قصص: تحت ضغط الأمن والخدمات… العائدون الى سنجار يهجرون قراهم السابقة ويستقرون بمناطق جديدة

تحت ضغط الأمن والخدمات… العائدون الى سنجار يهجرون قراهم السابقة ويستقرون بمناطق جديدة

"لا يمكننا العودة الى قرانا جنوب المدينة فالمخاوف الأمنية كبيرة والخدمات معدومة"

ابراهيم خليل حجي/ سنجار

في ظل ازدواجبة الإدارة في منطقة سنجار التي يحكم جزء منها من قبل ادارة مكلفة من قبل حكومة اقليم كردستان فيما يحكم الجزء الآخر من قبل ادارة خاصعة للحكومة الاتحادية، يعاني الايزيديون العائدون من تردي في الخدمات ومن “نزوح مزدوج” فمئات العائلات عاجزة عن العودة لمناطقها السابقة بسبب نسبة الدمار الكبيرة فيها ما يضطرها للاستقرار في مناطق جديدة.

وشهدت سنجار التي تقع في غربي محافظة نينوى وتبعد عن مدينة الموصل مسافة 80كم، عمليات ابادة جماعية نفذها تنظيم داعش ضد سكان المنطقة وبشكل خاص الايزيديين الذين يشكلون أغلبية الى جانب الكرد المسلمين والعرب وبعض العوائل التركمانية.

ونزح جميع سكان المدينة الذين كان يقدر عددهم بنحو 90 الف، خلال سيطرة داعش عليها صيف العام 2014، فيما نزح من كامل القضاء نحو 350 الف انسان استقر غالبيتهم في نحو عشرين مخيما مؤقتا اقيمت باقليم كردستان.

 

العائدون نازحون مجددا

تقدر منظمات معنية باوضاع النازحين ونشطاء مدنيون ان نحو 60% من العائدين إلى سنجار في الفترة الممتدة بين شهري أيار و تشرين الثاني من العام 2020 يسكنون حاليا في قرى و مجمعات أخرى غير التي نزحوا عنها بسبب فشل الحكومة الاتحادية في اعادة بناء غالبية قرى ومجمعات جنوب سنجار وتوفير الخدمات فيها. وهي المناطق التي تدار من قبل الحكومة الاتحادية.

وفضل غالبية العائدين من سكان مناطق جنوب سنجار الاستقرار بشكل مؤقت في قرى ومجمعات شمال سنجار التي تدار فعليا من قبل حكومة الاقليم وتحميها قوات البيشمركة بسبب توفر الخدمات فيها نسبيا مقارنة بباقي المناطق ولقربها ايضا من اقليم كردستان حيث يسهل الوصول الى الاقليم في حال حصول هجمات او توترات امنية الى جانب تواجد بعض المنظمات الدولية فيها.

يقول صباح خلف حامد، انه لم يعد الى المنزل الذي بناه في مجمع الجزيرة (سيبا شيخ خدر) بمبلغ أكثر من 30 مليون دينار قبل هجوم تنظيم داعش في اب 2014، بعد أن ترك مخيمات دهوك.

ويقع مجمع سيباشيخ خدر الذي شهد عمليات قتل واسعة للايزيديين على يد مقاتلي داعش في الساعات الاولى من سيطرتهم على سنجار وعمليات تدمير وحرق للمنازل، على بعد 34 كلم جنوب مركز قضاء سنجار.

ويضيف “حين قررت انهاء سنوات العيش في المخيمات بدهوك، لم استطع العودة الى منزلي بسبب تردي الأوضاع الأمنية و الخدمية في المجمع الذي كنت أسكن فيه، لذا قررت السكن في منزل فارغ بسنجار، وحقيقة لا أعلم لمن يعود هذا المنزل، فمعظم الاهالي لم يعودوا الى بيوتهم” .

