تقارير سردیة: مدفوعة بالفقر وهشاشة الأمن الاجتماعي .. ثلث المتزوجات قاصرات

مدفوعة بالفقر وهشاشة الأمن الاجتماعي .. ثلث المتزوجات قاصرات

زواج القاصرات.. تعنيف وتهميش وحرمان من التعليم

علي اياد – مروة قصي
في صدر غرفة نومها جلست “تبارك” ذات الأربعة عشر عاما، بملابسها البيضاء وهو تطالع بفرح مرآة كبيرة صفت الى جانبها قناني عطور وعلب ميكياج جديدة، قبل ان تفاجأ بانعكاس صورة زوجها وهو ينزع ثيابه، فأسرعت نحو حقيبتها المركونة جانبا لتخرج منها لعبتها المفضلة وتضمها بقوة الى صدرها.
لم تمر سوى لحظات حتى امتدت يداه الى كتفيها محاولا ضمها وهو يبتسم، قبل ان يمسك بلعبتها ويدفعها جانبا، ثم يبدأ بتقبيلها. تقول: “لم اكن اعي ما يحصل، كنت خائفة وانا احاول التخلص من ذراعيه لكن دون فائدة.. جسدي كله كان يرتجف حين بدأ بنزع ملابسي ثم دفعني للسرير ماسكا بذراعي كي لا أتحرك”.
تضيف: “صرخت مستنجدة بأمي لتخلصني منه.. كانت متواجدة في نفس المنزل، لكن صرخاتي لم تنجدني”.
في هذا الوقت كانت أم تبارك منشغلة بالرقص مع عائلة العريس على أصوات الموسيقى العالية، وتبادل الاحاديث مع عمة ابنتها، وهما ينتظران المنديل الممتزج بالدم يخرج من غرفة ياسر (29 عاما).
مع نهاية الجماع، جلست تبارك مقرفصة وعيناها مليئتان بالدموع. فتح الباب لتدخل عمة تبارك وأمها وهما يهلهلان بعد رؤيتهما المنديل وعليه قطرات من الدم، قاما بتقبيل جبين ياسر ومغادرة الغرفة سريعا، بينما بقيت تبارك منسية في زاوية أسفل السرير وكأنها كائن خفي لم يرها أحد، بحسب قولها.
“لا استطيع اكمال المقابلة”. بنفس متقطع تقول تبارك، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على زواجها من ابن خالتها. بعد لحظات من الصمت تكمل “ربما نكمل المقابلة غدا لأني اشعر بالتعب.. أشعر ان كل الآلام عادت لي”.

الحالة الاقتصادية السيئة والعادات والتقاليد والخوف من المستقبل وغياب برامج التوعية، تدفع عشرات آلاف العوائل الى تزويج بناتهن قبل بلوغ الـ 18 عاما، فيخسرن في الغالب فرص اكمال دراستهم، وتتعرض نسبة كبيرة منهن للتعنيف ولمضاعفات صحية ونفسية، بحسب بيانات تنشرها منظمات وجهات رسمية.

تبارك كانت مجبرة على الزواج كونها تعيش في مجتمع يشجع على تزويج الفتيات في سن مبكر من الأقارب “لمنع وقوعهم في الخطيئة ولحمايتهن من الانحراف والاستغلال” وفق ما يتردد بين العوائل.

قصة تبارك تتكرر لدى عشرات آلاف البيوت، وسط ارتفاع نسب زواج القاصرات في العراق في السنوات الاخيرة، بحسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية، مدفوعة بالشعور بغياب الأمن الاجتماعي وتزايد معدلات البطالة والفقر التي وصلت في مناطق جنوب البلاد الى أكثر من 50%.

