قصص: كورونا زادت من معاناتهن … بين رعاية الأبناء ذوي الإعاقة والعمل تحت خطر الإصابة بالفيروس

كورونا زادت من معاناتهن … بين رعاية الأبناء ذوي الإعاقة والعمل تحت خطر الإصابة بالفيروس

الموصل/ مروة الجبوري:

احتضنت “ندى” طفلتها “آية” ذات الاربعة أعوام وهي تبكي وتردد “آسفة حبيبتي..آسفة روحي”، بعد أن صرخت عليها بحدة لرفضها الاستجابة للتدريبات اليومية الضرورية لحالتها بحسب إرشادات مركز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

تقول ندى وهي طبيبة أطفال وأم لطفلة مصابة بمتلازمة داون: “من الصعب الشعور بإحساس أُم لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ومرتبطة بعمل شاق، فالتوفيق بين العمل واحتياجات الطفل أشبه بالمستحيل”.

تضيف الطبيبة التي تحرص على متابعة وضع ابنتها وتطور حالتها: “أبذل ما في وسعي لأقدم لطفلتي ما تحتاج من عناية خاصة، رغم صعوبة عملي الذي يفرض عليَ الغياب عن المنزل لساعاتٍ طويلة مما قد ينعكس سلبا على سلوكيات ابنتي وصحتها”.

“هذه هي الحياة، علي ان أعمل، وفي ذات الوقت أن أساعدت ابنتي لتحسين حياتها، وان ارعى اسرتي” تقول ندى وهي تمسح رأس ابنتها.

ذات المشكلة تواجهها إيناس محمد، وهي أُم لطفلٍ مصاب بالتوحد، تقول: “في كثير من الأحيان أترك عملي وأعود إلى المنزل راكضة كالمجانين بسبب إصابة ولدي بنوبة هستيرية من الصراخ والتكسير، فجدته ليس بإمكانها تهدئته، لذا تتصل بي لأنقذ الموقف وأسيطر على انفعالاته”.

إيناس التي تعمل لساعات طويلة كمحاسبة في أحد مولات الموصل، تلقت عدة إنذارات من صاحب العمل يهددها بالاستغناء عن خدماتها بسبب تكرر خروجها في ساعات الدوام لرعاية طفلها، وتقول “أعيش تحت ضغط مزدوج، بين متاعب العمل والخوف من خسارته من جهة، وكيفية تقديم الرعاية اللازمة لطفلي من جهة أخرى مع عدم وجود مدرسة حكومية قريبة للمصابين بالتوحد”.

مشكلة رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، يعاني منها مئات الأمهات في الموصل؛ بسبب ضعف أداء المعاهد الحكومية المتخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة وندرتها وارتفاع تكلفة الأهلية منها، ما يتسبب بخسارة عملهن أو التقصير في رعاية أطفالهم ذوي الاحتياجات الخاصة. وهي مشكلة تفاقمت في ظل جائحة كورونا واغلاق المدارس.

 

بين الرعاية والعمل

في مجتمعٍ يَعدُ رعاية الأُم لأطفالها من أهم واجباتها، يصعب على المرأة العاملة التوفيق بين عملها ورعاية أطفالها خاصة إذا كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يضيف مزيداً من الالتزامات على كاهلها.

يقول الباحث الاجتماعي محمد عبد الحسن إن “دور المرأة في المجتمعات الذكورية يقتصر على إنجاب الأطفال ورعايتهم، أما عملها فهو دور استثنائي او ثانوي ليس له أي أهمية في نظر المجتمع، وهذا ما يضعها في مواجهة شديدة القسوة إذا ما تعارض عملها مع الالتزامات المطلوبة منها في تربية أطفالها، فهنا  يُعد تفضيل العمل على رعاية الأطفال خروجا عن المألوف”.

وهذا ما تواجهه ندى مع عائلة زوجها عند غيابها لساعات في المستشفى التي تعمل فيها كطبيبة أطفال وهو ما يضطرها أحيانا “لحبس ابنتها في غرفة لوحدها طوال فترة غيابها”، مبينة إنها “لا تستطيع طلب المساعدة من عائلة زوجها أو عائلتها، كونهم دائما ما يوجهون لها اللوم في التقصير برعاية أطفالها”.

محسن الجبوري هو والد طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يقول إن “الأم هي من يجب أن ترعى طفلها المريض ولا أحد يستطيع أن يعوض مكانها ودورها، لذلك من الصعب عليها التوفيق بين العمل ومهمتها في رعاية أطفالها خاصة إذا كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة”.

وهذا ما يجعل إيناس، في توتر مستمر خوفا من خسارة عملها أو التقصير في رعاية ابنها، مؤكدة إن “ترك العمل يجعلني دون مورد مادي، والذين يوجهون اللوم لي في التقصير برعاية إبني لن يقدموا لي أية مساعدة”.

