قصص: الاغتصاب الزوجي…الانتهاك الذي يتجنب النساء الحديث عنه

الاغتصاب الزوجي…الانتهاك الذي يتجنب النساء الحديث عنه

فاتن ال علي:

لكمة واحدة، افقدتها الوعي بين يدي زوجها، بعد ان رفضت ممارسة الجنس معه. افاقت بعدها وهي مربوطة اليدين وزوجها ينهي ممارسة الجنس معها ويبصق على وجهها.

تقول سناء (اسم مستعار) ان مشكلات عديدة منها مادية وأخرى تتعلق بعبء اعمال المنزل التي كلفتها به والدة زوجها، انهكتها تلك الليلة وافقدتها الرغبة على ممارسة الجنس معه، لكنه لم يتفهم ذلك واندفع بضربها ومن ثم الاقدام على فعل “الاغتصاب الزوجي”.

تضيف “بعد انتهائه تركني مربوطة اليدين انزف اثر جروح بالغة في المهبل، وبدأت ابكي بصمت وأنا أشعر بآلام شديدة في اسفل ظهري وكذلك رأسي اثر لكمته، لا استطيع الصراخ لينجدني من في المنزل خوفا من ان يعاود ضربي مجددا بحجة عدم اطاعته.

“سناء” واحدة من بين نساء كثيرات يتعرضن للاغتصاب الزوجي في الموصل، وهن غير قادرات على طلب المساعدة او حتى التحدث عن ما يتعرضن له خوفا من رفض المجتمع لهن ومن لوم ذويهن، باعتبار الحديث عن تلك المسائل من المحرمات، ما يفرض عليهم تحمل السلوك السيء لأزواجهن والصبر على ما يواجهنه من انتهاكات تهدد سلامتهن.

تقضي “سناء” معظم اوقات يومها في غرفتها بمفردها، عازلة نفسها عن محيطها لا تختلط مع الاخريات من اقرانها، خصوصا  بعد ان تطلقت و تزوج طليقها من امرأة اخرى.

“العزلة والاكتئاب والقلق” هي بعض من الآثار النفسية التي اشارت لها الاخصائية النفسية مجد الشامي، للواتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي، اضافة الى اضطراب كرب ما بعد الصدمة النفسيةptsd ، وظهور البرود الجنسي والاضطرابات الجنسية.

 ما هو الاغتصاب الزوجي

“هناك نسوة كثر لا يعرفن معنى الاغتصاب الزوجي ولا يدركن انهن تعرضن له” تقول الكاتبة والناشطة بحقوق المرأة مها أحمد، مبينة انه باختصار “ممارسة العلاقة الجنسية بدون رضا احد الطرفين”.

وتشير منظمة الامم المتحدة الى ان ما يقارب من 35% من النساء يتعرضن لنوع من انواع الاعتداء الجسدي او الجنسي من الشريك.

تضيف أحمد: “يصعب على الانسان غير الواعي استيعاب هذا التعبير حيث يعتبر اغلب الرجال ان الزوجة ملك شخصي له ومن حقه ان يقوم بمضاجعتها متى شاء بغض النظر عن أي مشاكل صحية تواجهها الزوجة او مدى استعدادها النفسي لهذا الموضوع”.

وتشير الناشطة بحقوق المرأة الى ان الكثير من النساء يتعرضن لذلك النوع من الاغتصاب دون ان يكشفن ذلك لأحد بسبب التقاليد المجتمعية التي تعتبر ذلك من المحرمات.

تقول الدكتورة زينب شاكر الخالدي، وهي اخصائية نسائية وتوليد، انها تستقبل الكثير من حالات الاغتصاب الزوجي “لكن النسوة في الغالب لا يعترفن بأنهن تعرضن للاغتصاب ولا يتحدثن عن ذلك أصلا، ويتم كشف ذلك من خلال الفحص السريري للزوجة، حيث ان النزيف والجروح والالتهابات المهبلية واثار الكدمات على الوجه والجسد تمثل علامات اغتصاب واضحة”.

وتذكر الخالدي ان الأضرار الجسدية للاغتصاب الزوجي عديدة “منها النزيف المهبلي والرحمي، والالام المزمنة، والتهابات المسالك البولية المتكررة، والنزف والاجهاض ان كانت الزوجة حاملا”.

وهذا ما حدث مع “وداد” البالغة من العمر 19 عاما، فقد كانت حاملا عندما جاء بها ذويها الى المستشفى وهي تنزف اثر رفضها ممارسة الجنس مع زوجها الذي اندفع لاغتصابها فيما بعد لتجهض بذلك جنينها.

