قصص: اعلاميات يواجهن تحديات العمل ويكسرن حواجز مجتمعية قيدتهن لعقود

اعلاميات يواجهن تحديات العمل ويكسرن حواجز مجتمعية قيدتهن لعقود

فاتن ال علي:

ترفع حاجبيها ثم تعقدها، تفتح عينيّها وتحني رأسها يميناً ويساراً، وتعدل كرسياً عاليا تجلس عليه أمام مرآة كبيرة، قبل ان تهم بقراءة تفاصيل خبر سبق ان قرأته المذيعة الشهيرة نيكول تنوري على الشاشة، وتكرر قراءته عدة مرات.

كانت بعمر الحادية عشرة، حين تعودت الجلوس أمام المرآة الموضوعة في غرفة والديها وتحاول تقليد مذيعة الأخبار على قناة mbc التي كان والدها يحرص على متابعتها مساء كل يوم.

بعد ستة عشرة عاما، كتبت ازهار العبادي على صورة لها نشرتها عبر الانستكرام  “حلم مذيعة الأخبار أصبح حقيقة .. شكرا لنفسي ولأملي بالحياة وللصراعات التي جعلتني اقوى واستقوي على الظروف العصيبة”.

حققت ازهار حلم الطفولة بعد سلسلة من العقبات والتحديات لتصبح في النهاية مذيعة اخبار على قناة “نينوى الان”.

ذلك الحلم حققته فتيات اخريات من الموصل في السنوات الاخيرة، جلهن من الشابات اللواتي اعتلين منصات الاعلام في اطلالة لم تعرفها الموصل سابقا.

وتشهد مدينة الموصل منذ عام 2017 دخولا غير مسبوق للعنصر النسوي الى الاعلام، رغم التحديات المهنية والعوائق الكثير التي تفرضها بيئة الموصل المغلقة وتقاليد وثقافة المجتمع واستغلال بعض المؤسسات الاعلامية لجهودهن ورغبتهن في “ايصال رسالتهن”.

ما الذي حدث؟

يقول الباحث الاجتماعي حسام حازم، أن دخول المرأة إلى مجال الاعلام جاء بسبب عملية “التثاقف وانفتاح البلد والمدينة على العالم الخارجي في السنوات الأخيرة”، معتبرا أن ذلك أمر طبيعي وسيصبح شيئا مقبولا أن تظهر النساء كمقدمات لنشرات الأخبار والبرامج.

لكن للإعلامية المعروفة في نينوى فرقد ملكو، رأي آخر، فهي تقول: “للأسف اصبح الاعلام مهنة من لا مهنة له بعد العام 2003”. في انتقاد واضح لبروز عدد من “الاعلاميات” اللواتي لا يملكن المؤهلات والثقافة المطلوبة لهذه المهنة.

تستدرك ملكو، التي تعد أشهر مذيعات الموصل ولها خبرة تمتد لعقود:”طبعا لا يمكن أن ننسى جهود بعض الشابات والشباب بعد تحرير الموصل في 2017 فقد شكلوا ما يمكن عده نواة الإعلام الجديد، في نقل الحقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأت المرأة الموصلية من هنا تنخرط في مجال الاعلام محاولة إيصال رسالة ما”.

يشاركها في ذات الرأي مدير شركة ميديا زون الاعلامية محمد البياتي، بقوله ان “دخول الفتيات إلى الإعلام جاء بسبب التطور التكنولوجي وما فرضه الإعلام الجديد عبر الانترنت من متطلبات، فقد وفر فرص للراغبات في العمل بهذا المجال، وعزز لدى بعض الفتيات حب الظهور والشهرة”.

 

تحديات داخل العائلة 

أزهار العبادي، تعرضت في بدايات عملها لانتقادات عديدة من اقربائها وحتى صديقاتها لدخولها مجال الاعلام، وتذكر في حديثها انها سمعت جمل عديدة رسخت في ذهنها كالقول”المرأة عورة، لا يصح لها الاختلاط بالرجال”.

لم تكترث العبادي كثيرا بتلك الكلمات، كان لديها أمثلة حاضرة من نساء محجبات محافظات ذوات شخصية متزنة عملن بجدارة في مؤسسات اعلامية عريقة بالعالم العربي.

