تحقيقات استقصائية: تصاعد الجريمة في الساحل السوري .. من أكثر المناطق أمناً الى شيكاغو سوريا

تصاعد الجريمة في الساحل السوري .. من أكثر المناطق أمناً الى شيكاغو سوريا

تزايدت في السنوات الأخيرة عدد الجرائم في سورية عموما والساحل السوري خصوصا، مع ملاحظة "بشاعة" و"تطوّر" في الأساليب لم تكن مستخدمة سابقا. فما أسباب هذه الزيادة؟ أي دور للحرب السورية الدائرة في ذلك؟ يعمل هذا التحقيق على الكشف عن أنواع الجرائم ونسبها، وأيضا أسبابها المباشرة والعميقة.

حازم مصطفى/ اسم مستعار/ كاتب وصحفي سوري مقيم في اللاذقية:

(اللاذقية) “كنتُ على شرفة منزلي ظُهراً أجري اتصالاً هاتفياً عندما شاهدت شاباً أعرفهُ على شرفة منزل الجيران يسحب بندقية روسيّةً ويطلق النار على خطيبته وأختها فسقطتا على اﻷرض فوراً. ودون توقّف وجّه الشاب البندقية إلى رأسه وأطلق الرصاص فسقط هو اﻵخر ميتاً وبركة دماء من حوله. حين وصلتُ إلى بيتهم، كانت الخطيبة (واسمها رنا)  والشاب القاتل قد فارقا الحياة، أما اﻷخت “هناء” فكانت تصارع خلجات الموت: حملتُها وأسرعت بها إلى المشفى الوطني، والحمد لله نجت من الموت بأعجوبة، لكن الرصاص مزّق أحشائها وقطّع أحد شرايين ساقها، وهي إلى اليوم في المشفى”.

هذا ما يرويه لحكاية ما انحكت المهندس “أيمن” ( 47 عاماً)، جار الضحية رنا (23 عاماً) التي لم تتخيل أن يكون يوم الثامن من حزيران/ يونيو، المصادف لموعد إلغاء حظر التجول النهاري في سوريا بسبب فيروس كورونا، هو آخر يوم في حياتها، وأن تموتَ على يد خطيبها.

بين القتل العمد وضحايا الحرب السورية: يُعرّف القتل أنه “الموت غير القانوني الذي يُلحق بشخص بقصد التسبّب في الوفاة أو الإصابة الخطيرة”، ويتضمن التعريف وفق المحامي القاطن في مدينة اللاذقية، أنور محمد (46 عاماً) ثلاثة عناصر تصف قتل شخص بأنه “جريمة قتل متعمد” وهي قتل شخص على يد آخر (عنصر موضوعي) ونية الفاعل قتل الضحية (عنصر ذاتي) وثالثاً عدم مشروعية القتل (عنصر قانوني)، وتعتبر عمليات القتل التي تستوفي المعايير السابقة جرائم قتل مقصودة”.”القتل العمد” كما يقول المحامي أنور هو “أحد أكثر المؤشرات القابلة للقياس والمقارنة، وبسبب نتائجه الواضحة يكون قابلاً للمقارنات الزمنية (سنوات وعقود) والوطنية (الجغرافية والجنسية وغيرها)، كما أن له خصوصية تعريفية أكبر من بقية الجرائم الأخرى في السياقات التاريخية والوطنية المختلفة، فهو يتيح استقراء مستويات العنف داخل الدول والمناطق. بالطبع، تنشأ تحديات عندما يتعين فصل هذه الجرائم عن عمليات القتل الأخرى في حالات العنف الجماعي، مثل النزاعات المسلحة والاضطرابات والحروب، كما هو الحال عندنا”.للقتل العمد Intentional homicide وفق اﻷمم المتحدة ومعها القانون السوري آثار متتالية تتجاوز الخسائر الأصلية في الأرواح، “بحكم أنه يفسد حياة الضحية وعائلتها ومجتمعها اﻷقرب ممن يوصفون بأنهم “ضحايا ثانويون”، ويخلق حالات من الضغط المجتمعي، ويؤدّي لنشوء بيئة عنفية ذات تأثير سلبي على المحيط، وهو لا يقتصر على أشخاص على هامش المجتمع بل يطال جميع الناس، بغض النظر عن أعمارهم وجنسهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية” كما يقول المحامي أنور.

سبب الجريمة يعود إلى امتناع رنا عن إعادة المصاغ الذهبي لخطيبها، بتأييد من أختها، بعد أن قررت فسخ خطوبتها منه، لذا جاء المنزل وطلب من أختها الخروج من المطبخ وفق معلومات مصدرها جيران الضحية، ثم تكلّم بغضب إلى رنا، بجملة واحدة: “هذا آخر كلام إلك؟”. وحين ردّت رنا بصوت خائف: “نعم”، أجاب الشاب: “إذاً أعيدي الخواتم واﻹسوارة إليّ”، فسحبت الصبية نفساً وقالت له: “هذا حقّي ولن أعيد أي شيء إليك”، لتحدث بعدها جريمة القتل السادسة المسجّلة رسمياً  في الساحل السوري في غضون شهر.