مئات العائلات غيرت اماكنها

مثل حامد وعائلته فان مئات العائلات الاخرى قررت السكن في مجمعات وقرى اخرى غيرالتي تركوها وكانوا يعيشون ويعملون فيها قبل هجوم داعش اما بسبب تردي الخدمات هناك او لمخاوف امنية او لأنهم وجدوا فرص عمل في مواقع اقامتهم الجديدة.

هذه الظاهرة تعتبر جزء من الحد الفاصل بين عودة الحياة إلى سنجار بشكل طبيعي و بين بقائها في فوضى و استمرارية غياب الخدمات و الاعمار و الاستقرار الأمني.

يقول رعد حمو عباس، انه سكن في اربع مناطق مختلفة منذ ان ترك مخيمات النزوح في دهوك وعاد الى الى قضاء سنجار، عانى في جميعها من قلة الخدمات.

ويوضح: “فعليا انتقلت في أقل من عامين بين أربع مناطق مختلفة تقع بين مدينة سنجار وناحية سنوني شمالي القضاء، بحثا عن العمل والخدمات او خوفا من عدم الاستقرار.. انا منذ اشهر اقيم في منزل دخلته بشكل عشوائي ولا اعرف من هو صاحبه ومتى يعود ويطلب مني تركه”.

ولا يخفي عباس ندمه على قرار العودة الى سنجار:”صراحة أنا ندمت لعودتي، وأنا الآن لا أملك مصاريف تمكنني من العودة إلى المخيم مجدداً.. لو ملكت المصاريف لعدت لترتيب اموري فيه”.

لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لخليل عبدالله، الذي كان يسكن في مجمع كرزرك الواقع على بعد 19 كم جنوب غربي سنجار. يقول: “كان بيتي هناك عبارة عن غرفتين من طين، لكن المنزل مهدد بالانهيار بعد سنوات من الاهمال وفي ظل موجات من الأمطار والسيول التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة”.

يضيف عبدالله “انا ابحث عن منزل اقيم فيه حتى لو كان في قرية او مجمع آخر غير مجمع كرزرك حيث ولدت وتربيت وكنت اعيش فيه قبل هجوم داعش.. هذا حالنا يبدو اننا سنظل نازحين وبعيدين عن مناطقنا لسنوات قادمة” .

وبحسب مصادر من ادارة قضاء سنجار المدعومة من قبل حكومة اقليم كردستان فان نسبة العائدين الى مركز قضاء سنجار لا تتجاوز حاليا 20% من النسبة الكلية للسكان الذين كانوا يعيشون في المدينة وغالبيتهم من المسلمين، الذي يتجنبون العودة الى المدينة او الى القرى والمجمعات في جنوبها فهي في غالبيتها مهجورة تماما بسبب سوء الخدمات وفشل الحكومة الاتحادية في تأمين المتطلبات الأساسية للعائدين الى جانب المخاوف الامنية حيث تسيطر على المنطقة فصائل الحشد الشعبي.

 

منبع المقاومة

مجمع كرزرك في جنوب سنجار الخالي بشكل كامل من سكانه، هو واحد من المجمعات الكبيرة ذات الغالبية الايزيدية جنوب المدينة، وشهد مقاومة شرسة ضد مقاتلي تنظيم داعش امتدت لساعات طويلة وبأسلحة بسيطة قبل ان يتمكن التنظيم من السيطرة عليه وارتكاب عمليات انتقامية بحق سكانه وهدم العشرات من البيوت.

ويعيش غالبية سكان مجمع كرزرك التابع لناحية القحطانية والقريب من القرى العربية، في مخيمات اقليم كردستان او في قرى ومجمعات في شمالي سنجار او داخل المدينة او في جبل سنجار.

وفي مجمع الجزيرة (سيبا شيخ خدر) الذي يقع في جنوب غربي مدينة سنجار لا يتجاوز عدد العوائل العائدة اليه من سكانه الاصليين 2% رغم ان اكثرمن ألف عائلة من سكان المجمع عادوا الى منطقة سنجار وانتشروا بين مجمعاتها فالغالبية الساحقة من العائدين فضلت عدم العودة الى سيبا شيخ خدر بسبب قلة الخدمات ومخاوفهم الامنية.

