قصص: هل تستعيد مكونات سهل نينوى أمنها الاجتماعي وتعايشها المهدد بالفقدان؟

هل تستعيد مكونات سهل نينوى أمنها الاجتماعي وتعايشها المهدد بالفقدان؟

من التعايش الاجتماعي والتلاقي الثقافي والتكامل إلى التوجس والخوف والتصارع

اسماعيل خضر

من بيئة مختلطة يتفاعل مكوناتها فيما بينهم ويتعايشون في حالة من التكامل والاندماج او التلاقي الثقافي، إلى التوجس والخوف وأحيانا التصارع. هكذا أصبح الحال في سهل نينوى، بعد اجتياح تنظيم داعش للمنطقة ومحاولته احداث تغيير ديمغرافي فيها قبل ان يستعيد الجيش العراقي والقوى الساندة له من حشد شعبي وبيشمركة وجماعات مسلحة مختلفة الولاءات المنطقة لتشهد مرحلة صراع جديدة.

يقول الشاب علي أغا، وهو شبكي من سهل نينوى “كنا مع بقية المكونات نعيش في حالة وئام وتعايش واندماج كاننا عائلة واحدة متكاملة تشكل حديقةٍ ملونة بالورود المختلفة.. كان سهل نينوى عراقا مصغرا متعايشا يجسد التنوع العقائدي والقومي والاثني”.

ويضيف :”لم يكن يوماً الإختلاف الديني والقومي مع أصدقائي المسيحيين والتركمان عائقاً وتحدياً لوحدتنا وتكاملنا، عشنا فعليا في بيئة خالية من المشاكل والطائفية والتعصب وان كان هناك ما يميز كل مكون.. كانت العلاقة بين المكونات علاقة وطيدة ولايمكنك ان تجد مشاكل كبيرة بينها”.

ويعيش في سهل نينوى خليط متنوع من المكونات الاجتماعية والقومية والدينية والمذهبية، من مسيحيين وايزيديين وكُرد وعرب وشبك وكُرد كاكائيين، وسنة وشيعة، وهو ما حول المنطقة الى ساحة صراعات خفية، تارة بين القوى السياسية والمسلحة الممثلة لمكوناتها، وأخرى بين حكومتي بغداد وأربيل للسيطرة عليها، إضافة إلى التدخلات الدولية فيها.

ما بعد دخول داعش

يتذكر علي كيف دخل تنظيم داعش إلى مناطقهم، بعد اسابيع من احتلال مدينة الموصل: “ذلك الحدث الاستثنائي غير قابل للنسيان، ذاكرتنا تأبى ان تغادر تلك الأيام والساعات.. على وقع الصدمة ولأول مرة أختارت كل عائلة طريقها بمفردها..حينها تفككت أواصرنا الاجتماعية، أصبحنا متفرقين في كل الأرجاء، تشردنا في كل البقاع”.

ويتابع “أصبح سهل نينوى بيئة خصبة للصراعات السياسية، والمحاصصة الطائفية التي كانت حاضرة من قبل صارت واضحة وعلنية، وباتت الشخصيات في سهل نينوى تتقاسم الوظائف والمناصب بعيداً عن الكفاءة والقدرات”.

وكان تنظيم داعش قد سيطر على معظم بلدات وقرى سهل نينوى في نهاية صيف 2014 ما ادى الى نزوح مئات الآلاف من سكان المنطقة الرافضين لحكم التنظيم خاصة من المكونات القومية والدينية من المسيحيين والايزيديين والكرد والتركمان والشبك، والذين خافوا من أن يصبحوا هدفا لعمليات قتل وخطف واسعة ينفذها مقاتلو التنظيم كما حصل في سنجار.

من جانبه يشير الشاعر المسيحي الشاب جميل الجميل، الى الآثار السلبية التي خلفها تنظيم داعش على ازضاع سهل نينوى وأواصر التعايش بين المكونات فيه.

يقول الجميل ان الوضع في سهل نينوى “يختلف عن ما كان عليه قبل داعش، لقد فقد الكثير من جماليته، فالتلاحم الإجتماعي تراجع في ظل الشكوك بين المكونات”، مبينا ان السهل يعاني من البطالة اثر تعطل المشاريع الصغيرة التي كانت تعد مصدر دخل اساسي لسكان المنطقة وهذا رفع معدلات الفقر والبطالة ولهذا الامر تداعيات على إستقرار المنطقة.

وينبه الجميل الى مشكلة مخيمات النازحين والعوائل التي تورط أبناؤها مع المجموعات الإرهابية “هؤلاء قنابل موقوتة من الممكن أن تظهر في السهل وتزيد الوضع سوءاً.. انها قضية ربما ستحدد مستقبل سهل نينوى”.