سبقها بأيام قليلة إقدام مراهق في الخامسة عشرة من عمره يقطن حي “سقوبين” (طرف اللاذقية الشمالي) على إطلاق النار على أبيه فأرداه قتيلاً، وجريمة أخرى في قرية بديرة (ريف طرطوس) قَتَل فيها أبٌ مهندسٌ يعمل في المرفأ زوجته وأطفاله ذبحاً قبل أن يحاول الانتحار، فيما ضجّت البلاد بجريمة قتل واغتصاب شهدتها الدريكيش (ريف طرطوس) قام بها قاصران، ولحقتها مدينة طرطوس بجريمة قتل ثم انتحار للقاتل، فيما كانت جريمة قتل اﻷستاذ الجامعي أحمد صبح، من طرطوس والمدرّس في جامعة حلب، تتكشف نهاية أيار الفائت، بأن ولديه هما الفاعلان.

وخلال شهري تموز وآب وأيلول حدثت ثلاث جرائم قتل أخرى، وربما يكون هناك جرائم قتل غير معلنة أو تم التستر عليها ﻷسباب مختلفة، وهذا لم يعد مستبعداً في ظل الانفلات اﻷمني والمجتمعي الكبير الذي تعاني منه البلاد اليوم.

تتكرر هذه الحوادث بشكل متسارع منذ سنوات، وتتناقل اﻷنباء حدوث جرائم قتل في الساحل السوري خارج مجريات النزاع الدموي في البلاد. وإذ لا يبدو اﻷمر مستغرباً في ظروف الحرب، إلا أنّ التدقيق في التواتر والأعداد والانتشار والنوعية، يشير إلى أن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسبة جرائم القتل التي تم تنفيذها بطرق بشعة وغير معتادة على هذه المجتمعات. لهذا يعمل هذا التحقيق على الكشف عن أنواع الجرائم ونسبها، وأيضا أسبابها المباشرة والعميقة.

 

ثبات لعقود ثم ارتفاع واضح

لم تكن سوريا من أماكن الجريمة الخطيرة على مدى عقود سابقة، فقد كانت نسبة الجريمة لكل مئة ألف من السكان هي 2 ـ 2.2 جريمة قتل سنوياً. ويعلّق على الأمر المحامي المقيم في مدينة طرطوس كامل ابراهيم (62عاماً): “إن هذه النسبة وسطية، وغير موزّعة بالتساوي، بمعنى أنه قد يمر وقت دون تسجيل جريمة في محافظة ما، في حين ترتفع النسبة في محافظة أخرى، مع اﻷخذ بالاعتبار مساحات المحافظات وعدد السكان فيها، فمساحة وعدد سكّان دمشق تعادل ضعفي مساحة وسكّان محافظتيّ الساحل”.

مصادر متعددة

كان العام 2012 عاماً دموياً على السوريين، فقد شهدت البلاد عشرات التفجيرات الضخمة منها تفجير اﻷمن القومي (خلية اﻷزمة) ومجازر عديدة تزامنت مع حالة انفلات أمني غير مسبوق، فسجّلت البلاد 3823 جريمة قتل باعتراف السلطات الرسمية، وهي أرقام يشكك السوريون بدقتها دائماً، وانتشرت إشاعات وأخبار الجريمة والخطف والقتل بكثافة، ولم يكن العامان التاليان أقل ضراوة مع اشتعال المعارك في البلاد بأربعة جهاتها.

ووفقاً للمحامي العام الأول في دمشق، مروان لوجي، في حديث لصحيفة محلية “فإن نسبة الزيادة في جرائم القتل الشخصي والانتقام والثأر في دمشق وريفها العام 2011 وصلت إلى آفاق خيالية تجاوزت 400% مقارنة بالعام السابق”. ومنذ العام 2012 تغيّر الواقع اﻷمني العام وتسارعت زيادة جرائم القتل بأنواعها، ففي العام 2014 كان هناك 70 جريمة تنتظر صدور حكم اﻹعدام فيها موزّعة على المحافظات بدرجات مختلفة، ولا يُعرف إذا نفّذ اﻹعدام أم لا.

وفي العام 2015 نفسه احتلّت سوريا المرتبة العاشرة عالمياً في الجريمة بنسبة 56.32 /100 والمركز الخامس في الشرق اﻷوسط عام 2016، سبقتها عربياً ليبيا والجزائر ومصر والصومال بالترتيب، في حين حلّ العراق، بكل حروبه وتاريخه المضطرب، في المركز السابع ولبنان في الثامن.

أما العام الحالي فقد نالت سوريا المرتبة الثانية عالمياً (النصف اﻷول حسب موقع Numbeo) أحد أكبر المواقع العالمية المتخصصة في قواعد بيانات الجريمة. وهو ما أكده مدير الهيئة العامة للطب الشرعي “زاهر حجو” في تصريح لصحيفة الثورة المحلّية لافتاً إلى أن زيادة نسبة جرائم القتل (بمختلف أنواعها) تقدّر ب 30% وهي أكثر من معدلها الطبيعي، في ذلك العام، إلا أن “هذا الازدياد لا يعد هائلاً” وفق رأيه.

ونقلت صحيفة “الوطن” عن وزارة الداخلية بيانات تفيد بوقوع 570 جريمة قتل العام 2017، معظمها في دمشق وريفها.

يوضح الجدول التالي الذي أعدّه كاتب التحقيق بناء على إحصاءات رسمية منشورة في الصحافة المحلية أعداد تلك الجرائم بين 2012-2019 ويمكن ملاحظة وجود تباين بين بعض الارقام في الجدول والأرقام التي اخذت من تصريحات مسؤولين سوريين.

