهم على بناء غرف من الطابوق بدل خيمهم في قرار يؤشر بقطعية بقائهم في اقليم كردستان وغلق ملف العودة إلى سنجار.
هل يصبح مخيماً دائمياً
أمير الإيزيديين حازم تحسين بك، ذكر بأن أعضاء المجلس الروحي الإيزيدي الأعلى قابلوا بعد وقوع حريق مخيم شاريا مباشرة، مسؤول مؤسسة بارزاني الخيرية في اقليم كردستان وجرى الاتفاق على تشييد أبنية من الكونكريت في المخيم بدلاً من الخيام كتعويض للنازحين.
وأضاف الأمير “كان علينا الوقوف مع أبناء شعبنا في المخيم ودعم مطالبهم لأنهم فقدوا كل ما لديهم بسبب احتراق خيمهم”.
بعد أيام قلائل من احتراق المخيم، دب النشاط فيه وارتفعت الجدران الاسمنتية في مواقع الخيم المحروقة ليتم تشييد أول مخيم دائم للنازحين في العراق خلافاً لما أعلنت عنه وزارة الهجرة والمهجرين العام 2020 من خلال الوزيرة ايفان فائق بأن العراق سيكون خالياً من مخيمات اللاجئين بحلول نهاية ذلك العام.
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قررت بدورها السماح “لبناء مأوى” في مخيمات النازحين بمحافظة دهوك وذكرت في بيان صدر عنها أن قرارها لن يقلل من مخاطر نشوب حرائق مستقبلية فقط فحسب بل سيكون خطوة إيجابية تجاه الحماية والكرامة والسلامة والخصوصية لكل أسرة نازحة في المخيم. على حد ما ذهب اليه البيان.
وأكدت المفوضية أن البناء في المخيم حل انتقالي الى أن تتمكن هذه العائلات من العودة إلى ديارها بطريقة طوعية وآمنة وكريمة.
وتابعت “ستعمل المفوضية والشركاء في المجال الإنساني عن كثب مع الحكومة وإدارة المخيمات والمجتمع لغرض اجراء التطويرات المناسبة لذلك المأوى ومواصلة الأنشطة طويلة الأمد للوقاية من الحرائق بما في ذلك توفير طفايات الحريق والتوعية بالمخاطر بغية تخفيفها”.
وحث البيان الدول المانحة للمساهمة في تلبية الحاجة الملحة للمأوى، الى أن تتمكن العوائل من العودة إلى حياتهم الطبيعية.
لكن خدر دوملي الباحث في حل النزاعات وبناء السلام، لا يرى في بناء غرف كونكريتية بدلاً من الخيام حلاً لمشكلة النازحين الايزيديين.ويقول ان من المحال بنائها لجميع النازحين، متسائلا “هل مجرد غرفة وملحق صغير في مساحة الخيمة المحروقة كافي لعائلة تضم عدة أفراد؟”.
ويرى دوملي بأن الحل يكمن في العمل على خلق الظروف التي تساعد النازحين على العودة إلى ديارهم والعيش هناك بكرامة، مشيرا الى ان آلاف العائلات النازحة في العديد من المناطق عادت إلى مناطقها واستقرت مجدداً “فلماذا لا يتحقق ذلك لأهالي سنجار؟”.
ويستدرك: “نعم الايزيديون وضعهم مختلف لأنهم تعرضوا لإبادة جماعية وهناك آلاف المختطفين، ومازالت مظاهر الدمار في مناطقهم قائمة، لكن هذا لا يعني الاستسلام لذلك الواقع”.
ويرجع دوملي سبب لجوء النازحين الايزيديين في شاريا الى البناء بالطابوق محل خيمهم المحترقة الى “الاحباط الذي يعيشوه وفقدانهم الأمل في تحسن أوضاعهم، وهو ما يدفع الكثيرين الى الهجرة والاستقرار في بلدان أخرى”، معربا عن اعتقاده بان ادارة قضية الايزيديين مسألة صعبة وتتطلب “معالجات بخطوات تدريجية متلاحقة كونها سلسلة مترابطة بعضها بالبعض الآخر”.
عادت داعش ولم نعد بعد
جلال علي (40 عاماً) الذي مازال يبحث عن أطفاله الذين اختطفهم تنظيم داعش في آب/ أغسطس 2014. كان يعيش تحت وطأة الغضب من أنباء بدء المرحلة الاولى لمشروع إعادة عائلات عناصر داعش إلى العراق، حين اندلع الحريق في المخيم.
