تقارير سردیة: طريق العائدين الى سنجار مازال ملغوماً بنيران الصراعات

طريق العائدين الى سنجار مازال ملغوماً بنيران الصراعات

صراع القوى المحلية والاقليمية في مثلث النفوذ تبقي الاتفاقيات حبرا على ورق

سامان داود/ نينوى

كان الخريف قد مد جناحيه على أطراف مخيم شاريا للنازحين شمالي دهوك وبدأت موجات الرياح الباردة تضرب اطراف الخيم، يوم قرر النازح الايزيدي من سنجار فارس بابير (28 عاما) انهاء سنوات غربته الست في اقليم كردستان والعودة الى قريته التي تركها حين زحف تنظيم داعش في صيف 2014 على المنطقة وارتكب فيها ابادات جماعية.

حلم العودة الى “تل بنات” القرية التي ولد فيها، ظل يلاحق “بابير” طوال السنوات الأربع التي اعقبت تحرير المنطقة لكن الأمن الهش في ظل صراع القوى السياسية المسلحة وغياب الخدمات وتعطل عملية الاعمار وعدم توفر فرص عمل، كانت تمنعه مثل معظم النازحين من العودة، قبل ان يبعث اتفاق سنجار الموقع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بارقة أمل بحل قريب في المنطقة المتنازع عليها والتي يعيش فيها الايزيديون الى جانب الكرد والعرب والتركمان.

لا تأتي أهمية المنطقة من رمزيتها كونها “الضحية المتجسدة” لفضاعات تنظيم داعش الذي قتل آلاف من سكانها الايزيديين واختطف آلاف اخرين بينهم نساء أخذوا كسبايا ومازال مصير بعضهن مجهولا، ودفع الى هجرة نحو 400 الف من سكانها بما فيهم الكرد المسلمين، بل ايضا من كونها خزانا انتخابيا للقوى الكردية وعمقا استراتيجيا لاقليم كردستان.

فيما تمثل للقوى الشيعية الحاكمة ومن خلفهم ايران بوابتهم المفضلة على سوريا، وجزءا حيويا من ما يعرف بالهلال الشيعي. بينما تولي تركيا أهمية كبرى لها فهي مفتاح الطريق السياسي والتجاري الى تلعفر التركمانية ومنها الى الموصل وكركوك الولايتين العثمانيتين التي لا يخفي القوميين الأتراك رغبتهم في استعادتهما.

 

اتفاق سنجار.. ترحيب وقلق

تضمن اتفاق سنجار، الذي وقع في التاسع من تشرين الاول اكتوبر 2020 وبعد أشهر من المحادثات التفصيلية المعقدة، سلسلة خطوات لتطبيع الاوضاع في القضاء بدءا بتعزيز الأمن واعادة الاستقرار، وانتهاءً باطلاق عمليات الاعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.

يقول دلير علي، وهو ناشط كردي مسلم ترك المدينة كباقي المواطنين الكرد عند دخول داعش اليها “هذا طريق طويل ومحفوف بالألغام، لكن جزءاً ليس صغيراً من أهالي سنجار قرروا المضي فيه والعودة الى قراهم، رغم ان كل مصادر الخطر ماتزال ماثلة”.

ويضيف “لم يعد الكثيرون يتحملون العيش هنا في المخيمات.. هذه انشأت لتستقبل النازحين لأشهر، لكن ها هم سيدخلون عامهم السابع بعيدا عن مدينتهم وقراهم”.

ويستطرد علي، وهو يعرض لقطات فيديو قديمة لوالده الذي توفي، كان يردد فيها: هي بضعة أشهر وسنعود الى مدينتنا”.

يتوقف لبرهة ثم يتابع “نخشى ان تتحول هذه المخيمات المؤقتة الى مدن دائمية، فرغم اتفاق سنجار فان كل بواعث القلق ماتزال ماثلة فالقوى المسلحة لم تغادر المنطقة وان اغلقت بعض مقراتها وسط المدينة، والحساسيات بين المكونات ماتزال قائمة ولم تبذل جهود لبناء مصالحات وتقريب المكونات”.