أما ليلى “اسم مستعار”  مقدمة البرامج على احدى القنوات الفضائية والتي لاقت دعما كبيرا من والدها، فتقول “كان أحد أشقائي يهددني بالحبس لمنعي من مواصلة عملي الإعلامي”.

علل الباحث الاجتماعي حسام تلك المواقف بأن “المجتمعات المحافظة غالباً ما يكون فيها التقبل ضعيف في بداية الأمر بسبب العادات والتقاليد”.

رؤى متقاطعة

رغم ظهور العديد من الاعلاميات، ناشطون يرون ان دخول العنصر النسوي الى الاعلام المرئي ما زال محدودا في محافظة تضم اكثر من اربعة ملايين نسمة، وان الاعلاميات الموصليات معدودات.

ويشير آخرون ان اغلب من يظهرن على الشاشة في مدينة الموصل هن من محافظات اخرى، وان غالبيتهن لا يمتلكن المؤهلات المطلوبة للتميز في هذا العمل الصعب الذي يتطلب مؤهلات ثقافية جيدة فيبقين مجرد وجوه على الشاشة.

ترجع القانونية ريم العزاوي، السبب وراء ظهور اعلاميات يفتقدن الكفاءة، إلى تدني الواقع الثقافي للمجتمع ككل نتيجة الحروب المتوالية وعدم الاهتمام بالتنمية الثقافية، فالعوائل العراقية التي كانت تهتم بالقراءة قبل عقود اصبحت اليوم تنظر اليها كترف وليس ضرورة حياتيه.

وتابعت :”وسط الفوضى والتراجع الثقافي اختار البعض الاعلام كمهنة له، وشكل الواقع المتدني لثقافة العاملين عموما في المؤسسات الاعلامية المحلية عاملا مساعدا في ظهور هذا النوع من الاعلاميات، وهذا يقودنا الى سبب آخر وراء المشكلة يتمثل في غياب الرقابة”.

ترد على ذلك الرأي، امواج النعيمي، مؤسسة مركز الاعلام البصري المستقل في الموصل، قائلة ان “هناك الكثير من الفتيات اللواتي يمتلكن  المؤهلات والقدرة على خوض طريق الاعلام لكن عوائلهن ترفض عملهن وظهورهن في هذا الحقل بسبب المستوى الرديء للمؤسسات الاعلامية المحلية التي تختار الإعلاميات بناءً على أسس ومعايير معينة لا تتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع، كتفضيل الإعلامية غير المحجبة”.

استغلال الاعلاميات 

“المايفتح زنبيلو محد يعبيلو” بهذا المثل الموصلي الشهير، علق محمد البياتي مدير شركة ميديا زون الاعلامية على ظاهرة “استغلال الاعلاميات مهنيا وجنسيا” من قبل بعض المؤسسات.

ويضيف ان الاستغلال لا يحدث من مدراء المؤسسات الاعلامية تلك فقط بل ايضا من المتنفذين فيها ومن الممولين، وهناك استغلال لا يمكن انكاره مقابل ضمان العمل، وهذه الحالات تشوه العمل الاعلامي ما يفرض التصدي له خاصة من الاعلاميات اللواتي يجب عليهن مواجهة اي انتهاك يتعرضن له.

تقول الإعلامية سلمى (اسم مستعار) التي رفضت ذكر اسمها، أن مدير المؤسسة التي كانت تعمل بها عرض عليها ادارة قسم في المؤسسة مقابل أن تمنحه جسدها.

تضيف: “وطلب ممول مؤسسة اعلامية اخرى ان اذهب الى منزله بغياب زوجته لاجراء اختبار مقابل ان احصل على هدفي بتقديم برنامج محدد في القناة، وبعد رفضي خسرت عملي في القناة”.

وتنبه سلمى الى ان الاستغلال في المؤسسات الاعلامية يدمر العمل الاعلامي ويبقي المؤسسات ضعيفة المستوى “ويجعلنا متأخرين جدا عن ايصال رسائلنا وغير قادرين على تطوير مهاراتنا”.

استغلال متعدد الأوجه

لا تتوقف التحديات التي تواجه الاعلاميات في تعرضهن للتحرش والاستغلال الجنسي احيانا، فهناك جانب آخر من الاستغلال.

أكدت الاعلامية  وصال (اسم مستعار) استغلال مدير المؤسسة التي تعمل بها لجهدها واندفاعها في العمل، مقابل أجور بسيطة واحياناً مجانا.