ويلفت الى ان سهل نينوى “أصبح منطقة عسكرية، تسيطر عليها قوات متعددة الولاءات ومن مختلف المكونات، تارة تساهم في حفظ الأمن والنظام وتارة أخرى تنتهك وتضطهد مكونات أخرى بأسم حماية حقوق هذا المكون او ذاك”.

المشكلة أكبر في سنجار

لكن الصحفي الأيزيدي المقيم في ألمانيا سامان داود يرى ان ما خلفه تنظيم داعش من تداعيات وما خلقه من آلام وجراح نتيجة النزوح يمكن ان تندمل خلال فترة قصيرة خاصة مع اعمار المنطقة وعودة الحياة اليها بدعم من حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية وفي ظل وجود الكثير من المنظمات.

ويوضح “تختلف الامور في سهل نينوى عما حدث في سنجار، فالإيزيدي والمسيحي والشبكي في سهل نينوى لم يتلقوا الخيانة من جيرانهم، والعربي هناك كان نازحا مع البقية، طبعا هذا لا يلغي وجود قلة قليلة من الذين انضموا إلى داعش واستهدفوا جميع مكونات سهل نينوى دون استثناء، ولذلك فان سياسات داعش في الاشهر التي سيطر فيها على سهل نينوى لم تكن ذات تأثير كبير بعكس الحال في سنجار”.

ويضيف داود “سهل نينوى تأثر بأشياء أخرى مثل التغيير الديمغرافي الذي حدث في الشيخان والحمدانية ومناطق أخرى في طوال السنوات الماضية بما فيه التي سبقت سيطرة داعش على المنطقة، فهذا الامر كان له تأثير سلبي على التعايش السلمي، فبعض القوى السياسية النافذة دفعت باتجاه ذلك التغيير ما ولد خلافات داخل المجتمعات في سهل نينوى”.

ويرى داود ان مدينة الشيخان “عانت من تغيير ديمغرافي واضح، كان موجها ضد الايزيديين الذين أصبحوا اقلية…كما ان هناك خلافات بين الشبك والمسيحيين في الحمدانية، وهناك خلافات في بعشيقة حول هذا الامر.. والمسألة تتعلق بسياسات بعض القوى في المنطقة”.

وينبه بعض الايزيديين من ان “سياسات مرسومة” أدت الى حصول نوع من التغيير الديمغرافي في المنطقة التي كانت ذات غالبية ايزيدية قبل 25 عاما ولكنها أضحت ذات غالبية مسلمة اليوم، بعد هجرة نسبة كبيرة من سكانها الى خارج العراق او النزوح الى مدن اقليم كردستان في حين استقرت مئات العائلات المسلمة في المنطقة قادمة من مدن نينوى المختلفة بما فيها الموصل.

مشاكل مسكوت عنها

ويدعو داود الى مواجهة تلك الخلافات والمشاكل القائمة بين المكونات والحديث عنها بكل وضوح بدل انكارها، قائلا “الكثيرون يتحاشون الحديث عن تلك المشاكل لكن هذا لا يلغي وجودها… نعم قد لا تكون ظاهرة للعلن ولكنها حقيقة بالفعل ويجب حلها لأنها قد تؤدي إلى مشاكل أكبر من تداعيات احتلال داعش لسهل نينوى”.

رغم كل تلك المشاكل، يعتقد الناشط علي أغا، ان التعايش الايجابي يمكن ان يعود للمنطقة فلا خلافات مجتمعية حقيقية، وكل طرف يرى في الآخر شريكا له، لكن مفتاح بناء المستقبل المشترك يتمثل أولا وقبل كل شيء في تحسين الأوضاع السياسية ووضع حد للصراع على المناصب من أجل المصالح الضيقة للشخصيات النافذة في السهل.

أما الخطوة الثانية المهمة لاعادة بناء التعايش بحسب أغا، فتتمثل في تعزيز الأمن واطلاق حملات الاعمار وتحسين اقتصاد المنطقة ما ينهي ظاهرة نزوح ابناء المكونات بحثا عن حياة أفضل في مدن اقليم كردستان او خارج البلاد.

ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد المسيحيين والايزيديين الذين هاجروا خارج البلاد وبشكل خاص من مناطق سنجار وسهل نينوى، لكن نشطاء ورجال دين يتحدثون عن مئات الآلاف. وتشير منظمات ايزيدية الى ان نحو 120 الف ايزدي هاجروا خلال الفترة التي اعقبت استيلاء تنظيم داعش على مناطقهم.

*انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18439}" data-page="1" data-max-pages="1">