تقول وداد، لم يكن عندي ما يمنعني من ممارسة الجنس مع زوجي، لكن في تلك الليلة لم تكن عندي الرغبة في ذلك، وعندما رفضت هجم عليَّ مثل حيوان”.

ووصفت الباحثة الاجتماعية اميرة الربيعي ممارسات الاغتصاب الزوجي بانها “خالية من الانسانية”. وتضيف: “قد يشعر الرجل بالرجولة والفحولة والقوة حين يفعل ذلك، وهو يصل الى مرحلة الوحشية والحيونة وتسيطر عليه هذه الغريزة الذكورية البحتة، فيعيد الكرة مرة ثانية وثالثة حتى تصبح عادة يومية يمارسها على زوجته”.

رأيا الدين والطب

تتعدد أسباب امتناع الزوجات عن الاستجابة لطلب ازواجهن بممارسة الجنس، تقول الدكتورة زينب شاكر الخالدي، انها قد ترتبط “بتغيرات هرمونية في جسد المرأة كحالة وداد بسبب الحمل، واخرى تسمى التشنج المهبلي وهو تقلص لا ارادي لعضلات المهبل مما يسبب الما شديدا للزوجة فترفض ممارسة الجنس”.

وتوضح ان التغيرات الهرمونية قد يتوفر لها علاج اما التشنج المهبلي فليس له علاج لأنه مرتبط بمشكلات نفسية كالخوف من الزوج، وهو عادة ما يحدث مع المتزوجين الجدد ويختفي بتوضيح اسبابه وتجنبها من قبل الطرفين.

يعلق “رامي العبادي” رئيس مشيخة الطرق الصوفية في نينوى، على ممارسة بعض الرجال الجنس مع زوجاتهم بالاكراه، قائلا “علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم آدأب المعاشرة الجنسية، أنه لا يأتي أحدكم أهله كما يأتي دابته”.

ويضيف موردا حديث النبي “لا يقعن احدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسولُ قيل: وما الرسول؟ قال: القبلةُ والكلامُ”، في اشارة الى ان الدين يرفض الممارسات اللا انسانية من قبل بعض الرجال بحق زوجاتهم.

لكن الناشطة بحقوق المرأة مها أحمد، ترى ان وجود تلك الحالات دليل على احساس ورغبة الزوج بالتملك، مبينة ان “الأزواج يغذون ذلك الاحساس بما يعتبرونه حجة دينية والمتمثلة بالآية القرآنية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم) والتي تؤكد حسب منظورهم ان للزوج حق معاشرة زوجته متى ما اراد وليس من حقها الرفض والا ستلعنها الملائكة حتى تصبح”.

في حين يعترض العبادي على مصطلح الاغتصاب الزوجي، ويقول “هذا اللفظ لا يكون بين زوجين حميمين، فالمرأة تزوجت وهي تعلم ان للزوج عليها حق المعاشرة الزوجية وانه يجوز للزوج اجبار زوجته على الجماع اذا كانت لا ترغب به واذا كانت لا تستطيع تلبية حاجة الزوج فعليها اخباره ليتزوج بثانية وهذا احد اسباب اباحة التعدد”.

ويضيف: “عليها ان تكون مستعدة طيلة الأيام غير المعذورة فيها شرعيا، وان تتقبل لقاء زوجها وتعينه لقضاء حاجته”.

قيود القانون والمجتمع

تتذكر “سناء” قبل خمس سنوات انها كانت ترضع طفلتها الصغيرة عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حين طلب زوجها ممارسة الجنس معها فرفضت. تقول: “اخذ مني الطفلة بقوة فبدأت بالبكاء، اعترضت وطلبت منه ان انهي رضاعتها اولا وقاومته، لكنه صار كالبركان وبدأ بضربي وركلي على بطني حتى سقطت من السرير على الارض”.

تطلقت “سناء” وهي في عمر 20 سنة، بسبب استمراره في ضربها. تضيف “قدمت شكوى ضد زوجي لأنه واصل ضربي أحيانا حتى دون اسباب مقنعة، واثبتت تقارير الفحص الطبي ذلك، فحصلت على الطلاق”.

يذكر المحامي محمد عبدالعزيز، انه في حال كتبت الزوجة في شكواها انه يقوم بضربي لكي امارس العلاقة معه، تصدر مذكرة قبض وفق المادة 413 وترسل الزوجة للفحص الطبي للتحقق من الضرب وليس الاغتصاب، واذا ما ثبت الضرب بتقرير طبي واعترف هو بذلك او بشهادة الشهود، للزوجة حينها حق طلب التفريق وفق المادة 40 من قانون الاحوال الشخصية.