فرح وألم
“الآلام لم تكن محتملة ولم أكن قادرا على تحريك جسدي” تقول تبارك وهي تصف حالتها بعد الجماع في ليلة زفافها “كنت أطوي رجليَ بذراعيً وأضمها الى صدري، واتقلب يمينا ويسارا من شدة الالم… لم يسمع أحد صرخاتي الصامتة وسط صخب الأغاني واطلاقات الرصاص احتفالا بالعريس الذي خرج متباهيا ومحتفلا معهم”.
بعد ساعة من الرقص، عاد ياسر الى غرفته مجددا وتمدد الى جانب زوجته وهو يلقي عليها كلمات الاعجاب. لم يشعر بألمها. ظل يردد الأمر طبيعي لا تخجلي ستشعرين بالتحسن والمتعة. لم تكن تعرف ما يقوله. بعد دقائق جامعها مرة ثانية. تقول “لم اكن قادرة على الكلام، لكنه استمر”.
أجبرت تبارك في ليلة زواجها على ممارسة الجنس مع زوجها لثلاث مرات، ولم تكن تعلم ان ما يحصل معها انتهاك لطفولتها وحقوقها أو انه اغتصاب تقبله العادات ويقبل به القانون.
ترى الناشطة النسوية سهيلة الأعسم التي تعمل في رابطة المرأة العراقية، ان هذه الممارسة اللا انسانية يقوم بها الرجل بدافع اثبات نفسه وقوته ورجولته من خلال تقديم دليل الاثبات “المنديل الملطخ بالدم” وهي تأتي نتيجة مجتمع ذكوري يحب السيطرة ويربط الرجولة بممارسة الجنس في ليلة الزواج بغض النظر عن استعداد الفتاة وقوبلها او رفضها.
وتنبه الى ان هذه الممارسة “مؤذية نفسيا للفتاة، كما انها قد تكون مؤذية جسديا”.
تقول عضو منظمة حقوق المرأة العراقية رؤى احمد ان “معظم النساء اللواتي يتزوجن بسن مبكر يشعرن انهن مرغمات على تلك العلاقة مع الرجل”.
وتضيف هذا ما تقوله معظم النساء اللواتي قبلن التحدث مع الناشطات في المنظمة “كان ينتابهن شعور بانهم مرغمات على اشباع رغبات الزوج، فتتحول الممارسة الجنسية لتلك الفتيات الى عادة لا متعة فيها”.

شرف العائلة
ياسمين (22 عاما) فتاة أخرى واجهت الـ “الاغتصاب الزوجي” بعد ان زوجها أهلها وهي في 16 من عمرها، تقول “ما ان دخلنا غرفتنا حتى انقض عليَ، كنت ادفعه لكنه اصر على ذلك في تلك الساعة، وعندما لم يستطع بسبب امتناعي استخدم أصابعه مما سبب لي ألما شديدا”.
عانت ياسمين في أيام زواجها الأولى من آلام بسبب التبعات الجسدية لعلاقتها بزوجها الذي رفض أخذها الى طبيبة نسائية لمتابعة حالتها.
“ضربني كلما طلبت ذلك” تقول ياسمين وهي تشيح بوجهها بعيدا، وتضيف “لم يكن مهتما بي كل الذي اراده ان يبين رجولته لوالده وامه… ففي ليلة العرس وبحسب العادات اخراج الدم مهم جدا لتكون رجل كامل وتثبت شرف زوجتك وعائلتها”.
تؤكد رؤى أحمد ان بعض الشباب في ايام زواجهم الأولى يلجؤون وتحت ضغط سمعة العائلة الى استعمال العقاقير المقوية واللجوء الى اساليب جماع غير صحية لأجل اثبات الرجولة “ارتباط مفهوم الشرف وعفة الزوجة ورجولة الشاب بغشاء المرأة يدفعه أحيانا الى استعمال اساليب قد لا تكون صحية بل ومؤذية للفتيات”.

خطر يهدد المرأة
الممارسات الجنسية غير الصحية، بما فيه ممارسة الجنس بالقوة مع فتيات صغيرات قد تشكل تهديدا لحياتهن مع احتمال تمزق جدار المهبل، بحسب طبيبة الأطفال ملاذ الربيعي.
تستذكر الربيعي انها استقبلت في احد الايام بالمستشفى الذي كانت تعمل فيه طفلة عمرها 11 عاما وهي تعاني من نزيف حاد “تم اعطاء 11 قنينة دم لها لكنها لم تنجو. بعد دقائق من مفارقتها للحياة قال الاب لزوج ابنته المتوفية والذي يبلغ 37 عاما: ابشر بالعوض”.
وهذه الكلمات يرددها في بداية “فاتحة” الزوجة للزوج، ويقصد بها اعطاء فتاة أخرى للزوج.
تضيف الطبيبة “في بعض الحالات لا يوجد تناسق بين الاجهزة التناسلية للفتاة والرجل مما يجعل عملية الجماع أمرا مستحيلا، وبسبب ضغط الأعراف قد يجامعها بطريقة غير سليمة كما حصل مع ياسمين، وهذا الامر يؤدي الى آلام شديدة تستمر لاسبوع او اكثر، وقد يسبب لها ما يسمى طبيا جرح الجماع الأول والذي يتضاعف ليصل الى المثانة وفتحة الشرج وقد سبب التهابات مزمنة”.

