قصص: صراع الأحزاب والقوى المسلحة بسنجار يهدد الاستقرار الهش وينثر بذور التغيير الديمغرافي

صراع الأحزاب والقوى المسلحة بسنجار يهدد الاستقرار الهش وينثر بذور التغيير الديمغرافي

اسماعيل خضر/ سنجار

لا يغادر الحديث الساخن عن صراع القوى السياسية في سنجار، بتداعياته الآنية والمستقبلية، الجلسات المسائية لعائلة النازح الشاب خدر محمود واصدقائه، فتتحول الخيمة الصغيرة الى حلبة حامية لنقاش يستمر لساعات وينتهي في كل مرة الى “مزيج من الخيبة واليأس” الذي يلقيان بظلال ثقيلة على خطط عودة النازحين الى مناطقهم بعد نحو سبع سنوات من النزوح.

يقول محمود، وهو يرتب مدخل خيمته ويتأكد من متانة جوانبها “مع كل خبر جديد عن صراع القوى السياسية ومشاريعها في سنجار والتي تعلن تمثيل مكونات القضاء المختلفة، يحتدم النقاش بشأن مصيرنا ومصير سنجار ونخرج بالكثير من القلق واليأس. كل تلك الاحزاب مع اختلاف تمثيلها وتوجهاتها تقودها مصالحها السياسية وليس المصلحة العامة لمكونات المدينة”.

يرى ميرزا، وهو مساعد صيدلاني يسكن في ناحية سنوني، ان ايجاد حلول للصراع الحزبي والسياسي في سنجار مسألة بالغة الأهمية لأهالي المنطقة، منبها الى ان “صراع الأحزاب في شنكال (سنجار) يشكل تهديداً للأمن في المنطقة، وهذا أصبح عائقاً أمام عودة النازحين فرجوعهم مرهون بالاستقرار وبمستقبل الجماعات المسلحة التي تتبع الأحزاب”.

ميرزا، الذي يعيش وحيدا في سنوني بعيداً عن عائلته التي تسكن في مخيم “جم مشكو” للنازحين في قضاء زاخو، يأمل أن تعود عائلته معه بشكل نهائي الى سنجار لكنه يخاف من صراعات الأحزاب السياسية المتعددة والقوى المسلحة التابعة لها.

يقول ان “تقاطع مصالح هذه الأحزاب والقوى يشكل عائقاً وتحدياً كبيراً امام عودة نحو ثلثي اهالي القضاء الذين مازالوا يعيشون في مخيمات النزوح المنتشرة في اقليم كردستان بعد ست سنوات من اجتياح داعش لمناطقهم”.

 

في انتظار تبدد الصراعات

وتعرضت سنجار شمال غربي نينوى، والتي يعيش فيها الايزيديون الى جانب الكرد المسلمين والعرب السنة والشيعة، إلى عمليات ابادة جماعية على يد مقاتلي تنظيم داعش في صيف عام 2014، راح ضحيتها آلاف الايزيديين ومئات التركمان بين قتيل ومختطف مجهول المصير، كما نزح أكثر من 300 الف فرد من المكونات المختلفة التي كانت تعيش في سنجار الى مدن اقليم كردستان، خاصة من المسيحيين والايزيديين والكرد والعرب الشيعة.

وبعد ست سنوات من اجتياح داعش للمنطقة، مايزال مركز القضاء ومعظم قرى جنوب جبل سنجار خاوية من سكانها في ظل غياب الخدمات من جهة وعدم انطلاق عمليات الاعمار من جهة ثانية في ظل ما تفرضه صراعات القوى المسلحة وتقاطع مشاريع الأحزاب من واقع معقد قد يحمل تداعيات مستقبلية خطيرة.

وتنتشر القوى المسلحة التي تتبع مكونات سنجار المختلفة في كل بقعة بالقضاء المتنازع عليه بين حكومتي اربيل وبغداد “للدفاع عن مصالح المكونات التي تمثلها وفرض الأمن ومنع اي محاولة لضرب الاستقرار” بحسب ممثلي تلك القوى. لكن محللين يرون ان المشاهد المسلحة من قبل مختلف القوى هو محاولة لفرض وجودها وارادتها وليس لفرض الاستقرار الامني الضروري لعودة النازحين.