يقول “خيبتنا لا توصف، في الوقت الذي أفقد أنا مأواي البائس الذي أجبرني عليه داعش بكل ما جمعته خلال السنوات الماضية، تؤمن الدولة محل سكن لعائلات عناصر التنظيم الذين اختطفوا ابنائي وقتلوا اقربائي وسلبوني كل ما كنت أملك”.
جلال كان أول النازحين الذين قرروا استخدام الطابوق الكونكريت في بناء غرفة محل خيمته، تعبيراً عن احتجاجه، رغم ان ادارة المخيم ترفض وبشدة منذ سنوات اي خطوة كهذة. موقفه ذلك كان بمثابة اعلان عن رفضه الرجوع الى سنجار في الأقل على المدى القريب.
المؤسسة الإيزيدية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية تبدو الجهة الإيزيدية الوحيدة المرنة في مناقشة مسألة عودة عائلات عناصر داعش لكن بشروط حددها مستشارها نهاد القاضي بفرز الرجال والنساء الذين لم يشتركوا بما وصفها جرائم ضد الايزيديين، الى جانب قيام المؤسسات الحكومية بوضع برامج لإعادة تأهيل أطفال عوائل التنظيم ومن ثم دمجهم بالمجتمع وقبل كل ذلك محاكمة كل المتورطين بجرائم ضد الايزيديين وعدم شمولهم بأي عفو.
وذكر القاضي بأن هذه الشروط تضمنها تقرير أصدرته المؤسسة بناءً على أبحاث ودراسات أكاديمية وتجارب لأزمات وقعت في دول أخرى نجحت في تخطي المصاعب التي اعترضتها في سعيها لترسيخ التعايش السلمي.
لكن الناشط السياسي فراس خلف، يعتقد أن إعادة عائلات عناصر داعش من مخيم الهول إلى نينوى يعني انهاء دعوات عودة الايزيديين الى مناطقهم.
وتساءل “ألم يكن من الأولى لمن خطط لذلك أن يبحث عن أطفالنا ويعيدهم الينا بدلا من إعادة أطفال عناصر التنظيم؟”.
وتتوقع الناشطة الإيزيدية أحلام سعيد أن يتعقد أكثر ملف عودة النازحين الايزيديين الى سنجار في ظل التطورات الأخيرة، موجهة انتقادات لبعثة الامم المتحدة التي “أشرفت على اتفاقية نقل عائلات عناصر داعش الى مخيم الجدعة بنينوى”. وقالت ان ما يحصل “دليل على أن المجتمع الدولي لا يشعر بمآساتنا”.
ولا يقتصر رفض عودة عائلات عناصر داعش الى نينوى على الايزيديين فقط، إذ عبر مسؤولون وبرلمانيون وساسة عرب وكرد، عن مخاوفهم من تبعات هذه العودة في وقت ما تزال نينوى تعيش تداعيات سيطرة التنظيم عليها بين 2014 و2017.
وأعلن محافظ نينوى نجم الجبوري، قبل اسابيع من نقل الوجبة الأولى لعوائل التنظيم، عن رفض المحافظة استقبال تلك العائلات وعبر عن قلقه من حدوث مشاكل أمنية وخروج الناس في تظاهرات إذا ما اصرت الحكومة المركزية على سعيها، غير أنه عاد ليلتزم الصمت بعد الوصول الفعلي للدفعة الاولى من العائلات الى مخيم جدعة.
فيما وصف النائب شيروان الدوبرداني ممثل الكرد بمجلس النواب عن محافظة نينوى، عودة عائلات داعش بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تؤدي الى كوارث أمنية إن لم يتم وقفها. وهذا أيضاً ما ذهب إليه النائب عن نينوى أحمد الجبوري، محذرا من تبعاتها على المحافظة والبلاد بأسرها.
وتأتي خطوة نقل عوائل داعش من مخيمات سوريا الى نينوى، بعد تكرر مطالبة الادارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، بايجاد حل لمشكلة هؤلاء خاصة مع تصاعد عدد الجرائم في مخيم الهول الذي يعيش فيه 61 الف شخص نحو نصفهم من العراقيين، وتزايد محاولات الهروب منه. وتقول الادارة الكردية ان هؤلاء عراقيون ويجب ان تتولى الحكومة العراقية ايجاد حل لمشكلتهم.