 

ياسمين التي انتهى زواجها بعد أقل من عام، ترفض فكرة الزواج مجددا، لخوفها من أي علاقة جنسية على الرغم من مضي خمس سنوات على طلاقها. تقول: “آراهم جميعا مغتصبين ولا يهتمون بنا”.
ترجع الناشطة في منظمة حقوق المرأة العراقية رؤى احمد، ذلك الخوف الى ان الفتيات “لا يتقبلن التغيرات الجسدية التي تحصل معهن بعد قيام الأهل بتزويجهن مما يدخلهن في صراع مع انفسهم، يتحول هذا الصراع الى كره للعلاقات الجنسية وعدم الرغبة بتكرارها”.
وترى الطبيبة ملاذ الربيعي ان الفتاة “تشعر ان جسمها يتعرض للانتهاك وتبدأ بكره جسدها وهذا قد يحولها لانسانة انطوائية ترفض الاندماج بالمجتمع ومن الممكن ان تصل الفتاة الى حالة من الاكتئاب او الانتحار او يقمن بتعنيف أطفالهن وذلك وسيلة لتفريغ الغضب”.

ثلث المتزوجات قاصرات
وفق ارقام رسمية فان ثلاث نساء يتزوجن دون الثامنة عشر عاما من كل عشر زيجات تسجل في المحاكم العراقية. وتتوزع هذه الزيجات بين المناطق الحضرية والريفية بشكل متقارب، فنحو 27% من الزيجات التي تحصل في العراق هي لقاصرات.
وتحتل محافظة ميسان المرتبة الاولى للمتزوجات دون سن الرشد بنسبة 35%. وحلت محافظة نينوى وهي ثاني أكبر محافظة بعد العاصمة بغداد بالمركز السابع بين المحافظات التي سجلت اعلى نسب تزويج لقاصرات وبنسبة 27.1% بحسب دراسة اجرتها وزارة التخطيط العراقية.
نسب زواج الفتيات قبل سن البلوغ في العراق، تشهد تصاعدا مستمرا ففي احصائيات للأعوام 1997 و2004 كانت نسبة زواج الاطفال تقدر بنحو 15%. ارتفعت هذه النسبة الى 23% في عام 2007، بحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي للاسرة العراقية الذي اجرته وزارة التخطيط.
وحسب أرقام دائرة الاحصاء المركزي، فان فتاة واحدة تتزوج قبل ان تبلغ 15 عاما من كل عشر زيجات، وبشكل دقيق بلغت نسبة الزيجات لتلك الفئة 7.2%، حيث كانت النسبة المسجلة في المناطق الحضرية 7.4% بينما بلغت في المناطق الريفية 6.8%، في حين بلغت نسبة زواج القاصرات فوق سن الـ15 عاما 27.6% في المناطق الريفية وارتفعت في المناطق الحضرية الى 28%.
وتظهر تلك النسب حقيقة ان العوائل في المناطق الحضرية اصبحت مثل المناطق الريفية تزوج بناتها بعمر مبكر، وان العامل المؤثر هنا هو الأمن الاجتماعي اكثر من الوضع الاقتصادي، بحسب الباحث احمد علي.
ويتفق ناشطون ومهتمون بقضايا المرأة ان نسب زواج القاصرات مستمرة بالارتفاع بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية في العراق التي تدفع بالعوائل الى تزويج بناتهن مبكرا للتخلص من نفقات اعالتهن.