وينص اتفاق سنجار، على حصر التواجد الأمني والاداري في القضاء التابع لمحافظة نينوى، بالقوات الرسمية في بغداد واربيل وبشكل خاص الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز المخابرات والامن الوطني، والتركيز على إبعاد الفصائل الايزيدية المقربة من حزب العمال الكردستاني والتي تمتعت بنفوذ كبير منذ استعادة المنطقة.

وجاء الاتفاق بعد ست سنوات من اجتياح داعش لسنجار وبعد أكثر من ثلاث سنوات على اعادة تحرير القضاء من قبل قوات البيشمركة المدعومة من قوات التحالف وفصائل ايزيدية وكردية مختلفة فضلا عن فصائل الحشد الشعبي والجيش العراقي.

يقول الناشط علي “تأخر الاتفاق كثيرا، خلالها قضى غالبية اهالي سنجار من ايزيديين ومسلمين حياتهم بين مخيمات النزوح في دهوك وجبل سنجار، وعاشوا الفقر والعوز والخوف في ظل تدخلات خارجية وداخلية ما بين مجموعات موالية لحزب العمال الكردستاني واخرى تتبع قوات الحشد الشعبي والبيشمركة والجيش وحتى استهدافات الأتراك”.

ويرى متابعون لملف سنجار الشائك، ان الاتفاق الذي يقضي بخروج الفصائل المسلحة من سنجار او على الأقل ابعادها من مركز المدينة، يشكل خارطة طريق استراتيجية لعودة النازحين بشكل آمن الى مناطقهم.

 

أمل العودة والتحديات

النازح الايزيدي “بابير” كان منشغلا مع عائلته بجمع آخر متاعه، بدا عليه الارهاق فاتكأ على شجرة كان قد زرعها، وهو يطالع المخيم وجيرانه الذين ينشغلون بالاستعداد لموسم الشتاء وهطول الأمطار التي تحول احيانا مخيمهم الى مسطحات مائية.

يقول “اليوم قررنا انهاء سنوات غربتنا والعودة الى سنجار.. يحزنني ان أترك جيراني في المخيم وأهالي دهوك الذين قدموا كل شيء لنا، لكني سعيد بانهاء حياة النزوح”.

يضيف :”ساطوي ست سنوات من العيش هنا، فأرضنا هناك ومستقبلنا، لا يمكن ان تظل سنجار خاوية من أهلها أبدا حينها سيكونون (داعش) قد حققوا هدفهم”.

ويبدي بابير تفاؤله بالمستقبل “قدوم القوات الامنية العراقية وبدء اخلاء بعض مقرات الفصائل المسلحة من المدينة، خلق جوا من الطمأنينة”.

ويكشف بابير عن عودة 500 عائلة الى قريته وقرى مجاورة لها جنوب قضاء سنجار، مستدركا “لكن هؤلاء يحتاجون الى توفير الخدمات الأساسية لهم والى حملات اعمار لبيوتهم المدمرة لتمكين العائدين من البقاء وتشجيع الآخرين على العودة”.

لكن الناشط سعد حمو، الذي لم يغادر سنجار وبقي في جبلها بعد الابادة، يرى ان الاتفاقية “لن تغير الكثير على ارض الواقع وان تحقيق تحول يفتح باب عودة النازحين، يحتاج الى وقت طويل”.

ويذكر “حمو” ان عدد العوائل العائدة الى سنجار في العام 2020 بلغ 24326 عائلة ايزيدية و6450 عائلة عربية، وهم بمجملهم يواجهون العديد من المعوقات اهمها قلة الخدمات بما فيها الصحية وانعدام الكهرباء في معظم القرى والمجمعات السكنية في جنوب القضاء، الى جانب عدم وجود مدارس في العديد من القرى”.