(المصدر: تجميع لعدد من التصريحات الرسمية المنشورة، والمجموعة اﻹحصائية السورية، حيث تشير إحصاءات 2016 وما بعد إلى مناطق سيطرة دمشق فقط، وفي حال إضافة بقية المناطق لا شك ستزيد اﻷرقام آخذين، بالاعتبار أن 40% على الأقل من مساحة البلاد كانت خارج سيطرة الحكومة بتعداد سكان فوق 7 مليون نسمة. مع العلم أن إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء تم إيقاف عرضها ﻷسباب غير معروفة)

توضح  الأرقام أن جرائم القتل في سوريا ارتفعت في السنوات الأولى للنزاع بين أربعة إلى عشرة أضعاف المعدل الوسطي، وأنّ السنوات اللاحقة التي تمّ فيها تسجيل أرقام جرائم القتل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية حصراً بقيت ضعف المعدل الوسطي، عدا العام 2018 الذي يشكّ بصحة رقمه.

الجدول التالي يضم مؤشر الجريمة العالمي في سوريا بين العامين 2012-2020، مأخوذاً من موقع Numbeo  أحد أوثق المواقع العالمية ومعتمداً معايير جرائم القتل والسرقة والسطو والاغتصاب، بمقياس من صفر إلى 100، وكلما اقتربت دولة من 100 كانت معدّلات الجريمة فيها كبيرة:

(تجميع من موقع نمبيو انظر/ي الرابط: https://www.numbeo.com/crime/rankings_by_country.jsp?title=2020&displayColumn=0).

يعلّق المحامي “كامل” على الجدول قائلاً لحكاية ما انحكت: “أن النسبة الوسطية هي 62% وهذا يعني نسبةً مرتفعة، واﻷمر ليس مستغرباً في ظل أوضاع البلد والانفلات العام اﻷمني والاجتماعي والاقتصادي، وانتشار السلاح وقدرة الكثيرين للوصول إليه”.

 

طرطوس “آمنة لعقود” واللاذقية “سيئة السمعة”

توصف طرطوس عادة من قبل السوريين بأنها المحافظة اﻷكثر أمناً في البلاد، نظراً لانخفاض نسبة الجريمة والسرقة والاغتصاب فيها على مدار عقود.

يشير المحامي “حيدر أحمد” ( 36 عاماً) من محاميّ طرطوس أن “هذه السمعة الحسنة مصدرها انطباعات عامة والتعايش الحاصل بين السوريين فيها، دون أن تؤكدها دراسات الجريمة أو غيرها، لكنها تبدو حقيقية، فالمدينة استقبلت قرابة نصف مليون نازح دون ظهور مشاكل كبيرة بين النازحين واﻷهالي رغم الاختلاف الاجتماعي والاقتصادي بينهم”.

وتشير إحصائيات العام 2010 إلى أنّ عدد سكّان طرطوس كان قريبا من المليون، سُجّلت فيها (12) جريمة كشفتها اﻷجهزة الشرطية وسجنت مرتكبيها في سجنها المركزي.

أما اللاذقية، فإن سمعتها السورية “سيئة عموماً”، يضيف المحامي “وهذا ناتج عن انتشار التشبيح لسنوات طويلة في عقدي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وحتى اليوم، فإن السوريين يسمونها “شيكاغو سوريا” لكثرة التعديات والحوادث اﻷمنية فيها، ويمثّل مقتل العقيد في الجيش السوري حسّان الشيخ على يد الشبيح سليمان اﻷسد بدم بارد في قلب الشارع في 10 آب العام 2015، وفي عزّ النهار، مثالاً على تلك الصورة السيئة”. في العام (2010) حدثت (13) جريمة قتل (مسجّلة رسمياً) في اللاذقية (وعدد سكانها 1.2 مليون)، وفق دراسة سابقة أجرتها جامعة تشرين.

لا يشكل الفرق العددي لجرائم القتل بين المحافظتين (جريمة واحدة رسمياً) قبل الحرب نسبة كبيرة، رغم أن عدد سكان اللاذقية أكبر بحوالي 300 ألف نسمة، بمعنى أنّ اﻷرقام الحكومية في اللاذقية قد لا تعكس الحقيقة أو أن ما هو متداول أقلّ من الواقع، وبالقياس مع محافظة كبيرة مثل دمشق وريفها حيث سجّلت في العام نفسه (2010)  250 جريمة قتل،  وهو رقم ضخم، فهذا يعني أن اللاذقية، كما الساحل السوري، كان آمناً عموماً وهذا  يوضحه فعلياً الجدول عبر نسبة 2.2 الافتراضية لعموم البلاد، فكان يفترض أن تكون هناك 26 جريمة في اللاذقية.

(المصدر: من إعداد كاتب التحقيق استناداً إلى تقارير حالة اﻷمن العام في سوريا ـ وزارة الداخلية)

باﻷرقام: من محافظات آمنة إلى شيكاغو؟

الأرقام المتدنية لمعدلات الجريمة في المحافظتين مقارنة بالمعدل العام للجريمة في البلاد، تغيّرت بعد الحرب، لتسجل في السنوات التالية ضعفي الأرقام السابقة. يوضح الجدول التالي تلك اﻷرقام:

(المصدر: معد التحقيق عبر اتصالات هاتفية ورقمية وتوثيق عبر المنشور من الجرائم قدر اﻹمكان، وهذه اﻷرقام ليست صادرة عن جهة رسمية وهو ما يعني إمكانية تغيرها، وبحساب هامش الخطأ الممكن (2%) إحصائياً، فإن التغيير سيكون طفيفاً، ولن يؤثر على القراءة النهائية للنتائج).