ويتساءل أحد ابناء المنطقة، متحدثا من مخيم شاريا في اطراف دهوك:”كيف اعود الى هناك، الكهرباء مقطوعة تماما، والمياه شحيحة، وبقية الخدمات غير متوفرة؟.. وطبعا لاتوجد فرص عمل؟..هنا قد يجد أبنائي عملا كل بضعة أيام يعيننا على تأمين مصاريفنا، هناك ماذا سيفعلون؟”.

 

العودة تحت تأثير التعيين

في منتصف العام 2020 وخلال نحو ثلاثة أشهر بلغ عدد العوائل العائدة إلى سنجار 3500 عائلة، نحو 85٪ منها كان أحد افرادها منتميا الى التشكيلات الأمنية في وزارتي الداخلية والدفاع.

وهذا يعني ان عودة تلك العائلات مرتبط باضطرار تواجد أحد افرادها في سنجار، في حين ان الحكومة لم تعمل على توفير فرص عمل حقيقية تضمن عودة بقية العوائل الى المنطقة والاستقرار الدائم فيها بحكم المصالح الاقتصادية.

يقول حسن حسين، وهو منتسب في وزارة الدفاع العراقية: “عدت الى سنجار ليس بسبب توفر البيئة الملائمة ولا الخدمات التي وفرتها الحكومة، بل بسبب عملي هناك وفي ظل صعوبة التنقل بين مناطق اقليم كردستان وسنجار خاصة في فترة انتشار جائحة كورونا حيث قطعت الطرق بشكل كامل مما جعل السفر الى دهوك لرؤية العائلة في المخيم أمرا صعبا ومكلفا جدا، فاضطررت الى نقل العائلة الى هنا والاستقرار”.

العودة العكسية

في نهاية العام 2020 عادت ستة عوائل إلى مجمع سيبا شيخ خدر، من اجل الاستقرار فيه بشكل نهائي،  لكنها بعد اسابيع تركت المجمع واتجهت الى مدينة سنجار وناحية سنوني. قال أحدهم “لا يمكننا العيش هناك بدون خدمات، كما كنا نخشى من حصول هجمات لتنظيم داعش فكنا غير مطمئنين فالمنطقة قريبة من القرى العربية التي انطلق منها تنظيم داعش قبل سنوات..هناك تشعر انك منقطع عن العالم”.

تباين مستوى الخدمات المقدمة بين منطقة واخرى ونسب الدمار بين مجمع وآخر، والاختلاف في الوضع الأمني، ادى عمليا الى حصول اختلال او تحول ديمغرافي بين المناطق الشمالية والجنوبية التي كان يعيش فيها الايزيديون، وسط مخاوف لا يخفيها نشطاء من ان استمرار الاوضاع على النحو الحالي سيعني تمركز غالبية الايزيديين في شمال سنجار وغيابهم الكلي عن جنوب المدينة.

يقول عباس (34 عاما) الذي كان يعيش قبل هجوم داعش في جنوب سنجار، انه اشترى قطعة أرض في ناحية سنوني على بعد 71 كم شمال مدينة سنجار لأن المنطقة قريبة من إقليم كردستان ومن القرى التي ينتشر فيها الكرد حيث تم تعزيز الوضع الامني فيها.

ويوضح :”المنطقة قريبة من الاقليم يمكنك خلال ساعة ان تكون في دهوك عبر طريق سحيلة، لذا قررت ان استقر فيها بعد الابادة، لذا بنيت بيتا جديدا ولا أنوي الرجوع إلى جنوب جبل سنجار حيث مسقط رأسي ونشأتي”.

يصمت للحظات ثم يكمل :”بصراحة اقول: اذا كنا نستطيع ان نتحمل العيش بدون خدمات فلا يمكننا ان نخاطر بحياتنا فالبيئة الامنية هناك غير مستقرة في ظل تعدد الجماعات المسلحة”.

*انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية

المزيد عن قصص

Stories

قصص","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18429}" data-page="1" data-max-pages="1">