قصص: نازحون من الموصل يفضلون البقاء بالنجف بعد سنوات على تحرير مناطقهم:”أسسنا لحياة جديدة”

نازحون من الموصل يفضلون البقاء بالنجف بعد سنوات على تحرير مناطقهم:”أسسنا لحياة جديدة”

هيلين الكردي/ النجف

شهد العراق الكثير من الأزمات على مر التاريخ كان آخرها، احتلال تنظيم داعش الارهابي لمحافظة نينوى واجزاء واسعة من الأنبار وصلاح الدين صيف 2014، ما أدى الى قتل وخطف الآلاف وتهجير مئات آلاف من مناطقهم فضلاً عن تدمير وسرقة ممتلكاتهم ومحالهم التجارية، مخلفين آثاراً نفسية واجتماعية عميقة في نفوس الأهالي الذين عاشوا وشهدوا المأساة.

‎فهد الكردي، شاب من المناطق الريفية في نينوى، نزح مع عائلته الى مدينة النجف بعد سيطرة داعش على المحافظة، وبعد مرور ثلاثة أعوام من حياة النزوح والعيش والعمل في النجف قرر الزواج هناك والاستقرار فيها بشكل دائمي.

‎يقول “لقد هربنا من الموصل تاركين كل ممتلكاتنا هناك، التي علمنا لاحقا انها سرقت ودمرت، وتوجهنا الى النجف في ظروف صعبة جدا واستقبلنا أهاليها بكل حب وعطف وكرم، ووفروا لنا الكثير من الاحتياجات فلم يبخلوا علينا بأي شيء، كان ذلك محل تقديرنا وامتناننا”.

‎ويتابع فهد، الذي يعمل في مجال تقنيات الحاسوب:”بعد سنوات من الاقامة فيها ومن ثم العمل ومحاولة بناء حياة جديدة وتشكيل علاقات اجتماعية وصداقات، قررت الاستقرار فيها بشكل دائمي وتزوجت ابنة عمي وصارت لدي حياة مختلفة.. لذا أنا لا افكر بالعودة على الأقل في الوقت الحالي”.

‎فتحنا بيوتنا لهم

‎عبد الله، وهو احد الاشخاص الميسورين في المدينة، وكانت له مساهمة في دعم النازحين وتوفير بعض احتياجاتهم خلال فترة النزوح، ومع عشرات الآلاف خاصة من التركمان وأبناء المكون الشيعي الى النجف، يؤكد على أهمية تفعيل الجانب الإنساني وخلف التكاتف والتعاضد بين الناس ودعم الضحايا في الظروف العصيبة.

‎يقول: “عندما نزحت مئات العوائل الى النجف هرباً من سطوة داعش الارهابي، عملنا على تهيئة أماكن مناسبة ليستقروا فيها واستخدمنا قدرات المواكب الحسينية وهي بنايات منتشرة على طول الطريق بين النجف وكربلاء، لتقديم المساعدات العاجلة، البعض فتحوا منازل وابنية يملكونها لعوائل موصلية لتخفيف معاناتهم، حاولنا توفير بعض الأموال لاعانتهم في تلك الظروف الصعبة”.

‎وبحسب منظمات مدينة دفع هجوم تنظيم داعش وارتكابه عمليات ابادة وقتل وخطف واسعة في مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها الى نزوح أكثر من مليون انسان، وصل جزء منهم الى محافظات جنوب العراق بعد اسابيع من السفر والتنقل بين منطقة وأخرى واستقر مئات الآلاف في مدن ومخيمات اقليم كردستان .

‎ووفقاً لتقارير صحفية فان في مدينتي كربلاء والنجف، تولت توفير المأوى والحاجات الغذائية لآلاف العوائل النازحة بجهود خاصة من قبل القائمين على ضريح الإمام الحسين في كربلاء، وضريح الإمـام علي في النجف.

‎واستضافت المدينتان آلاف الأسر النازحة في المساجد والمباني الدينية، ومايزال جزء من النازحين يستقرون في النجف وكربلاء رغم مرور سنوات على تحرير مناطقهم.

‎التأسيس لحياة جديدة

‎يقول فهد الكردي، موضحا اسباب عدم عودته:”كانت الفترة الاولى للنزوح صعبة جدا علينا، كنا نشتاق الى حياتنا السابقة ونتلهف للعودة السريعة الى مناطقنا، حينها عملت في الكثير من المؤسسات الحكومية والأهلية، وتعاملت مع الكثير من المدراء والقائمين على الأعمال ورأيت الكثير من الاهتمام من قبلهم وكانت المعاملة جيدة في اغلب تلك المؤسسات، لذلك تشكل لدينا انطباع جيد عن العيش والعمل في النجف”.

‎ويتابع :”عندما تم الاعلان عن تحرير الموصل، قرر ابي واخواني الرجوع الى منزلنا هناك، الا انني فضلت البقاء هنا ومواصلة عملي وحياتي في النجف، فقد أسست لحياة جديدة واصبحت جزءاً من هذه المدينة، سيصعب علي العودة والبحث عن عمل هناك”.

‎يوافقه الرأي صادق علي (33 عاما) وهو من أبناء تلعفر الذين قرروا البقاء في النجف ومواصلة عمله في مجال البناء، يقول:”لقد قررت البقاء، انا هنا أعمل ولا مشكلة لدي، في تلعفر بيتنا مهدم واملاكنا نهبت واعادة بناء حياة جديدة هناك امر صعب”.

‎ويضيف: “الاختلاف اللغوي والثقافي كان صعبا، فنحن نتحدث التركمانية واهل النجف العربية، لكن ذلك تم تجاوزه بعد عام او اثنين خاصة من قبل الصغار في العمر، لذا الكثير من الشباب يريدون البقاء هنا والعمل والاستقرار فالأجواء مناسبة لنا عموماً ، لكن كبار السن يفضلون العودة”.

‎وخلص علي الى القول:”من وجدوا فرص عمل مناسبة او تزوجوا وبنوا حياة جديدة واستقروا هنا في الغالب لا يفكرون بالعودة لكنهم طبعاً يزورون مناطقهم واهلهم بين فترة واخرى، فالنزوح رغم ما حمله من مآسي خلق نوعا من التقارب بين المكونات وصارت للنجف وكربلاء مكانة عزيزة في قلوب أبناء تلعفر وعموم اهالي الموصل ممن نزحوا اليها”.

وبحسب نشطاء متابعين لشؤون النازحين، فان الكثير من الشباب الذين خسروا أعمالهم ومستقبلهم في الموصل تأقلموا بحياتهم الجديدة في مدينة النجف، منهم من حصل على فرص عمل في المؤسسات الحكومية كموظف بأجور يومية، والبعض انخرط في الأعمال اليدوية وآخرون في أعمال البناء، وبعضهم كعمال ومساعدين في المطاعم والمحال التجارية، وهؤلاء في الغالب فضلوا البقاء في النجف.

حتى اولئك الذين لم يجدوا وظائف واعمال تلائم تخصصاتهم او امكاناتهم المهنية او أعمال تناسب مكانتهم الاجتماعية، حصلوا على أعمال أخرى أمنت دخلا جيدا لعوائلهم، وقلة قليلة منهم بقيوا عاطلين، وهذا دفع الكثيرين منهم الى البحث عن وسائل لادامة اعمالهم في النجف حتى ان قرروا العودة الى مناطقهم السابقة.

*انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18420}" data-page="1" data-max-pages="1">