بين الأعوام 2012-2020 سجّلت اللاذقية إجمالي 319 جريمة قتل، وسجّلت طرطوس 276 جريمة، وهذا الارتفاع متوقعٌ وفق الأخصائية الاجتماعية “بشرى.س” (32عاماً)، وتعزوه إلى “تفجّر المجتمع من داخله، وانقسامه عمودياً وأفقياً بسبب الموقف من الحراك بالدرجة اﻷولى، فظهرت عشرات المشاكل المخبأة في الصدور، وكان انشغال الدولة وأجهزتها الرقابية واﻷمنية باﻷمن العام للبلاد فرصة لمن يريد تحقيق منظوره عن العدالة الغائبة من جانب، أو ارتكاب جريمته دون خوف الملاحقة القانونية أو الجنائية من جانب آخر”.

وتضيف: “هناك قسمٌ من هذه الجرائم سجّل ضد مجهول وبقي كذلك حتى أعوام قريبة، وقسمٌ آخر بقي معلّقاً نتيجة هروب الفاعلين خارج البلاد أو التحاقهم بميلشيات أو حتّى تشكيل عصابات خطف وسرقة وقتل، فيما اختفى آخرون”.

وبإضافة الجرائم اﻷخرى، مثل القتل بالخطأ والسلب والسرقة (السيارات أولها) وحوادث الاغتصاب، فإن المؤشر العام للجريمة في المنطقة قد تغيّر ارتفاعاً عن مستوياته في العقد السابق.

 

“روحنا برأس مناخيرنا”

العدد اﻷكبر من الضحايا المُحْصى هو من الذكور ثم النساء فاﻷطفال، وهو ما تراه المحامية رولا (36 عاماً) من محاميي اللاذقية “أمراً مفهوماً، فلا أسلحة في الخلافات النسائية عادةً، والرجل هو من يحمل سلاحاً ومالاً كما أنه أكثر حساسية للشتيمة وخاصة إذا كانت عائلية، وردّ فعله عليها أعنف، وفي حال كان هدف القتل السرقة، فإن الرجل مستهدف أكثر من المرأة، وفي جرائم الخطف ﻷجل سرقة السيارات، فإن الرجل يثق بأي شخص ويحمله عن الطريق، أما اﻷنثى، فهي نادراً ما تفعل”.

من جانب آخر، فإن الحرب، كما تقول المحامية لحكاية ما انحكت “خلّت روح الكُـل برأس مناخيرهم، وكثير منهم مسلحين دون وجه حق، وكمية الحقد والغل بين الرجال تشغّل المخ الإجرامي لديهم، النساء عادة يصرخن ويتقاتلن باﻷيدي، شوية شدّ شعر وتخلص القصة، طبعاً لا يعني هذا نفي وجود جرائم قتل ترتكبها النساء، أو تكون ضحاياها من النساء، وهن ثاني ضحية على مستوى البلاد ككل”.

منذ بدء اﻷزمة في سوريا تعرّض الذكور أكثر من غيرهم لمفاعيل القتال المباشر، المعارك، والفقد والخطف وغيرها. هذا يعني وفق المحامي “علي.ك” (35 عاماً): “أن كمية العنف المختزنة لديهم كبيرة، خاصة في الساحل الذي شهد على الأقل مئتي ألف من الضحايا على مختلف الجبهات، وجزء كبير منهم شباب، يضاف إلى ذلك أن غالبية جرائم القتل تنتج عن خلاف مالي ـ اقتصادي، رغبة سرقة، وهو ما يؤدي إلى مشاجرات وخلافات تتحول إلى جرائم يستخدم فيها السلاح للتهديد والوعيد والقتل، خاصة في ظل تأخر وترهل الجهات القضائية واﻷمنية عن تحصيل حقوق الناس”. وهو ما تؤكده أخر الجرائم البشعة في الساحل السوري.

 

ليسوا من أصحاب السوابق

في المعلومات المتاحة، قال مصدر من عدلية طرطوس (نتحفظ عن ذكر اسمه ﻷسباب خاصة به): “إن منفذي الجرائم في الساحل السوري ليسوا أصحاب سوابق أو مجرمين عتاة، وهو ما يؤشر إلى أنها غير متعمدة على اﻷرجح، أو ناتجة عن ظروف معقدة للأشخاص أنفسهم”.

وعادةً ما تكون “جرائم الخطأ التي تحدث دون تفكير أو ترتيب، عددياً أكثر من المنفّذة عمداً وعن سبق اﻹصرار، كما يقول النص القانوني، وكلا النوعين هما اﻷكثر رفضاً مجتمعياً ولا يتم فيها مصالحة أو ما يعرف بإسقاط الحق الشخصي” وفقاً للمحامي مرهف (33 عاماً) من محاميّ اللاذقية.

غالبية الجرائم نفّذها أشخاص يحملون سلاحاً نارياً (مسدس أو كلاشنكوف)، بنسبة 54%  على اﻷقل، وقد توزّع هؤلاء بين أشخاص منتمين إلى ميليشيات سابقة ومراهقين يوجد في بيوتهم أسلحة بسبب ارتباط أحد القرابات بهذه الميليشيات، مع ما يحمله ذلك من تداعيات وسهولة في الوصول إلى السلاح في منطقة تعجّ به بعد سنوات من الحرب.