الصراع الداخلي والاقليمي

يؤكد خبير التنوع في العراق الدكتور سعد سلوم، في دراسة أنجزها لمنظمة الهجرة الدولية، عن عودة النازحين الى مناطق الاقليات المتنازع عليها، ان الاوضاع معقدة في سنجار لعدة أسباب أبرزها الصراع الداخلي بين القوى السياسية والمسلحة هناك، والصراع الاقليمي بين “تركيا وايران” حول المنطقة لأهميتها فمن يسيطر عليها يتحكم فعليا بالمثلث الحدودي العراقي التركي السوري.

ويوضح سلوم، ان استقرار المنطقة ليس مهما للايزيديين فقط ولضمان عودة مستدامة للنازحين من مخيمات اقليم كردستان، بل هو مهم لمساهمته في استقرار المنطقة اقليمياً، مشيرا الى ان ان اتفاقية سنجار مهمة “لأنها تسعلى لتوحيد المرجعيات الامنية المتعددة في سنجار والتي قد تهدد المنطقة في ضوء الصراعات الداخلية والإقليمية”.

وينقل سلوم رؤية الايزيديين بأهمية أن يكون الملف الأمني بيدهم، وان لا يسلم لأي قوة أخرى يمكن ان توظف القضية الايزيدية لأهداف سياسية، وان هذا سيمنع تكرار الإبادة الجماعية التي حصلت في 2014، مبينا أن “الحماية الذاتية هي شكل من شكل الادارة الذاتية التي تضمن إدارة فعالة في هذه المنطقة بغية تطويرها وتنميتها لتصبح مثالا للبناء بعد ان كانت مهدمة”.

ويقول ان هذا الأمر سيؤدي إلى تعزيز فكرة بناء سلام مستدام في سنجار وكبح هيمنة تيارات سياسية كبيرة على القرار الايزيدي واحتواء التدخلات التركية الإيرانية أو ترجمتها الى عامل ايجابي بدل ان تكون عامل سلبي، وتحقيق العدالة الانتقالية بعد الابادة، مع دعم وإصلاح قطاعات التعليم والزراعة والصحة.

 

التموضع ما بعد الاتفاق

يؤكد قادة أمنيون، ان اتفاقية سنجار، فرضت واقعا جديدا يتمثل بفرض ادارة امنية عراقية على المنطقة بقيادة الجيش والشرطة الاتحادية، وتقليص دور القوى السياسية المسلحة.

المتحدث باسم العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، يقول: إن القوات الامنية بصنوفها المختلفة انتشرت في قضاء سنجار لتقوم بتأمين وسط واطراف مدينة سنجار، وان العلم العراقي هو الوحيد الذي سيرفع في القضاء ولن يسمح بسواه، وستكون للدولة السلطة الكاملة على القضاء والى الحدود مع سوريا.

ويضيف ان القوات الامنية “ستعمل على حفظ الحدود من عمليات التسلل وبما يضمن أمن وسلامة سنجار، وانها ستعمل على تهيئة الأمن لعودة النازحين وايضا توفير بيئة مناسبة لبدء عملية الاعمار”.

ولفت الى ان الدوائر الخدمية “ستعيد فتح ابوابها مرة أخرى وسيتم افتتاح عدة دوائر بالتنسيق مع محافظ نينوى وسيكون هناك مكتب للنازحين وآخر للشهداء”.

وبالتزامن مع التحركات الأمنية، نظمت الحكومة الاتحادية في ناحية سنوني شمالي القضاء مؤتمرا عشائريا لتشجيع عودة النازحين بعنوان “كلنا العراق” وبمشاركة وجهاء وشيوخ عشائر وعدد من رجال الدين وممثلين عن أهالي سنجار من مختلف المكونات وبحضور قاسم الأعرجي مستشار الامن الوطني.

وقال الأعرجي خلال المؤتمر إن أولويتهم تتمثل في “إعادة النازحين إلى مناطقهم بشكل آمن”، لافتا إلى أن الملف الأمني في سنجار “سيدار من قبل الشرطة المحلية من أهالي القضاء في الداخل، وأن الجيش العراقي سيكون الطوق الخارجي، وأن زمام الأمور ستكون بيد الحكومة الاتحادية والقرار قرار عراقي”.