في نهاية تشرين الأول 2020 وفي سقف ثلاثة أيام فقط تناولت المواقع الاخبارية وصفحات السوشيال ميديا في اقليم كردستان قصة زواج رجلين في العقدين الرابع والخامس، من فتاتين الأولى تبلغ 13 عاما والثانية 14 عاما، رغم ان القانون لا يسمح بذلك.
تقول ابتسام عزيز، مديرة دائرة تمكين المراة في مجلس الوزراء ان “الزواج المبكر يستمر بالارتفاع نتيجة للنزوح والحرب والفقر، فتجبر العائلات على تزويج الفتيات بسن مبكر”.
وترى نائب رئيس رابطة المرأة العراقية سهيلة الأعسم، ان تلك الارقام “ليست دقيقة”، وتشدد “في الحقيقة ان الارقام اكبر بكثير فمعظم هذه الزيجات تقع خارج المحاكم عند الشيوخ وبالتالي لا يتم تثبيت الزواج الا بعد سنوات من الزواج او عند انجاب الاطفال وهذا يجعل جزء من حالات زواج القاصرات لا يدخل الاحصاءات الرسمية”.
وهو ما أكدته أيضا عضو منظمة حقوق المرأة العراقية رؤى احمد، مبينة ان “العادات بالعراق جرت على تزويج الذكور بفتيات يصغرنهم بكثير، ويتم تربية الفتاة بأن عليها تقديم الخدمات والعناية بالرجل، لهذا نجد العديد من الاشخاص يتزوجون بفتيات صغار، خاصة مع سيادة فكرة الرجل الذي يريد ان يربي الفتاة التي ستشاركه حياته”.
عدا سببي الفقر والنزوح، يضيف الباحث أحمد علي، سببا آخر لزواج القاصرات يتمثل في عدم وجود قوانين تحمي الفتيات من الزيجات المبكرة في المحاكم الشرعية، وفي ظل عدم وجود مراقبة تضمن حصول الفتيات على التعليم الكافي والتوعية التي تؤهلهن لاتخاذ أهم قرار في حياتهن.

انقطاع عن التعليم
في غرفة صغيرة تجلس تبارك والى جانبها عدة كتب، منشغلة باطعام طفلتها ذات الثلاثة اعوام باحدى يديها، وتمسك باليد الاخرى قلماً محاولة تدوين ما يذكره مدرس عبر منصة اليوتيوب، استعدادا لامتحانات الطلاب “الخارجية”.
اضطرت الفتاة الى ترك دراستها بعد الزواج فجميع الذين عرفتهم كانوا يطلبون منها ترك المدرسة والاهتمام بأمور المنزل والتنظيف.
بعد زواجها استمرت تبارك بالدوام بشكل متقطع حتى ضربها زوجها ذات يوم بشدة تاركاً أثراً على وجهها منعها من الذهاب الى المدرسة “يومها خجلت من منظري فانقطعت عن الدراسة”.
مثل تبارك اجبرت ياسمين على ترك التعليم بعد زواجها مباشرة، حيث رفضت عائلة زوجها اكمال دراستها.جرى كل شيء بشكل سريع، فتحولت من فتاة تتطلع للدراسة الى زوجة تطيع زوجها.
حدث ذلك في يوم صيفي حين زارت عمة ياسمين بيتهم، ساعتها كانت تلهو بلعبها حين نادتها أمها لتقديم الشاي “ما ان دخلت وقدمت الأقداح حتى قالت عمتي ماشاء الله عروسة.. لم أكن أعي معنى تلك الكلمات”.
في مساء ذات اليوم أخبرها والدها ان عمتها طلبت يدها لابنها محمد وإنهم وافقوا. لم تنطق الفتاة بكلمة واحدة، تقول: “لم نكن نستطيع ان نقول لا، كل ما يقوله الأب ينفذ دون نقاش”.

 