يقول الناشط سعد حمو،  وهو ثلاثيني ان نسبة قليلة من السكان عادوا إلى المدينة بسبب المخاوف من عدم الاستقرار: “عدد العوائل العائدة في العام 2020 بلغ 24326 عائلة ايزيدية و6450 عائلة عربية، وهم بمجملهم يواجهون العديد من المعوقات اهمها قلة الخدمات بما فيها الصحية وانعدام الكهرباء في معظم القرى والمجمعات السكنية في جنوب القضاء، الى جانب عدم وجود مدارس في العديد من القرى”.

ويؤكد حمو ان الأغلبية ماتزال تعيش في مخيمات النازحين في إقليم كردستان، وهي مترددة في العودة نتيجة خشيتها من اندلاع صراع بين القوى المسلحة العديدة والمختلفة التوجهات في سنجار.

 

إتفاقية سنجار ومستقبل المدينة

في محاولة لتطبيع الأوضاع في سنجار ودفع السكان للعودة الى مناطقهم، وهي مسألة توليها الحكومة العراقية والأمم المتحدة اهمية كبيرة، وقعت الحكومة الاتحادية مع حكومة اقليم كردستان اتفاقية سنجار في التاسع من تشرين الأول ٢٠٢٠. وتهدف الاتفاقية الى تعزيز الاستقرار واطلاق عملية الإعمار وإعادة توطين النازحين، وذلك عن طريق ابعاد غالبية الفصائل المسلحة عن القضاء ونشر قوات اضافية من الجيش والشرطة الاتحادية.

وتنص اتفاقية سنجار على حصر التواجد الأمني والإداري في القضاء التابع لمحافظة نينوى، بالقوات الرسمية في بغداد واربيل وبشكل خاص الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز المخابرات والامن الوطني، والتركيز على إبعاد الفصائل الايزيدية المقربة من حزب العمال الكردستاني والتي تمتعت بنفوذ كبير منذ استعادة المنطقة الى جانب عدم منح قوى الحشد الشعبي النفوذ الامني في مركز القضاء.

لكن الاتفاقية، بعد مرور نحو ثلاثة اشهر من توقيعها، لم يكتب لها التطبيق على أرض الواقع وكما هو مرسوم لها، بحسب العديد من القوى النافذة في سنجار، في ظل التعقيدات على الأرض ومع النفوذ القوي لفصائل الحشد الشعبي وحقيقة ان الفصائل الايزيدية المقربة من حزب العمال هي فصائل رسمية تضم مقاتلين عراقيين منتمين الى الحشد الشعبي.

أحزاب تهدد الاستقرار

يرى الطالب الجامعي عمر خديدا (٢٢ عاما) والذي يقطن مخيم “ايسيان” للنازحين منذ بداية نزوحه في آب 2014 ان “وجود أحزاب سياسية نافذة ذات أجنحة مسلحة في سنجار يشكل فعليا عائقاً أمام عودة وفرض سلطة القانون والدولة، ومع تقاطع مصالح وأهداف هذه القوى المسلحة لا يمكن لأغلبية النازحين الرجوع إلى مناطقهم نتيجة عدم شعورهم بالراحة، في ظل غياب العامل الحاسم في صنع الاستقرار والمتمثل بسلطة القانون والقضاء المستقل “.

ويشير خديدا الى ان سنجار مقسمة اليوم اداريا وامنيا بين جهتين رسميتين، هما الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، كما ان مناطق القضاء المختلفة مقسمة فعليا الى عدة مناطق نفوذ أمني وسياسي.

يعلق محما خليل، قائممقام سنجار السابق، على اتفاقية سنجار والوضع العسكري فيها والبند الخاص بانسحاب الفصائل المسلحة قائلا: “عادت بعض الجماعات المسلحة إلى المنطقة مرتدين بزاتهم العسكرية أو الزي المدني. هم غيروا الاعلام التي كانوا يرفعونها ونقلوا قواعدهم إلى جبل سنجار الذي هو الآن محتل من قبل قوات غير شرعية (يقصد وحدات مقاومة سنجار) تتلقى الدعم اللوجستي من حزب غير شرعي وأمام أنظار الحكومة العراقية”.