في منطقة القدموس في ريف بانياس قُتل الشاب (ع. ح) وأصيب ابناه نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل قريبهم الشاب (يزن/20 عاماً). وبحسب التحقيقات الأولية، فإن سبب القتل خلاف على مفحمة وأمور مالية. وفي شهر حزيران الفائت استخدم مراهق بارودة روسية لوالده في قتله في حي الدعتور (أطراف اللاذقية) بسبب خلافات عائلية. في حين كانت السكاكين حاضرة في بعض الجرائم اﻷخرى، مثل آخر جريمة مسجّلة حين أقدم يافع بعمر الستة عشر عاماً على ضرب صديق له بالسكين في رقبته مما أدى إلى مفارقته الحياة فوراً .

من الملاحظ أن نسب المراهقين الذكور ممن يرتكبون هذه الجرائم تشكّل حوالي الثلث. هذا ما تعززه بيانات جرائم الساحل المسجّلة رسمياً للعام الحالي 2020 ، وهي 15 حتى اﻵن في اللاذقية و11 في طرطوس، حيث ارتكب ثلثها مراهقون ذكور، بما يشير إلى واقع الحال الذي تعيشه هذه الفئة الاجتماعية من ضياع وتفكك وانفلات غير مسبوق.

 

اﻷطفال… ضحايا وإجرام

مع توقف أكثر من 2.1  مليون فتاة وصبي، وهم أكثر من 50 % من تلاميذ سوريا عن ارتياد المدارس ومقتل آلاف اﻷطفال على يد مختلف أطراف النزاع، فإن احتمال وصول اﻷطفال إلى عالم الجريمة أصبح أكبر مع إضافة العوامل النفسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها الوصول إلى موارد اﻷنترنت المشبعة بالجريمة وخاصة اﻷلعاب التي تنتشر بكثافة مثل (Pubg)، وكلها ذات محتوى غير مراقب، جنسي وعنفي.

سجّل العام 2014 مقتل 198 طفلاً بسبب سوء معاملة الوالدين أو ولي أمرهم على مستوى سوريا، إلا أن هذه الجرائم تبقى قليلة مقارنة بتلك المرتكبة بحقهم، إذ تعرّض عدد منهم إلى الذبح باستخدام سكاكين أو قتلوا باستخدام أدوات حادّة. في حين تسجّل اليونسيف مقتل 652  طفل على الأقلّ في العام 2016، أي بارتفاع نسبته 20  في المائة مقارنةً مع العام 2015  في حين قتل 255 طفلاً، إمّا داخل المدارس أو بالقرب منها.

وقد سجّل الساحل السوري عدداً منها مثل مقتل الطفل توفيق ابراهيم في إحدى كنائس اللاذقية شهر أيار الماضي، ومقتل طفل آخر في قرية بكسا القريبة من اللاذقية قبل أيام من كتابة هذا التحقيق على يد شقيقه المراهق بسبب خلاف مالي.

وفي عدد من جرائم الساحل كان من بين المنفّذين أطفال أو مراهقين لم يبلغوا السن القانوني بعد، مثل جريمة طرطوس، وفي حالات أخرى كان الأطفال هم السبب في حدوث جرائم القتل، كما حدث في اللاذقية إثر مشاجرة بين أطفال انتهت بمقتل أب بعد تدخله في المشاجرة.

 

ثقة الناس بدولتهم..

تضعف الثقة بين الناس في ظروف الحروب والأزمات، وهذا اﻷمر مرتبط بفقدان عناصر اﻷمان اﻷساسية. تقول الدكتورة “رغداء. ن” (51 عاماً) اختصاصية الطب النفسي من جامعة تشرين لحكاية ما انحكت أنه: “من النتائج المباشرة للحرب ضعف ثقة الناس بالدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وببعضهم البعض، وفي الساحل عموماً، فإن انتشار الفساد والرشوة بكثافة يشارك في إضعاف هذه الثقة”.

قبل نهاية العام 2016 تم اختطاف صبية من وسط ساحة “الشيخ ضاهر” (قلب المدينة) أمام حاجز مشترك للأمن والدفاع الوطني دون أي تدخل منهم أو من الناس، وإلى اﻵن ما يزال مصير الصبية غير معروف رغم مضي أربع سنوات على فقدانها (نتحفظ عن ذكر الاسم لغايات إنسانية). لكن اﻷكثر غرابة، اختطاف أستاذين جامعيين مطلع العام 2017  توسّط لإطلاق سراحهما ضابط أمني كبير باللاذقية بعد أن دفع ذوو المخطوفين 35 مليون ليرة سورية (تساوي وقتها 70 ألف دولار) سلّمها الضابط للخاطفين غير المعروفين والذين لم يتم اعتقالهم.

