قصص: “كورونا” تضع عشرات آلاف النازحين وسط دوامة الفقر “لا فرص عمل لنا”

“كورونا” تضع عشرات آلاف النازحين وسط دوامة الفقر “لا فرص عمل لنا”

ابراهيم خليل/ دهوك

في ظل حالة الطوارئ التي شهدها العالم مع انتشار فيروس كورونا وامتلاء المستشفيات بالمصابين، ومع غياب الأدوية واللقاحات، اضطرت حكومات مختلف دول العالم الى التوجه نحو الاغلاقات ووقف النشاطات الاقتصادية في معادلة معقدة الطرفين بين المنافع الصحية والخسائر الاقتصادية.

فالإجراءات الاحترازية بما فيها الاغلاقات لأشهر، والالتزام بتطبيق الاجراءات الصادرة من حكومات الدول للحد من انتشار الفيروس حفاظا على الأرواح، أوقعت خسائر اقتصادية كبيرة وزادت من نسبة البطالة الى حدود غير مسبوقة حتى في الدول المتقدمة القادرة على تقديم اعانات مالية لشعوبها.

تداعيات تلك الأزمة كانت مضاعفة بالنسبة لأهالي سنجار سواء الذين يعيشون في مخيمات اقليم كردستان او العائدين لمناطقهم السابقة، فالآف من الشباب العاملين في قطاعات الخدمات والبناء والاعمار والتجارة وجدوا انفسهم عاطلين بلا عمل بسبب الفيروس الذي أثر على أعمالهم وأوقف الكثير منها.

أزمة عالمية لكنها اصعب على النازحين

كانت التداعيات في كل العالم كبيرة فمع انتشار الفيروس وتزايد الاصابات شهدت الاقتصاديات الكبرى كسادا في ظل حظر التجوال. وأقفلت الجامعات والمدارس أبوابها بل حتى المعامل التي لم تتوقف يوما في تاريخها، وتم اغلاقات المطاعم والحانات والمتاجر غير الأساسية والأماكن السياحية، وانهارت أسعار النفط وتذبذبت الأسهم.

أما الدول التي تعاني اقتصاداتها اصلا، فكان الوضع أكثر قسوة، ففي العراق بما فيه اقليم كردستان وجد أصحاب الدخول المحدودة من غير الموظفين الحكوميين كما عمال الأجور اليومية سواء في قطاع البناء أو المطاعم والكافيهات أنفسهم عاطلين دون ان يتوفر امامهم اي بديل يؤمن لهم دخلا وان كان صغيرا.

وكان التأثير مضاعفا بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من أثار أزمات لم تخرج منها، كالنازحين، فقد وجد هؤلاء الذين يعانون اصلا من صعوبة في توفير فرص عمل وتامين قوت يومهم، انفسهم امام مشكلة مزدوجة.

يقول حسن عمر وهو شاب في الثلاثينات يعمل في مطعم شعبي ويعيل عائلة من سبعة أشخاص “فجأة خسرت عملي. ووجدت نفسي عاجزا عن تأمين متطلبات عائلتي الغذائية في دولة لا تقدم مساعدات مالية في مثل هذه الأزمات.. بعد اسابيع من الاغلاق شعرت انني وسط أزمة كارثية بلا حل..فلا مدخرات لدينا يمكن ان نستهلكها، ولا فرص عمل بديلة”.

ينبه غاي رايدر مدير عام منظمة العمل الدولية، في تصريح نشر بموقع منظمة العمل الدولية، ان نحو  190 مليون شخص خسروا وظائفهم وإلتحقوا بصفوف العاطلين منذ بداية العام 2020 ومع تفشي كـوفيد-١٩ في العالم.

ويضيف أنه مع الصدمة التي أحدثها الفيروس، عانى عالم التوظيف “من تهاوٍ غير عادي على الإطلاق” بسبب تأثير الجائحة والتدابير المتخذة للتعامل معها.

العمل في الاقليم

في ظل حياة النزوح ومع البقاء في المخيمات باقليم كردستان لمدة تقارب السبع سنوات تمكن عشرات آلاف الايزيديين والمسلمين من ابناء سنجار من الحصول على فرص عمل في القطاعات المختلفة خاصة الخدمية منها وانخرطوا في سوق العمل في دهوك واربيل والسليمانية ونجح البعض منهم في اقامة مشاريع خاصة في القطاع الخاص نظراً لانعدام فرص العمل بالنسبة لهم في القطاع الحكومي وتوقف التعيينات.

ويعتمد قطاع الخدمات في العديد من مدن الاقليم وخاصة ما يرتبط بالمطاعم والكافيهات والمرافق السياحية وادارة الفنادق على الشباب النازحين من سنجار، فهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من العاملين في هذه القطاعات والذين يعملون في الغالب لساعات أطول وبأجور اقل من اقرانهم العمال من أهالي الاقليم.

وتعرضت سنجار شمال غربي نينوى، والتي يعيش فيها الايزيديون الى جانب الكرد المسلمين، إلى عمليات ابادة جماعية على يد مقاتلي تنظيم داعش في صيف عام 2014، راح ضحيتها آلاف الايزيديين، كما نزح أكثر من 300 الف فرد من المكونات المختلفة التي كانت تعيش في سنجار الى مدن اقليم كردستان، خاصة من المسيحيين والايزيديين والكرد.