ويشير الى عدم تطبيق الاتفاقية الى الآن، مضيفا:”لذلك يقول أهالي سنجار أنهم لن يعودوا إلى سنجار حتى يغادر هذا الحزب”.

لكن مؤيديون لوحدات مقاومة سنجار، يقولون ان هذه الوحدات قاتلت داعش وهي وحدات شرعية وتضم آلاف المقاتلين العراقيين الذين دافعوا عن سنجار الى جانب القوات الأخرى وجزء من هؤلاء منضمون رسميا الى فصائل الحسد الشعبي.

 

الخوف من الصراع والتدخلات الخارجية

يتفق خديدا برجس (٢٥ عاماً) وهو ناشط متطوع في منظمة محلية بقضاء سنجار، مع الرؤية التي تحذر من التداعيات السلبية لتعدد الجماعات المسلحة والاحزاب المتصارعة والمختلفة في توجهاتها بسنجار.

يقول ان “مسألة كثرة الأحزاب السياسية والقوى المسلحة في سنجار ليست وليدة اليوم، لكن دورها بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة، وهذه الجهات تعمل وفق مصالحها واحيانا بدون ضوابط ما يثر الخوف لدى الفرد السنجاري الراغب بالعودة إلى منزله”.

هذه الجهات بحسب برجس عملت على تفكيك النسيج الاجتماعي والتأثير على التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السنجاري الذي “انقسم إلى جزء عائد او يدعم العودة وجزءٌ آخر يخاف من العودة الأمر، وهذه مسألة مخيفة لمستقبل القضاء”.

وينبه برجس:”هذا التواجد الكثيف للقوى المسلحة المختلفة هي كالقنبلة المؤقتة التي قد تنفجر في أية لحظة بين الأهالي، ما سيهدد التعايش والتضامن المتبقي في سنجار”.

ويحذر كتاب ومحللون مهتمون بالوضع في سنجار، من احتمال اشتعال الصراع بين الفصائل المسلحة في المنطقة في حال اختلفت مصالحها ولم يتم جمعها تحت مظلة قانونية وأمنية واحدة ذات قرار مركزي. ولا يستبعد كتاب معنيون بالملف الأمني إمكانية تدخل الجيش التركي في منطقة سنجار بسبب مخاوف أنقرة من تزايد نفوذ حزب العمال الكردستاني والفصائل التابعة له هناك.

كفاح محمود، الكاتب السياسي والمستشار الاعلامي في مكتب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ينبه في تصريح نشرته وكالة سبوتينك للأنباء، الى احتمال تدخل عسكري تركي لاحتلال سنجار: “هناك تسريبات صدرت من جهات مقربة من الإدارة التركية تفيد بأن تركيا قد تقيم قاعدة عسكرية في سنجار بسبب فشل الحكومة العراقية في إخراج حزب العمال الكردستاني من المنطقة. هذا سيدفع أنقرة الى إنشاء قاعدة عسكرية شبيهه بقاعدة بعشيقة التي أنشؤوها بالقرب من مدينة الموصل”.

لا تتعلق مخاوف اهالي سنجار من نشوب صراع يهدد الاستقرار فقط، بل من مشاكل أخرى يولدها التنافس بين تلك الاحزاب، بينها استقطاب المراهقين للانضمام الى صفوفها.

يقول المواطن ايمن حكيم، ان “وجود فصيل مسلح في بلدته خانصور تشكل عائقاً أمام عائلته للعودة مرة أخرى إلى هناك، فالستراتيجية الفكرية والسياسية لذلك الفصيل تستهدف الفئات العمرية الصغيرة ويتم إستغلال المراهقلين واستقطابهم و وتجنيدهم وتدريبهم في معسكرات خاصة بغية تحقيق مصالح معينة، وهذه مسألة خطرة تشكلل تحديا أمام عودة الكثير من العوائل”.

ويحذر حكيم من ان استمرار تجييش سنجار وتسليح كل طرف للمئات من الأفراد من اجل الدفاع عن مصالحه في مواجهة الطرف الآخر او لفرض أجندته “تشكل مصدر تهديد وجودي لسنجار ولعودة سكانها ما قد يضع المنطقة بعد سنوات قليلة في دوامة تغيير ديمغرافي لا يمكن اصلاحه”.

 

*انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18387}" data-page="1" data-max-pages="1">