تتكرّر هذه القصص كثيراً في الساحل، وفي اللاذقية أكثر من طرطوس، حيث سجّلت اللاذقية المرتبة الثالثة على مستوى سوريا بعدد جرائم القتل عام 2018 بـ 41 جريمة قتل وفق تصريحات رسمية، سبقتها حماة والسويداء (مناطق سيطرة الحكومة)، آخذين بالاعتبار أن هذه الجرائم محلية بنسبة كبيرة، فكثيرٌ من المهجّرين غادروها إلى مناطق أخرى، وأكثرها مرتبط بتحصيل حقوق مالية واقتصادية، وبعضها اجتماعي. وتشير اﻷخصائية السابقة إلى أن جرائم المال :”كَثُرت ﻷن الوضع الاقتصادي لغالبية الناس أصبح في الحضيض، وتحصيل المال ليس باﻷمر السهل”.

من أبرز الجرائم تلك التي حدثت في قلب عدلية اللاذقية حين قام المدعو “بسام.م” بإطلاق النار من مسدس على خصمه متسبباً بمقتله تحت قوس المحكمة ثم أطلق النار مباشرة على نفسه بسبب خلاف مالي العام 2017.

وفي طرطوس قُتل رجل أعمال في منزله على يد متعامل معه، لحقها انتحار القاتل في إحدى شاليهات المدينة العام الحالي. لكن الجريمة اﻷكثر بشاعةً كانت مقتل الشابة “لمى.ي” الحامل (مواليد 1986) على يد أخيها الضابط في الشرطة 20 أيار الماضي في طرطوس أيضاً بسبب خلاف على الميراث، وكانت المغدورة كتبت على صفحتها على الفيسبوك “أخي الجبل الذي أسند عليه نفسي”.

ويدخل النصب والاحتيال في سجل هذه الجرائم أيضاً، حيث تنتشر عمليات التزوير الناجمة عن محاولات الخروج من البلاد أو تأمين أوراق رسمية غير مستحقة مثل الشهادات والموافقات اﻷمنية للسكن وغيرها. ففي إحدى الجرائم في اللاذقية العام 2019 استدرج شاب صديقه إلى مكان منعزل وقتله ببندقية صيد بعد أن كذب عليه ووعده بتأمين فيزا بعد دفع مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي.

 

الميليشيات حاضرة

شهد الساحل عموماً ارتفاعاً في نسبة القتل عن عمد، والنسبة الكبرى من هذه العمليات نفّذتها عصابات مسلحة (مجهولة الهوية) يتناقل الشارع المحلي أنها من ميليشيات الدفاع الوطني (قبل أن يصدر قرار روسي بحّلها) ودوريات من الجمارك يقفون وراءها بهدف تحصيل المال وسرقة السيارات. وفي واحدة من أبرز تلك الجرائم قُتل “وسيم الجولاق” قائد مجموعة “الفهد 6” مما يُعرف بـاسم “مجموعات الفهود” التابعة للعقيد سهيل الحسن (النمر) على يد أحد عناصره عقب شجار شخصي بعدة طلقات نارية من سلاح رشاش في “شارع العريض”، وتسبب إطلاق النيران بمصرع امرأة عابرة وإصابة الأخ الأصغر لوسيم.

وخارج تصفية حسابات الميليشيات بعضها ببعض، تحدث الجرائم خارجها نتيجة لاعتماد بعض اﻷطراف على عناصر من الميليشيات أو على عناصر تركت العمل معها، ولكن ما تزال لديها صلات معها وتحمل سلاحاً. يقول الشاب أحمد (25 عاماً)، وهو من أحد قرى طرطوس: “تستقوي هذه اﻷطراف/ اﻷفراد بها مقابل نسبة من المبالغ المحصلة، وهو ما حصل في مدينة الدريكيش (ريف طرطوس) في تشرين اﻷول 2019 حيث تم العثور على جثة الشاب “فادي.ي” على جانب أحد الطرقات الحراجية، بعد قتله باستخدام قنبلة يدوية وهو يعمل سائق باص، إثر خلافات مالية مع عناصر  إحدى الميليشيات المحلية”.

خارج تصفية حسابات الميليشيات بعضها ببعض، تحدث الجرائم خارجها نتيجة لاعتماد بعض اﻷطراف على عناصر من الميليشيات أو على عناصر تركت العمل معها، ولكن ما تزال لديها صلات معها وتحمل سلاحاً.

في اللاذقية، حدثت عدّة جرائم نفّذها أشخاص من الميليشيات المسلحة كانت ضحاياها في الغالب نساء، منها جريمة قتل الشابة صبا أبو الشملات ً(١٧ عاما) على يد عنصر في الدفاع الوطني في العام 2015 رفضت الزواج منه، فذهب إلى بيتها في حي الدعتور وأفرغ في رأسها رصاصات قضت على إثرها. وفي 19 آب 2015، تناقل اﻹعلام جريمة قتل الشقيقتين في القرداحة هبة ونور على يد خطيب هبة ﻷسباب مالية.

يقول المحامي “كامل” تعليقاً على جرائم الميلشيات:  “أن انتشار الميلشيات ساهم في زيادة ارتكاب الجرائم في الساحل وفي مختلف البيئات الاجتماعية مدينةً وريفاً، فهؤلاء يعتبرون أنفسهم بحكم عناصر القوة التي يمتلكونها فوق القانون، وهو ما يجعلهم يرتكبون جرائمهم ثم يلوذون بالفرار أو يتخفّون في مناطق لا تصل إليها السلطة”. لكن قرار تفكيك الميلشيات منذ العام 2018 ساهم في انطفاء سطوتها إلى حد ما، حيث لم تسجّل جريمة لها علاقة بهؤلاء بشكل مباشر في العام الحالي، وبعض منهم تم تقديمه للقضاء (في الجريمتين السابقتين تم اعتقال منفذيها وتقديمهم للقضاء وفق معلومات محلية).