شهود من مخيم الهول
في حين ترى جهات دولية ان عراقيي مخيم الهول، وغالبيتهم من الاطفال والنساء، هم بدورهم ضحايا ويجب ايجاد حل جذري لمشكلتهم من خلال برامج تأهيل، فان الايزيديين ومعهم الكثير من ضحايا التنظيم يرون ان هؤلاء يشكلون خطرا كبيرا فقد تربوا على فكر التنظيم وعقيدته القتالية وعلى رأسها الثأر.
رفيدة نايف(23 عاما) وقعت في قبضة داعش بعد اختطافها مع أفراد عائلتها من سنجار في صيف 2014 وبقيت اسيرة لدى مقاتلي التنظيم ولاحقا عوائلهم في “الهول” بسوريا، قبل ان يتم تحريرها من المخيم العام الماضي، بعد ان حصلت على رقم هاتف أحد افراد عائلتها وابلغته بوجودها في المخيم، لتعود الى العراق وتعيش في مخيم “رشان” بقضاء الشيخان جنوب محافظة دهوك.
تقول بأنها عاشت نحو عام هناك وتعرف مدى خطورة الأمر “كنت قريبة من نساء وأطفال داعش الذين نشأوا على نهج آبائهم وأعرف جيداً كيف يفكرون وكيف ينظرون الينا”.
وأضافت بنبرة غاضبة: “لقد ارتكبت ضدنا أسوأ ما يمكن تخيله من جرائم الاعتداء الجنسي والعنف وقتل اقاربنا وأحبابنا أمام أعيننا، والآن يريدون وضع تلك النار قريبا منا”.
وطالبت نايف بالتدقيق في حياة عائلات عناصر داعش والتحقيق مع أفرادها بدقة قبل اعادتهم. وإلا “لن يكون أمامنا نحن سوى خيار الهجرة والعيش في بلد آخر ليس فيه دواعش”.
يؤيدها الرأي الناشط وليد محمو، قائلا أن الكثير من نساء مخيم الهول يعملن بنحو فعلي في التنظيم ومتورطات بأعمال إجرامية وبالتالي يشكلن مصدر خطر.
ودعا محمو الجهات الأمنية والقضائية الى التحقيق مع عموم المتواجدات هناك وأخذ افادات منهم بشأن الأطفال الايزيديين “بالتأكيد لديهم معلومات عنهم”.
ويقدر عدد المختطفين الايزيديين الذين مازالوا مجهولي المصير بـ 2768 بينهم 1298 امراة وفتاة و1470 رجلا وصبيا، ويعتقد الكثير من النشطاء الايزيديين بأن عدد غير قليل من الاطفال المفقودين يتواجدون ضمن عائلات عناصر داعش المحتجزة في مخيمات سوريا.
أردوان محسن، ناج إيزيدي يبلغ من العمر 17 عاما، هو واحد من هؤلاء. تمكن من الخروج من مخيم الهول في منتصف أيار/مايو 2021 حين وجد فرصة لكشف هويته الحقيقية لادارة المخيم. يقول بأن أطفالاً أصغر منه اندمجوا مع عائلات داعش وبعضها موجودة الآن في الهول “لقد كبروا بين أفراد هذه العائلات ويعتقدون بأنهم من أبنائها”.
هو يعتبر نفسه محظوظاً لأنه لم ينس عائلته وكونه ايزيدي لأنه كان في العاشرة من العمر حين تم اختطافه من سنجار صيف 2014.
يرى الباحث الايزيدي خدر دوملي، الذي يتابع منذ سنوات ملف المفقودين، بأن المئات من العائلات في تلك المخيمات “تعرف على الأقل أماكن ومصائر المختطفين الإيزيديين، وينبغي قبل اعادتها التحقيق مع أفرادها وجمع أكبر قدر من المعلومات منهم”.
ويقول ان هذا الإجراء سيطمئن الإيزيديين من أن الحكومة العراقية جادة في البحث عن المختطفين وعازمة على الاقتصاص من الجناة.
ماذا خلف الصراع؟
في الأرض المحروقة بسنجار والتي تتلاشى آمال العودة الى أجزاء كبيرة منها بسبب الصراع القائم بين عدة قوى وارادات محلية واقليمية، بدأ صوت سنجاريين يتعالى منبهين الى ان معادلات جديدة ستفرض وجودا للمكونات مختلفا عما كان عليه قبل هجوم داعش.
ويقدر أعداد العائدين من الأيزيدين إلى مناطقهم في تجمعات وقرى القضاء بنحو 120 ألفاً، وهم من أصل 360 ألف شخصاً نزحوا من المنطقة عقب هجوم داعش عليها.