وتضيف إن “إجراءات الحظر بسبب تفشي فايروس كورونا تسببت بتوقفها عن العمل لفترات متقطعة ولم تحصل خلالها على أية مساعدة من الذين كانوا دائما يعيبون عليها العمل وترك طفلها دون رعاية”.

الرعاية في ظل وباء كورونا

بعد تفشي فايروس كورونا وارتفاع نسب الإصابة في الموصل في ربيع وصيف 2020، فرضت السلطات إجراءات خاصة للوقاية من الفيروس وعدم اللجوء الى إغلاق عام، ومعها توقفت معظم أشكال العمل عدا المرتبطة بتوفير المواد الاستهلاكية الى جانب الخدمات الطبية ورعاية المصابين، وهو ما فاقم مشاكل النساء العاملات في هذه المهن ممن لهن أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

واضطرت النساء العاملات في تلك الحقول الى الغياب لساعات طويلة في العمل، وفي ذات الوقت خشين من نقل العدوى لأطفالهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعتبرون الأكثر عرضة للإصابة بحسب طبيب الأطفال الدكتور قحطان قائلا “ان أزمة كورونا أثرت سلباً على الجميع، إلا إن تأثيرها كان مضاعفا على الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة كون مناعتهم اقل من أقرانهم، وهو ما يجعل العائلة وخاصة الأم تحت ضغط شديد ومسؤولية كبيرة للحفاظ على صحتهم”.

تقول الدكتورة ندى “بسبب تفشي الفيروس اضطررت للعمل حتى في أيام الحظر، وتم إغلاق المعهد الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة الذي سجلت فيه أبنتي آية، وهذا ما ضاعف الحِمل على عاتقي، إذ خلقَ غيابي المستمر وغلق المعهد فجوة كبيرة في رعاية أبنتي، مما دفعتي لحضور تدريبات خاصة في معهدٍ آخر خاص بذوي الاحتياجات الخاصة، عن كيفية تدريب طفلتي والتعامل معها في المنزل”.

وتضيف ندى ” الضغط الكبير جعلني في حالة توتر دائم وعصبية مستمرة، وهو ما انعكس على تصرفاتي في بعض الأحيان فكنت أقسو على ابنتي خاصة عندما لا أتمكن من التعامل معها وتهدئتها”، مضيفة “كنت ابقى ساعات طويلة حتى أتمكن من السيطرة على نفسي وأعود لتدريبها”.

 

معاهد تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة

معاهد رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب جميع الحالات في الموصل، نتيجةً لتعرضها للدمار أثناء احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش وعمليات تحريرها، وبحسب مدير قسم ذوي الاحتياجات الخاصة في نينوى فإن “المعاهد الحكومية كانت تستقبل العديد من الحالات كمعهد الرجاء ومعهد الشفاء في نينوى، لكنها لم تعد متاحة الآن، بسبب تعرضها للدمار واقتصار العمل على عدد قليل من الحالات حيث لم يعد ممكنا استقبال جميع الحالات في الموصل”.

وهذا ما دفع ندى للبحث عن معهد أهلي متخصص لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لتسجل ابنتها بعد أن تأكدت من “ضعف أداء المعاهد الحكومية المتبقية”.

توضح إن “عدم وجود مدارس متخصصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة واقتصارها على مدرسة غير مؤهلة لا تعدوا أن تكون سجن يزيد من تفاقم حالتهم، لذا لجأت الى تسجيل ابنتي في معهد خاص مقابل مبالغ عالية لتحصل على الرعاية التي تحتاجها”.

بين مشاكل العمل وتغير ظروفه ونظرة المجتمع الذكورية لدور المرأة، وغياب الدور الحكومي المتمثل بتوفير مدارس ومعاهد ذات بنية وامكانيات جيدة لرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، تبقى المرأة في دوامة من التوتر والتشتت بين أداء مهامها في العمل وتقديم الرعاية اللازمة لأطفالها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

يقول الباحث الدكتور سيف الجابر، ان ذلك الواقع الصعب يعرض  الأمهات ممن يربين اطفالا يحتاجون الى رعاية خاصة الى مشاكل نفسية عميقة مثل التوتر المزمن وحالات لوم الذات والتي تؤثر بدورها على قدرتهن في التعامل مع اطفالهن.

ويشدد الجابر على أهمية مساعدة النساء ممن يربين اطفالا من ذوي الاحتياجات، وتقدير ما يقدمنه لأطفالهن ولعوائلهن وللمجتمع فهن يعانين ويكافحن بشكل فريد لا يمكن تصوره الا لمن شهد رعاية بعض تلك الحالات.

 

انجز التقرير  ضمن مشروع “إنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر)” بدعم من منظمة أنترنيوز.

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18609}" data-page="1" data-max-pages="1">