موقف قوات ايزيدخان

ورحب حيدر ششو قائد قوات ايزيدخان الايزيدية التي تضم بضعة آلاف من المقاتلين المنضوين ضمن وزارة البيشمركة بحكومة اقليم كردستان والمنتشرين في مناطق بسنجار وجبلها، بقدوم القوات الأمنية العراقية من جيش وشرطة اتحادية، وقال ان قواته “تعمل معهم بشكل مشترك لغرض توفير بيئة آمنة لعودة النازحين”.

واشار الى ان القوات العراقية “عملت بعد دخولها على إنزال كافة الرايات التابعة للفصائل المتواجدة في القضاء ورفعت العلم العراقي دون أي مشاكل تذكر، كما تم اخلاء بعض المباني”.

ولفت ششو الى أن الشرطة الاتحادية والجيش “يعملان الان على مسك الحدود بين العراق وسوريا من جهة سنجار، إلى أن تحل محلها قوة أخرى تشكل وفقا للاتفاق بين بغداد واربيل لمسك زمام الأمور داخل القضاء”.

لكن الكاتب وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة، يعتبر ان الخطوات المتحققة من اتفاق سنجار الى الآن ضعيفة.

ويقول ان “خطوات الحكومة العراقية أظهرت انها ضعيفة في مواجهة القوى غير القانونية المتواجدة في سنجار من حشد شعبي غير منضبط ضمن المنظومة الدفاعية العراقية، ومن قوات حزب العمال الكردستاني”.

ويضيف ان “الحكومة العراقية لم تقم بواجبها بالشكل الصحيح ولم تطرد هذه القوات، فقد تسلموا منها مقراتها لبضع ساعات فقط، ثم عادوا وسلموها لها بعد ان ارتدوا ملابس مدنية او اندمجوا مع القوات العراقية، وهذا الامر غير مقبول تماما ويعد خرقا للاتفاقية”.

ويتهم زنكنة قوى لم يحددها “بالتحكم” بالحكومة العراقية التي اعتبرها “مشلولة امام هذه القوى”.

ويعد مصير الفصائل المقربة من حزب العمال كـ”وحدات مقاومة سنجار” مشكلة معقدة، فهؤلاء مقاتلون عراقيون وان كانوا فكريا يميلون الى حزب العمال الذي قام بتدريبهم وتأهيلهم طوال سنوات عقب انسحاب البيشمركة والجيش من سنجار في اعقاب هجوم داعش عليها. وجزء كبير من مقاتلي هذا الفصيل ينتمون رسميا الى قوة الحشد الشعبي. فهو فصيل رسمي يتشكل من ايزيديين عراقيين قاتلوا داعش الى جانب القوات العراقية وساهموا في انقاذ عشرات آلاف الايزديين من الابادة.

 

موقف اقليم كردستان

ويرفض الحزب الديمقراطي الذي يقود حكومة اقليم كردستان ويتمتع بقوة كبيرة في شمال سنجار، أي تعاطي رسمي مع حزب العمال الكردستاني، ويطالب بطرده نهائيا من المنطقة باعتباره دخيلا.

ويقول زنكنة ان تطبيق اتفاقية سنجار كما وردت بابعاد جميع الفصائل المسلحة عدا الجيش والبيشمركة “سيساهم بفرض سلطة القانون ويحمل الطمأنينية” وذلك من خلال القوات العراقية وايضا القوات التي ستتشكل من كل مكونات سنجار والتي ستكون مسؤولة عن امن المنطقة وذلك بالتنسيق مع قوات البيشمركه.

ويعتبر ان تطبيق الاتفاقية سيكون معبرا مهما لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، منوها الى أن “المواطن السنجاري لا يمتلك مترا واحدا في سنجار منذ ان ولد في هذه المنطقة”، منبها الى ان عدم تطبيق اتفاقية سنجار بالشكل الصحيح “سيحمل مخاطر كبيرة وسيسمح بتسلل الإرهابين بوجود تلك الفصائل التي تلعب دور المرتزقة فهي غير نظامية وليست عراقية”.