الأقل تعليما
ترتفع نسبة زيجات القاصرات لدى الفتيات الأقل تعليماً، فنحو سبع فتيات ممن يحملن الشهادة الابتدائية وما دونها يتزوجن لكل عشر زيجات. وتقدر نسبة مرحلة ما قبل الشهادة الابتدائية بـ34% وتليها مرحلة الابتدائية بنسبة 32% من المجموع الكلي لزيجات القاصرات، وهذا يعني ان اكثر من نصف هذه الزيجات تحصل للفتيات الاقل تعليما، وفق وزارة التخطيط.
وتتزوج نحو اربع فتيات وهن في مرحلة التعليم الثانوي لكل عشر زيجات لقاصرات، فنسبة الفتيات اللواتي يتزوجن وهن في الاعدادية تمثل الأقل وبلغت نحو 7% فيما نسبة اللواتي تزوجن وهن في مرحلة التعليم المتوسط فبلغت 29%.
وترجع عضو منظمة حقوق المرأة رؤى احمد، ارتفاع نسب الزواج بين الفتيات الاقل تعليما الى الثقافة السائدة التي ترى “المرأة عورة” ويجب ان تتوقف عن الدراسة ما ان تبلُغ.
تقول ان “العديد من العوائل تمنع بناتها من الخروج والاختلاط مع فتيات اخريات ما ان تظهر عليهن علامات التغيير الجسدي، ويعتبروهن قد بلغن واصبحن جاهزات للزواج”.
اضافة للعادات فالتعنيف داخل العائلة وعدم وجود من يسندها في مسيرتها التعليمية “تجبر الفتيات على الخضوع لخيار ترك المدرسة والزواج”.
وتُحمل أحمد الحكومة العراقية المسؤولية كونها لم تتابع حق التعليم للاطفال واجبار العوائل على اكمال تعليم بناتهم وعدم حرمانهن منه.
تبارك وياسمين اليوم تخوضان الامتحانات التي تمهد لدخول اختبارات البكلوريا. تقول ياسمين “كنت ارغب أن اكون طالبة جامعية، لم يكن ذلك ممكنا لو كنت متزوجة، ربما غدا استطيع ان احقق حلمي لا احد سيمنعني”.
بينما تحلم تبارك بان تنهي امتحاناتها قبل خروج زوجها من السجن، حيث حكم عليه لعدة سنوات بعد ادانته بحيازة مواد مخدرة، فاستعادته لحريته يعني خسارتها لحريتها ولأمل تمكنها من اتمام دراستها فهي ماتزال اسيرة الحياة الزوجية التي فرضت عليها.

 

تعنيف مستمر
“لم يمر اسبوع دون ان اضرب” تقول تبارك وهي تشير الى آثار كدمة قرب عينها، وتتابع “عرفت الضرب بعد يومين فقط من الزواج، وكان الجميع يشجعه على ذلك ويقول تستاهل. أنت رجل ومن حقك تأدييبها”.
في بادئ الأمر كان الضرب يؤذي تبارك جسديا ونفسيا، لكن بعد مدة تعودة عليه. تقول :”لم اكن اشعر بشيء عندما اضرب رغم ما كان يتركه من آثار على جسمي”.
خلال التحقيق الذي شمل الحديث مع عشر متزوجات قاصرات، جميعهن أكدن تعرضهن للعنف الجسدي عدة مرات واللفظي بشكل يومي ومتكرر.
لا تتوفر احصائيات حول العنف المنزلي بين النساء اللواتي تزوجن في سن مبكر، ولا عن حالات طلاق القاصرات سواء التي تصدق عقودها في المحاكم أو خارجها، وكل المنظمات التي جرى التواصل معها لا تملك ارقاماً.
لكن المسح العنقودي الخاص بوزارة التخطيط العراقية يكشف ان 34% من الفتيات اللواتي تتراوح اعمارهن بين 15 و17 عاما أرجعن ضرب الزوج لزوجته الى مبررات تتعلق بالخروج دون اذنه او حرقها للطعام، بينما ترتفع هذه النسبة لدى الفتيات من عمر 18 و19 عاما لتصل الى 35% ولذات الأسباب.
وترى عضو منظمة حقوق المرأة رؤى احمد ان حالات العنف بين المتزوجات القاصرات مرتفعة جدا وان العنف ضد النساء ظاهرة متوارثة اصلا، وعنف الزوج يأتي كوسيلة “لانهاء الخلافات” وتثبيت سيطرته على الفتاة وسط قبول مجتمعي لأنه يرى ان المرأة عليها التحمل.