 

جرائم تحدث في بيئة تعاطي المخدرات

ينتشر تعاطي وترويج وبيع الحبوب والعقاقير المخدرة في أوساط الشباب من كلا الجنسين بشكل  كبير، وتوضح الكميات الكبيرة المصادرة، محلياً وإقليمياً، ومصادرها سُوريّة بلغ مجموعها 184 مليون حبة كبتاغون في أقل من عام (بين حزيران 2019 وأيار 2020)، أن ما يتسرّب خارج البلاد لابدّ أن يكون له مسرب مقابل إلى داخلها.

تورد إحصاءات أن ربع جرائم القتل تحدث في بيئة تعاطي المخدّرات بأنواعها، وفي الساحل السوري، فإن الجرائم المسجّلة لا تشذ عن هذه القاعدة، في اللاذقية لوحدها منذ بداية عام 2019 أوقف 750 شخصاً وتمت مصادرة 13 ألف حبة دوائية مخدرة و15 كيلو من مادة الحشيش، و150 كيلو حبوب الكبتاغون، في ظل تداول الشارع (وتحقيقات صحفية) بوجود أماكن ﻹنتاج الكبتاجون والحبوب المخدّرة بشكل صناعي (كيميائي) في الساحل أحدها في قرية (البصّة) القريبة من اللاذقية.

في آذار 2018، قال قاضي محكمة الجنايات، ماجد الأيوبي، لصحيفة “الوطن” إن ظاهرة تعاطي المخدرات ازدادت مؤخراّ، وخاصة بين طلاب الجامعات والمدارس، وكشف أنّ نسبة تعاطي المخدرات بين شباب الجنسين تحتل 60% من الدعاوى المنظورة أمام القضاء، وهو ما وصفه بـ “سابقة نادرة”، وفي تصريح رسمي بيّن رئيس فرع مكافحة المخدرات في اللاذقية، أن النسبة الأكبر من موقوفي العام 2019 من الشباب في قضايا المخدرّات أعمارهم بين 18- 30 سنة، ومنهم طلاب جامعات.

 

سرقات وقتل بسبب الفقر والجوع

في جريمة قرية بديرة (طرطوس) التي راح ضحيتها أم وطفليها ذبحاً على يد والدهم المهندس، تبيّن من التحقيقات اﻷولية “أنه مصاب بحالة نفسية وأقدم على محاولة الانتحار بجرح يديه وتقطيع الشرايين والأوتار وتناول كمية كبيرة من حبوب أدوية نوع بانادول” حرفياً حسب بيان وزارة الداخلية، لكن اﻷنباء التي تناقلها الشارع تقول أنّ اﻷب تعرّض لضغوط من جهة “ما” ﻹجباره على التوقيع في قضية فساد في مرفأ طرطوس حيث يعمل اﻷب.

تسارع انهيار الوضع الاقتصادي للسوريين منذ ثلاثة أعوام بوتيرة عالية، واضطرار كثير منهم لبيع ما بقي لديهم من أملاك كي لا ينضموا إلى جيوش الباحثين عن الطعام والمأوى، وتزامن انهيار سعر الصرف، خاصة العام الحالي مع ظهور جائحة كورونا… كل هذا يشكل بيئة حاضنة ودافعة للجريمة والسرقة بطريقة أو أخرى.

وفي تقرير أممي حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية لعام 2020 سجّلت اﻷمم المتحدة أن نسبة الفقر بين السوريين بلغت 90%، حيث كان متوسط سعر الصرف 0.8 ألف ل.س مقابل الدولار، ويبلغ اليوم حسب السوق السوداء 2.5 ألف. وحتى منتصف العام الحالي سجّلت الهيئات الرسمية في اللاذقية أكثر من 51  سرقة مسجّلة، وفي طرطوس 43  سرقة مسجّلة، عدا الحالات التي لا يبلّغ عنها، وهذه السرقات تكون في حالات معينة سبباً في حدوث جرائم، ومنها جريمة قتل شهدتها اللاذقية في أيلول 2019 بسبب السرقة والابتزاز راح ضحيتها شاب من منطقة الصليبة (اللاذقية المدينة) قتله صديقه المقرّب بعد سرقة مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي منه.

 

كذبة كبيرة

غالبية مناطق الساحل السوري، ريفاً ومدينة، ليست مناطق منغلقة أو شديدة المحافظة، لكنها لا تختلف عن غيرها في سوريا في النظر إلى علاقة المرأة بالرجل قبل مرحلة الزواج، وهذا يتضح، كما تقول المحامية “رولا”: “في وجود ما يسمّى بجرائم شرف فيها مثل غيرها من المناطق السورية، ومع تعرّض سمعة البنت إلى أي تشويه مجتمعي ـ بقصد وبدونه ـ فإن ما يحدث هو جريمة قتل لا يختلف الفاعل فيها بين الشخص المتعلّم أو الجاهل أو أياً يكن، وتُحمّل الضحية الوزر النفسي والجسدي والاجتماعي”.