ويحذر زنكنة من أن حزب العمال يهدد امن اقليم كردستان والعملية السياسية في العراق وهيبة الدولة، وان قواته غير مجازة قانونيا، متهما الحزب بقتل احد الدبلوماسيين الاتراك في اربيل وبمحاولة مهاجمة البعثات الدبلوماسية وقتل بعض قوات البيشمركة.

ويطالب زنكنة، بالأخذ بمقترح نيجرفان بارزاني رئيس اقليم كردستان، بالجلوس على طاولة حوار “تركية عراقية كردية امريكية” لحل المشاكل المرتبطة بهذا الملف.

كما يدعو الى تفعيل التفاهمات السابقة بين بغداد واربيل والمتعلقة بتشكيل نقاط مشتركة في مداخل ومخارج سنجار وفي كركوك وخانقين وجميع المناطق ضمن المادة 140 لتأمينها “لكن للاسف الحكومة العراقية تماطل ولا تستطيع الوقوف في وجه القوى المتنفذة التي لم تبقي اي هيبة للحكومة وتعتبر نفسها الآمر الناهي في العملية السياسية العراقية”.

شيعة سنجار

من جانبهم يرحب شيعة سنجار بالاتفاقية، ويقول السيد محمود الأعرجي رئيس تجمع شيعة سنجار، ان الاتفاقية ترسم خارطة طريق لحلحلة الأمور في المدينة، ولكن يجب ان يتم التنفيذ بحضور مكونات سنجار.

وينتقد الأعرجي حضور النائب بالبرلمان العراقي صائب خدر عن الكوتا الايزيدية أثناء توقيع الاتفاقية، معتبرا ذلك “غير صحيح” لأنه ليس من اهل سنجار ولا يعرف التفاصيل الكاملة عن المدينة “كان من الواجب اشراك اهل سنجار من كل المكونات برسم تفاصيل الاتفاقية، رغم ذلك نحن ندعم العديد من فقراتها خاصة ما يتعلق بملف عودة النازحين واجراءات الدولة للعودة الطوعية”.

ويؤيد الأعرجي حضور قوي للقوات الأمنية العراقية داخل المدينة خاصة من الشرطة المحلية وبقية الأجهزة الساندة لها “كما ندعم تواجد الجيش في الحدود واطراف المدينة”.

أما ما تعلق بالملف الاداري، فيرى انه “معقد بعض الشيء”، عازيا ذلك إلى عدم وجود استقلالية للمناصب الادارية، مشككا في إمكانية تعيين قائممقام مستقل على ارض الواقع، داعيا الى “الأخذ بآراء مكونات المجتمع أثناء عملية الاختيار وهذا الامر ينطبق على المدراء النواحي والمديريات”، مشددا على “التعامل على اساس المواطنة وليس على اساس الخلفيات السياسية او الدينية”.

كما يدعو الاعرجي، الى احتواء القوات التي حاربت تنظيم داعش ودمجها ضمن القوات الامنية بما فيها تلك التي “قاومت داعش على جبل سنجار لأنهم عراقيون”.

ويلفت الى وجود فقرات غير واضحة في الاتفاقية كالتنسيق بين القوات الامنية داخل القضاء والقوات الامنية في اقليم كردستان “هل هذا يعني عودة القوات الكردية؟..هذا الأمر سيولد خلافات داخلية وهذا أحد اهداف داعش”، داعيا الحكومة الاتحادية الى “أخذ الامر بجدية لمنع تحقيق هدف داعش”.

ويوضح الأعرجي “نرى ان قدوم قوات من خارج سنجار ليس بالشيء الصحيح لعدم الحاجة اليها في الوقت الحالي، خاصة ان هنك عدد كبير من المقاتلين داخل سنجار من ابناء المدينة والى الحد الذي حول المدينة الى ثكنة عسكرية..يمكنك ان تجد في عائلة واحدة ثلاثة مقاتلين هذا أمر غير صحيح.. يجب ان ندعم عودة الحياة المدنية”.