ولم يتطرق المشرع العراقي الى جريمة الاغتصاب الزوجي في قانون العقوبات، بحسب عبدالعزيز، بل اعتبر المشرع ذلك حق من حقوق الزوج، والقانون العراقي لا يجرم هذا الفعل باعتباره حق من حقوق الزوج.

ويتابع: “القانون لا يعاقب على الاغتصاب بصورة مباشرة، ولكن يعاقب على الضرب فقط”.

وبسبب القيود الاجتماعية، هناك تكتم شديد من قبل النسوة على تعرضهن للعنف الجسدي والاغتصاب الزوجي، وضغوط كبيرة لمنع تقديم شكاويهن الى القضاء وان تجرأت امرأة للحديث وبخها ذووها وانتقدها المجتمع.

يقول المحامي محمد عبدالعزيز، ان احدى موكلاته جاءت برفقة شقيقها لتقديم شكوى ضد زوجها الذي يقوم بتعنيفها، فسألت ان كانت تستطيع القول في شكواها ان زوجها كان يجبرها على ممارسة الجنس من الدبر، الا ان شقيقها أوقف حديثها قائلا “تردين تفضحينا بين الناس” واخرجها من المكتب بالقوة.

ترى الباحثة الاجتماعية اميرة الربيعي، ان الجهل والعادات والتقاليد الاجتماعية هي من الأسباب الرئيسية للاغتصاب الزوجي وهي ايضا من أسباب استمراره، كونها تمنع الزوجات من الافصاح عنه في ظل الطبيعة الذكورية للمجتمع والنظرة السائدة لدور المرأة في الانصياع وتنفيذ جميع رغبات الزوج حتى ان كانت خاطئة وتتعارض مع القيم الانسانية والدين.

تتحدث “نوال” (اسم مستعار) ذات 29 سنة، ان أطفالها الخمسة أنجبتهم نتيجة الاغتصاب الزوجي المتكرر الذي عانت منه، وهي الآن تربيهم بمفردها بعد ان قتل زوجها في الحرب الاخيرة التي شهدتها الموصل ضد تنظيم داعش.

تضيف “اغتصبت بليلة زفافي، كنت بعمر الـ15 سنة وكان زوجي يكبرني بـ11سنة، ولم اعرف ماذا افعل، تلك الليلة حاولت الهروب منه، لكنه احكم قبضته علي ووضع الوسادة على وجهي بقوة.. اغتصبني وانا كدت اختنق”.

فيما بعد لم يكن لنوال رغبة في ممارسة الجنس مع زوجها طوال فترة الزواج، وكان يجبرها على ذلك في كل مرة. قالت بعين تملؤها الدموع: “لولا مخافتي من الله، لما ربيت اولادي فانهم يذكروني بأبيهم فلم ادعو له بالرحمة حتى اليوم”.

ترى الناشطة مها احمد، انه يمكن التعامل مع الاغتصاب الزوجي في اطار المؤسسات المجتمعية المعنية بحماية المرأة من العنف الاسري بجميع انواعه. وتقول “على المرأة ان تكون واعية لجميع حقوقها بشكل عام بما فيه حقوقها في العلاقة الحميمية، وفي حال تعرضت للإساءة يجب ان تصارح الشريك  بوجود خلل بالعلاقة وبحاجة الى حل لتعود العلاقة الاسرية الى مجراها الطبيعي”.

في حين يرى الشيخ رامي العبادي، ان الحل يكمن في تثقيف الزوجين بثقافة اسلامية صحيحة  وعلى الدولة ان تصدر امرا بعدم اتمام العقد بين الزوجين الا بعد دخولهما واجتيازهما  لدورة تثقيفية جادة اجتماعيا واخلاقيا ودينيا، وان تكون هناك كفاءة بين الطرفين من ناحية البيئة والعادات والتقاليد والثقافة الاجتماعية.

ما يزال الأثر النفسي واضحا على حياة “سناء” وفي رؤيتها للرجال فهي تكرههم وترفض بشدة فكرة الزواج مرة اخرى، وقد خصصت حياتها لتربية ابنتها. تقول: “ما أزوجها لرجل جاهل وخشمي يشم الهوى”.

*انجز التقرير لصالح مشروع تمكين المرأة بالتعاون مع منظمة cfi

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18697}" data-page="1" data-max-pages="1">