قصص: خسارة العمل أو نقل العدوى كلما ارتفعت الاصابات.. رعب يخيم على النساء العاملات في ظل كورونا

خسارة العمل أو نقل العدوى كلما ارتفعت الاصابات.. رعب يخيم على النساء العاملات في ظل كورونا

فهد صباح:

تنظر “نور” الى ابنتها ذات الأثني عشر ربيعاً، دون أن تتمكن من الاقتراب منها، رغم إنها تتحسر شوقا لاحتضانها وتقبيلها، إلا أن خوفها من العدوى والإصابة بفايروس كورونا يجعلها تبتعد عنها حتى بعد قيامها بإجراءات التعقيم الكاملة قبل الدخول الى البيت عائدة من عملها في المستشفى.

تقول نور التي تعمل ممرضة في مستشفى للأورام إن “عملي يفرض عليّ التعامل مع المرضى، لذا فأنا حريصة جداً من ناحية التعقيم والوقاية من أي مرض، لكن حرصي تضاعف مع تفشي فايروس كورونا فقد أصبح التعقيم شغلي الشاغل لكي أؤمن على نفسي وعائلتي ومن اتعامل معهم من مرضى”.

وتضيف، متحدثة عن تداعيات ذلك:”مع انتشار المرض وفي ظل غياب اللقاحات في ربيع وصيف 2020 اصبحت أُعقم يدي طيلة الوقت الى أن أُصبت بحساسية جلدية، كما ان ابتعادي عن ابنتي وعدم سماحي لها بالاقراب مني أدى الى تدهور حالتها النفسية، كذلك زوجي أصبح عصبيا وحاد المزاج بسبب ما أقوم به من وقاية مبالغ بها”.

لايختلف الحال كثيرا مع “مُنى” التي تعمل في منظمة مجتمع مدني لتقديم المساعدات والخدمات، فهي تعاني من رفض زوجها لمخالطة ابنتهما، تقول وهي تغطي وجهها بكفيها “أصعب اللحظات كانت تلك التي أعود فيها إلى البيت وأرى ابنتي لُجين تتوجه نحوي راكضة ويمنعها والدها من الاقتراب مني، ويطلب مني الابتعاد عنها وعدم لمسها خوفا عليها من العدوى”.

تشير منى إلى إنها أصبحت طوال اشهر العام 2020 “تُشكو من تصرف زوجها المبالغ فيه، وتتحرق شوقا لابنتها رغم إنها معها في ذات البيت”.

ما واجهته نور ومنى تكرر مع آلاف النساء العاملات في القطاع الصحي والمنظمات المدنية والدوائر الخدمية التي يحدث فيها تقارب بين المراجعين والموظفات، التي استمرت بالعمل في فترة الحجر وانتشار الفيروس وخاصة في أشهر زيادة معدلات الاصابة.

ذلك الواقع وضع مئات النساء في حالة توتر شديدة وخلق مشاكل عائلية، فهن أمام خياري الابتعاد عن عوائلهن وترك بعض مسؤولياتهن الاسرية خوفا من نقل الفيروس لهم، او ترك العمل بشكل نهائي خاصة مع رفض ارباب العمل الموافقة على منحهن اجازات طويلة مع احتمال ان يتم الاستغناء عنهن وبالتالي خسارة عملهن.


التقصير تجاه العائلة

ارتفاع معدلات الإصابة بفايروس كورونا في نينوى بشكل ملحوظ في الفترات الممتدة بين ربيع وخريف العام  2020، جعل نور تتحفظ اكثر من الاختلاط مع افراد عائلتها وملامستهم، خاصة بعد أن فرض عليها الانتقال للعمل في أحد مراكز  الحجر الخاصة بالمصابين بفايروس كورونا في الموصل.

تقول نور وهي تمسح قطرات العرق التي تجمعت على جبهتها من أثر ارتدائها الكمامة وغطاء للراس “لا أعرف ماذا أفعل، فخوفي وقلقي على ابنتي وزوجي يجعلني أبتعد عنهم ويجبرني على عدم مخالطتهم باي شكل من الأشكال”.

وتابعت وهي تمسح عينيها التي اغرورقت بالدموع “أتحرق شوقا لتقبيل واحتضان ابنتي التي بدأت تشك باني أصبحت لا احبها خاصة إنها في عمر حساس وتحتاج للرعاية أكثر مني”.

من جهتها تقول “سارة” ابنت “نور” في اتصال هاتفي معها بعد دخول الموصل الى موجة ثالثة من الوباء “هذه الأيام أشعر بالخوف مجددا عندما اقترب من والدتي، خاصة عند دخولها المنزل.. لا أستطيع الجلوس بجانبها، فهي تصرخ ابتعدي عني كلما اقتربت منها.. لم نعد نتحدث معا مطولا كما كنا في السابق وهذا يزعجني فأنا اشتاق اليها”.

يقول طبيب الأمراض النفسية محمد سعيد إن “أزمة كورونا أثرت سلباً على نفسية النساء العاملات بشكلٍ عام، بسبب الخوف من الإصابة ونقل العدوى الى عوائلهن، وهذا ضاعف عدد الحالات المرضية للنساء العاملات، ما ينعكس سلبا عليهن من خلال انفعالات وتصرفات تظهر في سلوكهن وتركيزهن”.