الفشل سيكون مصيرها

يعتقد الدكتور علي اغوان، وهو استاذ جامعي وباحث في العلاقات الدولية، ان الاتفاق جرى على عجل “فلم تصل بغداد الى عمق الأزمة، ولم تجلس مباشرة مع اطرافها الحقيقيين وهم اهالي سنجار”.

ويقول “كان يجب على بغداد عدم اقتصار جهودها على المعالجة الأمنية فقط، كان عليها العمل لايجاد حلول لمشاكل مجتمع سنجار وقصباته وقراه وعبر التفاهم مع سكانها”.

“الفشل سيكون هو العنوان الرئيسي لهذا الاتفاق” يؤكد اغوان ويستطرد “الاوضاع في سنجار تحتاج لجهود اقليمية ودولية واممية كبيرة لكي تأتي بثمار ايجابية”، مشددا على ان ابعاد اهل سنجار عن “خطر العنف والارهاب هو الهدف الذي يجب ان يسعى اليه الجميع… وهذا ما زال غائبا عن ارض سنجار”.

بدوره لا يخفي الناشط الايزيدي مراد اسماعيل، مخاوفه، رغم ان يرى ان تنفيذ الاتفاق الى الآن “يجري بشكل جيد بين الطرف الحكومي والاطراف المحلية المسلحة، فقد تم تفادي نشوب مواجهة مسلحة وهذا الأمر يسعدنا”.

ويقول اسماعيل “يبقى هناك فراغ في الاتفاق، ويتمثل باحتواء هذه القوات ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، نأمل ان يتم اخذ هذا الأمر بجدية، ودمج جميع القوات المحلية واعطاء الفرصة لاهل المنطقة بحماية أنفسهم”.

وحدات “مقاومة سنجار” باقية

لا يخفي معظم المتابعين لملف سنجار وعودة نازحيه وبدء اعماره، ان هناك سلسلة تعقيدات تواجهه نتيجة تعدد الجماعات المسلحة التي تملك نفوذا في القضاء، وبينها قوات الحشد الشعبي التي يستبعد الجميع امكانية تهميشها او ابعادها، الى جانب وحدات مقاومة سنجار، والتي تسيطر فعليا على معظم مناطق سنجار المدينة والجبل والمجمعات الجنوبية الى الحدود مع سوريا.

يقول عارف شنكالي، القيادي في اللواء 80 للحشد الشعبي، الذي يضم قوات “وحدات مقاومة سنجار” ان قواته “باقية في الحدود الادارية لقضاء سنجار، وهي لم تخرج سوى من وسط القضاء”.

ويضيف ان “تسليم مقارنا في وسط المدينة جاء على مبدأ التعامل العقلاني وتغليب لغة الحوار وليس لدينا اي مشكلة مع القوات الامنية العراقية، رغم ان الاتفاق المبرم بين بغداد والحزب الديمقراطي الكردستاني لم يتم فيه اشراك الايزيديين”.

ويشير شنكالي الى أن “احد شروطنا لتسليم مقار قوات مقاومة سنجار الى القوات العراقية، هو ضم عناصر تلك القوة المشكلة بعد 2014 ضمن القوات العراقية، وهذا ما حدث فقد تم دمج مقاتلينا في اللواء 80 ضمن قوات الحشد الشعبي”.

ويقدر عدد مقاتلين وحدات مقاومة سنجار بنحو 4500 عنصر عسكري ايزيدي عراقي، وهم يأملون دمجهم مع فصائل الحشد، الى جانب دمج “اسايش ايزيدخان” ضمن صفوف قوة الشرطة المحلية مستقبلا.

ويتهم شنكالي، جهات اعلامية بتعمد نشر معلومات مضللة عن قواتهم، مؤكدا انها “اول قوة رفعت العلم العراقي وانزلت اعلامها ومنذ أكثر من عامين وليس في الوقت الحالي”، مشددا على ان قواته “تعمل ضمن السياقات الدستورية والقانونية العراقية وهي مستعدة لأي خطوة تدعم استقرار المنطقة”.