تقول: “لا يمكنك الاعتراض لأنك حينها ستخسر عملك، وحين تواجه هذا الاستغلال او أي نوع اخر من الاستغلال، لا يمكنك ان تعرض مشكلتك؟.. من سيحمي حقوقك؟.. لا يوجد طرف يمكنك اللجوء اليه.. فليس هناك رقابة على ادارة الوسط الاعلامي”.

تقول مذيعة الاخبار “ازهار العبادي” ان الاستغلال بأنواعه موجود في كل المؤسسات سواء اعلامية كانت او غير اعلامية، الا ان الاستغلال في المؤسسات الاعلامية مخيف ويجري كثيرا الحديث عنه كون الاعلاميات دائما يكونون في الواجهة.

وتستدرك: “لكن في النهاية شخصية الإعلامية وتربيتها الأسرية وثقافتها تلعب دورا هاما في فرض قوتها ومكانتها وحفظ سمعتها، وردع أي محاولة لاستغلالها”.

تؤكد الاعلامية فرقد ملكو على النقطة ذاتها، وتنبه في عين الوقت الى مشكلة تركيز الإعلاميات على المظهر فقط ونسيان أهم عوامل نجاح الاعلامية المتمثلة بالثقافة والحضور وسرعة البديهة والرسالة المراد تقديمها للمجتمع.

وتضيف ان المؤسسات بعد عام 2003 “لم تعتمد الاختبارات والتدريبات للمتقدمات الى المؤسسة، انما اصبح الاختيار حسب معايير الشكل والجمال كالطول والوزن وتقاسيم الجسد المغرية”.

يرى محمد البياتي ان هذا النوع من الإعلاميات، قابل للزيادة وطريقهم مفتوح، مادام هناك مدراء مؤسسات اعلامية فاسدين، ومجتمع يتقبل إنتاج المواد الإعلامية السيئة الشكل والمحتوى.

الحلول المنتظرة

يرى حسام حازم، ان الاعلامية في الموصل تحتاج الى المزيد من الخبرات والتدريب والممارسة والثقافة لتحصين نفسها وتقديمها على أفضل وجه وحتى تكون بمستوى المرأة الاعلامية في بغداد او الدول العربية.

بينما تتمنى فرقد ملكو ان لا يكون هذا الظهور غير المسبوق من الاعلاميات مجرد فقاعة او ظاهرة تختفي بمرور الزمن، مشيرة الى ان اغلب من دخلوا المجال الاعلامي اختفوا بعد سنة او سنتين دون ان يتركوا بصمة لهم في المجتمع.

لذلك تدعو ملكو المنخرطات في هذا المجال الى امتلاك  ادوات العمل الاعلامي وتطوير قدراتهن ووضع اهداف واضحة امامهن لتحقيقها وليس اقتحام هذا المجال لمجرد الظهور.

وتتوقع مؤسسة مركز الاعلام البصري في الموصل امواج النعيمي، أن يتقبل المجتمع ظواهر عديدة ظهرت بعد تحرير المدينة من تنظيم داعش في 2017 بفعل اختلاط العوائل الموصلية بالمجتمعات الخارجية على خلفية سنوات النزوح الطويلة، مشيرة الى تجربة الاختلاط بأهالي محافظات اقليم كردستان.

وتشير الى اهمية  تنمية  ذلك الجانب الايجابي ومشاركة الفتيات في النشاطات المدنية والفنية والثقافية، ومشاركتها في تقديم آرائها بمختلف القضايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الاعلامية.

وتضيف: “لو تم تفعيل الرقابة وأسس العمل المهني ومحاسبة المسيئين فأننا سنتخلص من المشكلات في الوسط الاعلامي التي يجري الكثير من الكلام عنها، وسيأخذ جميع الاعلاميين والاعلاميات استحقاقهن في الخوض بعالم الاعلام وطريقه الشائك”.

أما مذيعة الأخبار ازهار، فتتمنى من القنوات الفضائية ان تفسح المجال للإعلاميات المحجبات، واعتماد الكفاءة والمهارة بالدرجة الأولى لتحقيق حلمها بالتميز والوصول الى القنوات العالمية دون أن يشكل حجابها عائقاً يحيل بينها وبين طموحها.

*انجز التقرير لصالح مشروع تمكين المرأة بالتعاون مع منظمة cfi

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18679}" data-page="1" data-max-pages="1">