يقول امين صبرو، النازح الى مخيم “باعدري” شرقي دهوك والذي كان يعمل في إحدى فنادق المدينة، ان عملهم تراجع في الأسابيع الاولى للجائحة: “لكن مع توقف وصول السياح من باقي مناطق العراق وتعطل الحركة التجارية توقف عملنا بشكل كامل ما أدى بعد فترة إلى غلق الفندق وانضمامي لقائمة العاطلين عن العمل”.

ويضيف:”لم يكن هناك أي بديل في ظل اغلاق تام او متقطع استمر نحو اربعة أشهر. صاحب الفندق لم يكن بمقدوره دفع اجورنا في ظل اغلاق الفندق فتم تسريحنا، ووجدنا أنفسنا عاجزين عن تأمين قوت عوائلنا”.

 

الانضمام الى جيش العاطلين

يقول مراد محمود الذي يسكن في مخيم “جم مشكو” للنازحين وهو المعيل الوحيد لعائلته التي تتألف من تسعة أفراد “كنت اعمل مقابل أجر يومي في احدى شركات البناء بمحافظة دهوك قبل انتشار جائحة كورونا وتوقف عمل الشركة. الان لا اجد سبيلاً لتوفير لقمة العيش لعائلتي”.

ويضيف:”الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتباعد الاجتماعي أدت إلى توقف العمل لأكثر من ثلاثة اشهر ما جعلني مثل آلاف الأخرين اخسر عملي و مصدر رزقي الوحيد. ولاحقا لم يستعد القطاع عافيته لكي نعود للعمل. التقارير الدولية تشير ان هذه الازمة ستمتد لعامين آخرين ولا اعرف كيف سنتدبر امورنا”.

ويتابع:”العائدون الى سنجار عانوا بدورهم من تعطل اعمالهم بسبب قطع الطرق او نتيجة فقدان القدرة الشرائية للعوائل” خاصة في ظل مشكلة تعطل دفع رواتب الموظفين في اقليم كردستان.

ويقدر محمود أعداد من خسروا اعمالهم بعشرات الآلاف، مستطردا: “اصحاب المشاريع الصغيرة كمحلات بيع الملابس او المواد المنزلية والكهربائية او الموبايلات، عانوا ايضا من البطالة حتى مع افتتاح الأسواق، فتعطل عمل شريحة او توقف دفع الرواتب يؤثر على أعمال جميع الشرائح الآخرى”.المشاريع الصغيرة

علي خدر، نازح من مخيم “شاريا” كان قد افتتح قبل انتشار الفيروس مطعما في داخل مجمع شاريا يعمل فيه عشرة أشخاص باجور يومية، اضطر الى تقليص عدد العمال الى اقل من النصف بسبب تراجع العمل في ظل الجائحة.

يقول :”المشروع شهد نجاحاً جيدا قبل فترة الجائحة لكن بعد انتشار الفيروس انخفض إقبال الزبائن مع تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، ومع تراجع الحركة داخل المجمع وبين المجمع والمحيط الخارجي أجبرت على تقليص عدد العاملين لتجنب الخسائر، فالأرباح تراجعت بنسبة تتجاوز الـ 40% في الأشهر الثلاثة الأولى لانتشار الفيروس”.

لم تقتصر الخسائر على العاملين في قطاع الخدمات او قطاعات التجارة المرتبطة ببيع المواد الكمالية والملابس او المواد المنزلية والكهربائية، بل شمل حتى باعة المواد الغذائية.

يقول كريم قاسم، الذي يملك محلا لبيع المواد الغذائية في مخيم “باجيد كندالا” في زاخو، ان مبيعاتهم تراجعت بنسبة تصل الى 50%: “هناك عموما إقبال ضعيف من قبل المواطنين في المخيم على التبضع من الاسواق بما فيه المتاجر المتخصصة ببيع الأغذية”.

“السبب الرئيسي يتعلق بالازمة الاقتصادية التي فرضها تفشي فيروس كورونا وتراجع اسعار النفط التي ادت بدورها الى تأخر صرف رواتب الموظفين في اقليم كردستان” يقول قاسم، وهو يشير الى سجل حسابات محله “الكثيرون لم يدفعوا ثمن المواد التي اشتروها .. اذا لم تصرف رواتبهم فكيف يمكنهم ان يعيشوا”.

يؤكد قاسم اغلاق بعض المحال التجارية لأبوابها بعد عجز أصحابها عن تحمل خسائرهم بسبب انهيار أعمالهم، مبينا أن الجائحة زادت من معاناة النازحين: “ارتفعت نسبة الفقر في صفوفهم مع خسارة أبنائهم لفرص عملهم بشكل كامل او جزئي”.

ويخلص الى القول “كورونا أضافت مصاعب جديدة على حياتنا، ضربت الاقتصاد وزادت من سوء حالتنا النفسية… لا نعرف متى سيزول خطر الفيروس لنستعيد شيئا من الأمل، لكننا نعلم ان كل يوم يستمر فيه هذا الوباء يعني خسارة مزيد من فرص العمل ودخول مزيد من النازحين الى دوامة الفقر والعوز”.

 

*انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18393}" data-page="1" data-max-pages="1">