ويوضح إن “ذلك أدى الى ارتفاع واضح في نسبة النساء المصابات بالاكتئاب نتيجة العزلة أو الوسواس بسبب الخوف من التعقيم المستمر”.

 

الخوف من خسارة العمل

استمرار النساء بالعمل رغم قساوة الظروف في فترة انتشار الفيروس ومع الحجر المتقطع الذي فرض، يعود الى خوفهن من خسارة عملهن، في ظل شحة فرص عمل النساء بحسب الناشط المدني أحمد الحمداني.

“النساء في الظروف الطبيعية يحصلن على عمل بصعوبة، فكيف في ظل ظروف استثنائية كتلك التي نمر بها الآن” يتساءل الحمداني، مبينا إن “النساء اللاتي يحصلن على فرص عمل يكافحن للحفاظ عليها رغم قساوة شروط العمل وصعوبتها حيث انها في الغالب تتقاطع مع التزاماتهن العائلية الاخرى، ناهيك عن عدم العدالة في الأجور”.

تقول منى “عملي صعب، والأصعب كان تصرف زوجي الذي منعني من الاقتراب من أبنتي التي لم أاستطع تقبيلها طوال فترات ارتفاع الاصابات بالفايروس في الموصل وفرض إجراءات الحظر”.

وأشارت الى أن الضغوط النفسية المتعلقة بخطر الفايروس وقساوة ما كانت تعانيه من شوق وحرقة لابنتها وزوجها، دفعتها للتفكير في ترك العمل إلا إنها خشيت من عدم الحصول على فرصة عمل أخرى، خاصة إنها كافحت لأكثر من سنة حتى حصلت على عملها الحالي.

في العام 2020 خاصة في فترات فرض الحظر، قامت الكثير من الشركات الخاصة والمنظمات بتقليص عملها أو ايقافه بشكل كلي، بسبب الخسائر التي تعرضت لها نتيجة إجراءات الإغلاق الكلي أو الجزئي، بحسب عامر أحمد رسول الذي يعمل في منظمة دولية بالموصل.

يقول رسول إن “معظم المنظمات أوقفت عقود عمل موظفيها بسبب توقف برامجها ومشاريعها في فترة الإغلاق، باستثناء بعض المنظمات التي تمكنت من إعادة هيكلة برامجها وتغير نشاطها الى مشاريع التوعية ونشر سُبل الوقاية من الإصابة بفايروس كرونا، أما باقي المنظمات فعملت العديد منها على تسريح موظفيها بنسبة 10% وهذا ما خلق أزمة للعاملين والعاملات في المنظمات”.

الدكتور محمد سعيد يؤكد إن “خوف النساء من خسارة وظائفهن يولد لديهن حالة من القلق والتوتر المزمن، مما يتسبب بحالات مرضية تسمى لوم الذات حيث تشعر المرأة بأن عدم حرصها سيكون السبب في خسارة عملها ما يجعلها تزيد من الالتزام الذي يتحول الى وسواس قهري ينعكس بوضوح في تصرفاتها وتصرف الكثير من النساء وتعاملهن مع الآخرين حولهن”.

كابوس مزدوج

في ظل إجراءات الاغلاق المتخذة لمواجهة كورونا والازمة المالية العراقية وانخفاض سعر صرف الدينار، ارتفعت نسبة السكان الذين تحت خط الفقر في نينوى لتصل الى نحو 40% بحسب دائرة الإحصاء في نينوى، وهذه النسبة تعني ان ما يزيد عن مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في المحافظة. وهو ما وصفه مراقبون بالنسبة “المرعبة”.

بين مطرقة قساوة العمل والخوف من خسارته من جهة، ورعب الإصابة بفايروس كورونا ونقل العدوى الى أفراد العائلة من جهة أخرى، تستمر معاناة النساء العاملات من عدم وجود أي ضمان لحقوقهن في المؤسسات التي يعملن بها، إضافة الى معانتهن في كيفية التعامل مع أفراد أسرهن.

تعكس نغم (29 عاماً) والتي تعمل عاملة نظافة في احدى المراكز الصحية بأجر يومي، ما شكله انتشار فايروس كورونا من ضغط نفسي على النساء العاملات، فقط عانت من توتر وصفته بـ”غير المسبوق” خوفا من خسارة عملها خاصة وإنها المعيل الوحيد لعائلتها.

تقول “منذ بدء الجائحة وحتى في فترة ارتفاع الاصابات لم أتخلف عن العمل حتى ليوم واحد، خوفا من خسارته كوني بحاجة ماسة له وليس لي معيل”، مبينةً إنها تعيش في “كابوس مرعب بين فقدان عملها والإصابة بالفايروس وبالتالي نقلها الى أولادها”.

تستمر معاناة نغم ونور والكثير من النساء العاملات في ظل عدم تفعيل قانون العمل، وغياب الشروط الضرورية التي يجب ان تتضمنها عقود العاملين في القطاع الخاص والمنظمات المحلية والدولية، لضمان حقوقهن في الحالات الطبيعية أو الاستثنائية.

 

كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق. 

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18621}" data-page="1" data-max-pages="1">