ثلث المتزوجات مطلقات
ثلاث نساء يتطلقن من كل عشرة عقود قران تسجل في المحاكم العراقية، ويبلغ عدد النساء المطلقات نحو 65 الف اي نحو 26% من حالات الزواج المسجلة وفق احصائية مجلس القضاء الأعلى لعام 2019، حيث سجل نحو 250 الف عقد زواج.
ويرجح ناشطون ان حالات الطلاق اكبر من تلك الارقام بكثير لأن العديد من حالات الزواج والطلاق تتم خارج المحاكم. ومع حقيقة ان ثلث المتزوجات قاصرات فذلك ربما يعني ان ثلث عقود زواج القاصرات تنتهي الى حالات طلاق.
وفي انفوجرافيك نشره موقع مجلس القضاء الأعلى عن احصائيات الزواج، يلاحظ أن أحد اسباب الطلاق الرئيسية هو زواج الفتيات بسن مبكر “فهن لم ينضجن لتحمل مسؤليات الزواج ومشاقه” وفق الناشطة سهيلة الاعسم .
بين الفتيات العشر اللواتي تم الحديث معهن، حصلت ثمانية منهن على الطلاق في المحاكم، في حين ان اثنتين منهن يعشن مع ذويهن بعد سجن أزواجهن بتهم مختلفة.

 

 

الفقر المضاعف
في بيت سقفه من صفائح الحديد، تسكن اسيل (16 عاما) والتي تزوجت قبل عامين بسبب فقر عائلتها. تقول “تزوجت من أول عريس تقدم لي، لأني اردت الخلاص من الفقر الذي نعيشه”.
لكن حلم اسيل بالخلاص من معاناة الفقر وتخفيف الحمل عن والدتها عقب وفاة والدها في عمليات القصف خلال الحرب مع تنظيم داعش عام 2017، تحول الى كابوس.
“كنت المعيلة الوحيدة لخمس بنات بلا أي مصدر رزق”، تقول أم اسيل “أردت لها الراحة والاستقرار وانقاذها من معيشتنا الصعبة، واخفف عن نفسي قليلا، لكني اليوم أشعر بمرارة الندم لأني فرطت بها لزوج سيء آذاها”.
اسيل وخلال فترة زواجها تعرضت الى التعنيف المستمر من زوجها الذي كان يفرغ غضبه وفشله في عمله عليها. هي تعاني اليوم من التهاب في اجزاء من اعضائها التنسالية بسبب العنف الذي واجهته “كان دوما يقول لي الى أين ستذهبين؟ انت لا تملكين حتى عائلة تأوييك، ولا تستطيعين الطلاق”.

لم يمض على زواج اسيل سوى سنة واحدة، حين بدأت خوض معركة الطلاق من زوجها:”كنت آمل الطلاق منه سريعا، لكني لم انجح فعائلتي لم تكن تملك اجور المحامي”. وبحسب اسيل فان منظمة محلية تكفلت بتوفير تلك الأجور لاكمال معاملة الطلاق.
ست فتيات من اللواتي يتزوجن في سن مبكرة من كل عشر فتيات، تصنف عوائلهم ضمن العوائل الفقيرة والأشد فقرا، حيث بلغت النسبتين بالتساوي نحو 30% لكل منهما. في حين هناك ثلاث نساء قاصرات يتزوجن من الأسر التي يصنف دخلها على انه متوسط، حيث بلغت النسبة حوالي 25%، بحسب دراسة اجرتها وزارة التخطيط العراقية .

وفي ظل الأزمة الاقتصادية تفاقمت حالات الفقر لتتجاوز 34% بحسب عبدالزهرة الهنداوي المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية. وهو ما سيزيد من نسبة زواج القاصرات ومعها معاناة تلك الشريحة من المتزوجات.
اسيل ستواصل معركتها القضائية بعد ان تلد، فزوجها اتهمها بأن الطفل ليس ابنه، والقاضي اجل الحكم الى ما بعد الولادة.هي تحلم ان تحصل على الطلاق بعد الولادة مباشرة.
فيما تكافح تبارك لاكمال دراستها واقناع والديها بالموافقة على طلاقها والذهاب معها الى المحكمة، رغم مخاوف تفاقم المشاكل داخل عائلتها، وقررت المضي في ذلك الخيار وابقاء ابنتها في حضنها.

انجز التقرير بتمويل وتحت اشراف منظمة أنترنيوز، وبدعم فني من “نيريج”

المزيد عن تقارير سردیة

Reports

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18298}" data-page="1" data-max-pages="1">