في العام 2013 سجّلت البلاد 3969 جريمة قتل، منها 400 جريمة ضد النساء، سُجّل منها 47 جريمة شرف، منها ثلاث في اللاذقية (من أصل 15 جريمة)، فيما لم تسجل طرطوس أية جريمة شرف (من أصل 7 جرائم)، أما في السنوات التالية فقد سجلت طرطوس جريمة قتل الشابة سوسن على يد زوجها المهندس نزار في آب 2015 بعد خمسة عشر يوماً على زفافهما، وسجلت اللاذقية الشهر الفائت قتل إمرأة لرجل ستيني تحرّش بها على أوتوستراد اللاذقية، علماً أنّ الريف سجّل خلوّاً منها ﻷوقات زمنية مختلفة.

عدم قدرة الشباب من الجنسين على الزواج بسبب ارتفاع تكاليفه الاقتصادية، ودور وسائل التواصل الاجتماعي أدّى إلى ظهور حالات انتهاك اجتماعي وابتزاز بالصورة والصوت وغيرها، فقد سجّلت اللاذقية لوحدها العام الحالي (2020) 156 جريمة إلكترونية مرتبطة بالعلاقات بين الجنسين والابتزاز بسببها، واللافت أن غالبيتها حدثت بين أقرباء أو أزواج.

كما أن هناك جرائم حدثت لدوافع جنسية، كتلك التي شهدتها دوير رسلان ـ ريف طرطوس في تموز 2020،  وكان دافعها الرئيسي جنسيّ وفق حديث الصبيين القاصرين (15 و17 عاماً)، وبهدف إخفاء الفعل قاما بجريمة القتل.

وﻷن الفتاة قاصر أيضاً (13 عاماً) ونظراً لطريقة قتلها البشعة، فإن أصوات كثيرة في الشارع والمنصات الافتراضية طالبت بإعدامهما، ولكن اﻷمر، وفق حديث قاضية في محكمة الجزاء في طرطوس لحكاية ما انحكت “غير ممكن، نظراً ﻷنهما قاصران والقانون يجب أن يطبّق وليس رغبات الناس غير القانونية وغير العقلانية”.

 

الشارع يطالب باﻹعدام

يكمن جوهر المطالبات الشعبية بإعدام المجرمين ـ في جريمة طرطوس وغيرها كجريمة بيت سحم “في رغبة الناس برؤية العدالة تتحقق على الأقل في واحدة من أخطر الجرائم التي تهدد أمنهم الاجتماعي”، أي أن “المطالبة المذكورة ليست للتشفي بالقتلة أو إفراغاً لحالة الغضب، وإنما هي حب وشغف بالعدالة، التي تعاني من أوجه قصور شديدة في بلدنا” كما يقول الصحفي السوري “زياد غصن” في مقال له بجريدة تشرين نقلته إحدى صفحات الفيسبوك. ويضيف: “بصراحة أكثر، هناك تخوّف أن “يفلت” القتلة من قبضة العدالة لثغرة قانونية أو لسبب ما، أو أن تطول فترة المحاكمة لسنوات، لذلك لن يطمئن البعض حتى يسمع أو يقرأ خبر تنفيذ الإعدام، وهذا ربما ما يبرّر مطالبتهم أن يتم الإعدام في ساحة عامة كما كان يحدث سابقاً”.

التصاعد المستمر في أعداد جرائم القتل حدث في مناطق لم تكن ساحة مباشرةً للحرب لكنها نالت نصيبها من آثارها المدمرة. إذ يتفق معظم من التقيناهم في هذا التحقيق من خبراء اجتماعيين وقانونيين ونفسيين، أن الفقر والانقسامات المجتمعية والابتزاز والخداع وانتشار المخدرات، وكثرة الأطفال المشردين ومجهولي النسب والتسرب المدرسي، دون نسيان انتشار السلاح بوجود المليشيات والجماعات المتنافسة، كل هذا الأسباب رفعت من معدل انتشار الجريمة في المجتمع السوري على نحو غير مسبوق.

وهذا ما يعني بحسب أحد المحامين الذين التقيناهم “استمرار تسجيل عدد كبير من هذه الجرائم حتى مع انتهاء الحرب، وبقاء منطق اللجوء إلى القوة والسلاح قائماً لدى كل من يمتلك القدرة على اﻷذى”.

وبالفعل، وإلى حين كتابة هذه السطور كانت المزيد من المعطيات عن جرائم جديدة ترد كل يوم إلى كاتب التحقيق وتدفعه إلى تعديل الأرقام والبيانات في هذا التحقيق، فيما يبدو أنها عملية لا تنتهي، يدفع ثمنها ضحايا كثر في المجتمع السوري المنقسم والمنهك.

فهناء مثلا التي وردت قصتها في بداية هذا التحقيق لا تزال في المشفى، لا تدري ماذا حلّ بأختها رنا المقتولة على يد خطيبها أيمن. وعندما تزورها أمها في المشفى لا ترتدي اﻷسود كي تخفي عنها الخبر الفظيع.

في حين شهدت طرطوس التي كانت يوماً ما توصف بـ “الآمنة” صدور الحكم على قاتلي الطفلة سيدرا بثمانية عشر عاماً سجناً، وسجّلت في الوقت نفسه عدداً جديداً من جرائم القتل والانتحار أيضاً، كان أخرها مقتل أب وبناته الثلاث وإصابة زوجته، وسط معلومات متناقضة عن تنفيذ الجريمة أو أسبابها.

 

انجز التحقيق بدعم مؤسسة نيريج وبالتعاون مع موقع “حكاية ما انحكت”

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18783}" data-page="1" data-max-pages="1">