يقول لقمان، وهو موظف متقاعد، ينتمي الى المكون الكردي المسلم: “بعد كل عملية نزوح او هجرة جماعية تطول بضع سنوات لا يمكنك الا ان تتوقع اعادة تشكيل التركيبة السكانية بنسبة قد تطال نصف المجتمع”.
ويوضح :”الكرد المسلمون الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة في مركز المدينة، لن يعودوا اليها، لقد استقروا في دهوك وزاخو وأسسوا لحياة جديدة في ظل التوافق الثقافي-اللغوي والديني والقومي مع ابناء تلك المناطق، اما الايزيديون فسيعود بعضهم الى مجمعاتهم في شمال المدينة، وستظل مجمعات الجنوب المدمرة فارغة فلايران التي تدعم قوى الحشد الشعبي المسيطرة هناك مشاريع لم تتضح معالمها بعد”.
ويؤكد لقمان ان الأوضاع لن تعود الى ماكانت عليه سابقا، متسائلا “أين مسيحيو وأرمن سنجار الذين كانت لديهم كنيستان في المدينة، لقد غادروا منذ عقود ولن يعودوا أبدا”، وينبه الى ان “بعض شيعة سنجار وهم من الكرد عادوا اليها وآخرون ربما يفكرون بالعودة.. لا نعرف كيف ستجري الامور، لكن ربما سنجار المدينة ستكون بعد سنوات خالية من مسلميها الكرد السنة”.
بدورهم لا يخفي الايزيديون ان قضيتهم أصبحت ورقة سياسية تظهر وتختفي بحسب مصالح القوى المتنفذة التي تتحكم بمصيرهم وبفرص عودتهم.
سوزان حسن (32 عاما) من مخيم شاريا، ترجع فشل مشاريع العودة الى صراع الأحزاب السياسية التي تتحرك وفق مصالحها، تقول “ما ذنبي لأدفع ضريبة ذلك، لقد فقدت زوجي، وعلى هذه الأرض لا أعرف مستقبل أطفالي”. ثم وجهت كلامها الى الساسة “هل انتم سعداء الآن؟”.
ويعتقد الناشط المدني عامر سليم أن بقاء أبناء سنجار في مخيمات النازحين هو انعكاس لذلك الصراع المحتدم للهيمنة على المنطقة “هنالك من يريد الإيزيديين كشعب، وهناك من يريد أرضهم فقط دون شعب، وكل يستغل معاناتهم لتحقيق أهدافه”.
وبحسب قناعة عامر فان بناء مشيدات ثابتة للنازحين في المخيمات بمثابة حرب عليهم وليس حلاً لأزمتهم في وقت يصبح التغيير الديموغرافي في سنجار واقعا تحت وقع التدخلات الاقليمية “لايران خططها عبر الحشد، ولتركيا خططها، ولللاعبين المحليين أهدافهم”.
ويوضح “في ظل تواجد المقاتلين الايزيديين الموالين لحزب العمال الكردستاني، تركيا تتدخل مبررة ذلك بحماية أمنها القومي، لكنها في الواقع تنظر الى تلعفر التركمانية والطريق المؤدي الى كركوك. ومع انتشار الفصائل الموالية لإيران يعلو الحديث عن تنامي النفوذ الشيعي، وعن اعادة اكتشاف وبناء طريق “السبايا الشيعة” الذي يمر بسنجار وعن ممر الهلال الشيعي الممتد من ايران الى سوريا عبر سنجار”.
وطريق السبايا هذا، مشروعٌ كشفت عنه العتبة الحسينية في العراق وقالت إنه يهدف لتقصي آثار مسير ركب «سبايا» آل البيت بعد واقعة الطف التي حدثت في كربلاء في العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة، الموافق 12 أكتوبر (تشرين الأول) 680 للميلاد والتي قتل فيها الحسين بن علي بن أبي طالب وبعض أهله وأصحابه بيد الجيش الأموي. لكن البعض يحذر من الابعاد السياسية للمشروع.
كل تلك التدخلات الاقليمية والصراع بين القوى المحلية، بحسب عامر، سيبقي ملف سنجار معلقا لسنوات قادمة قد تحمل معها تغييرا ديمغرافيا لا يعرف طبيعته وحجمه، لكن الأكيد انه سيأتي على حساب معاناة أبناء الأرض المشردين.
أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ونشر بشكل مختصر في موقع درج