من جانبه يقول سيدو الأحمدي، وهو أحد اعضاء الوفد الايزيدي الذي تشكل من قوى سياسية وعسكرية مختلفة في سنجار، والتقى في 15 من تشرين الثاني الماضي برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، انهم حصلوا على وعود بالاستجابة لمطالب الايزيديين بجدية فيما يتعلق باتفاقية سنجار واعادة الحياة للمدينة التي فقدت آلاف من ابنائها ما زال مصير نحو ثلاثة آلاف منهم مجهولا.

يقول الأحمدي “أبدينا مخاوفنا من تهميش الايزيديين خلال تنفيذ اتفاقية سنجار، كما من حرمانهم من المناصب العليا، وطالبنا بفتح باب التطوع على القوى الأمنية المختلفة، وزيادة عدد عناصر القوة المزمع تشكيلها من الشرطة المحلية لتضم 5000 عنصر”، مبينا أن “الكاظمي وفريقه وعدونا بالتعامل مع مطالب الايزيديين بجدية”.

ويضيف ان الوفد قدم عدة مطالب “أهمها توفير الخدمات الأساسية لتأمين عودة النازحين ودعم عملية الاعمار، فدونها لا يمكن ضمان عودة مستدامة”.

الخطر والدمار عائق

لا ترتبط عودة النازحين، باستقرار الأمن وتقديم الخدمات او توفير فرص العمل فقط، بل أيضاً بحل مشكلة مئات الأبنية المفخخة بالمتفجرات، وبمعالجة مسألة الدمار الكبير في المدينة القديمة كما في العديد من القرى والذي يتجاوز 80%، وهو ما جعل ارقام العائدين لا تتجاوز الـ30% في أحسن الاحوال، بحسب معنيين.

في الثاني من كانون الثاني 2021 قتل شاب بانفجار عبوة ناسفة بمجمع “تل البنات ” القديم، حيث بدأ بعض النازحين بالعودة اليه.

ويثير عدم الثقة بين المكونات، وعدم حصول مصالحات مجتمعية بين الايزيديين وجيرانهم العرب الذين تورط بعض ابنائهم في عمليات القتل والخطف والنهب، المخاوف من تطور اي خلاف شخصي الى قتال في ظل الاحقاد الكامنة وتعدد القوى والولاءات وانتشار الأسلحة على الأرض التي باتت تضم أكثر من 80 مقبرة جماعية.

تلك الحقائق هي التي تفسر تصريح مدير ناحية سنوني شمالي سنجار، الذي أكد تراجع العودة الطوعية في الشهرين الأخيرين وبعد التوقيع على الاتفاقية.

يقول خديدا جوكي “قبل الاتفاقية كان المعدل الاسبوعي لعودة العوائل يبلغ أكثر من 85 عائلة، الآن المعدل هو ستة عوائل فقط”، موردا جملة أسباب سياسية وخدمية: الخوف من المستقبل، عدم الثقة بين المكونات، غياب الخدمات والمدارس، وتردي الوضع المعيشي “فالدعم المقدم من قبل المنظمات في المخيمات اكبر من دعم العائدين”.

فيما كانت سيارة الحمل تتحرك وهي تحمل عائلة “بابير” خارج المخيم، كان قريبه جميل (45 عاما) الذي سبقه في العودة الى سنجار، يفكر في العودة للمخيم مجددا لقضاء فترة الشتاء فيه. يقول “لا يمكننا البقاء دون خدمات، سيتطلب تنفيذ الاتفاقية وقتا طويلا وستواجه بعراقيل كبيرة، لا أحد يستطيع الجزم بمصيرها وبمستقبل المنطقة”.

الجيد بحسب جميل، ان بامكانه العودة فهو لم يسلم خيمته في دهوك، فبعض افراد عائلته بقيوا هناك. وهذا ما يفعله الكثير من العائدين “قدم هنا وآخر هناك، لحين اتضاح الأمور”.

 

*انجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للصحافة الاستقصائية، ونشر بشكل مختصر على موقع درج.

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18315}" data-page="1" data-max-pages="1">