تحقيقات استقصائية: معتصمو “التحرير” يستعدون لخوض “معارك التغيير” في شتاء ملتهب

معتصمو “التحرير” يستعدون لخوض “معارك التغيير” في شتاء ملتهب

فريق نينوى الاستقصائي

20 كانون الاول 2019

يقول أحمد وهو يشد الحبل بقوة ويعدل النايلون ليغطي أجزاء الخيمة المنتصبة قرب نصب الحرية: “نحن نستعد لشتاء قاس واعتصام طويل قد يمتد لأشهر لتحقيق التغيير. هنا يعيش 20 شخصاً يبحثون عن وطن… لا شيء آخر يجمعهم في هذه الخيمة غير تحقيق ذلك الهدف”.

يرمي أحمد الذي يقف على طرف خيمة اعتصام في ساحة التحرير وسط بغداد، حجراً مربوطاً بحبل إلى زميله عباس، الذي يلتقطه في الجانب الآخر من الخيمة ويبدأ سحبه ليرتفع تدريجاً نايلون أزرق اللون ويغطي سقف خيمتهما وجوانبها، لحمايتها من الأمطار والسيول المحتملة.

يقول أحمد (42 سنة) وهو يشد الحبل بقوة ويعدل النايلون ليغطي أجزاء الخيمة المنتصبة قرب نصب الحرية: “نحن نستعد لشتاء قاس واعتصام طويل قد يمتد لأشهر لتحقيق التغيير. هنا يعيش 20 شخصاً يبحثون عن وطن… لا شيء آخر يجمعهم في هذه الخيمة غير تحقيق ذلك الهدف”.

ويضيف عامل البناء الآتي من مدينة الصدر التي يشارك الآلاف من أبنائها في الاحتجاجات: “أمامنا طريق طويل، وهم (قادة السلطة) يراهنون على الوقت وعلى إرهاقنا، لكننا مصرون… لن يوقفنا مطر الشتاء وبرده… صمدنا أمام زخات الرصاص وقنابل المسيل لشهرين كاملين وسنصمد أشهراً أمام المطر”.

على مسافة قريبة ينهمك علي (24 سنة، من الناصرية)، مع عدد من زملائه في نقل مخيمهم المكون من نحو 30 خيمة مختلفة معظمها صغير الحجم، إلى مكان جديد قرب جدار نفق التحرير.

يقول: “الأمطار بدأت تهطل والبرد يشتد، علينا أن نختار المكان الأفضل ليقينا من البرد والسيول ويؤمن بقاءنا، منذ الصباح نرفع خيماً عن الأرض باستخدام قوالب الخشب (السكيبات)، أمامنا جولات معارك جديدة وأيام صعبة”.

المعتصمون في ساحة التحرير وحديقة الأمة والمطعم التركي وجسر السنك، التي تشكل معاقل أساسية لهم، هم مزيج من شباب في مقتبل العمر وآخرين تجاوزوا السبعين، أتوا من بيئات ومدن مختلفة ويحملون أفكاراً وتوجهات ثقافية وسياسية متباينة، لكن تجمعهم أهداف محددة يختصرونها بـ”بإنهاء الفساد وتغيير الطبقة الحاكمة منذ 2003″.

“صمدنا أمام زخات الرصاص وقنابل المسيل لشهرين كاملين وسنصمد أشهراً أمام المطر”.

هؤلاء بدأوا تكثيف تحضيراتهم للشتاء بطرائق بدائية ووسائل بسيطة، ليديموا احتجاجاتهم التي تجاوزت أسبوعها العاشر، على رغم استخدام الرصاص الحي والغازات المسيلة القاتلة وتوالي عمليات الخطف وأخيراً الاغتيالات بالأسلحة الكاتمة، ما أوقع أكثر من 470 قتيلاً وحوالى 22 ألف جريح بينهم 3900 معاق، بحسب إحصاءات المفوضية العليا لحقوق الإنسان.

1400 خيمة و5 آلاف معتصم

على مدى البصر في ساحة التحرير وجوارها تتوزع الخيم بأحجامها وأشكالها المختلفة، منها ما خصص كمفارز طبية لمعالجة المرضى والمصابين في التظاهرات، فيما حولت أخرى إلى مواقع لتجمع المعتصمين ومبيتهم. لكل خيمة أو بضع خيم قائد ومجموعة من المسؤولين يديرون الأمور اللوجستية لاستمرارية الحياة في الساحة وإدامة الاعتصامات والتظاهرات.

يقدر أحد المسؤولين عن الدعم اللوجستي، عدد الخيم في ساحة التحرير وما حولها بنحو 1400 خيمة بين صغيرة وكبيرة، بينها أكثر من 95 خيمة كبيرة منتصبة من بداية شارع السعدون الى نفق التحرير، وأكثر من 400 خيمة بين صغيرة وكبيرة تحيط بحديقة الأمة، فيما تتوزع الخيم الأخرى على التجمعات في المناطق المحيطة بالساحة وشارعي الجمهورية والرشيد الى جسر السنك، فضلاً عن الخيام التي نصبت على الجرف المحصور بين جسري الجمهورية والسنك وخيام شارع أبو نؤاس وهي إحدى نقاط المواجهات الساخنة بين المعتصمين ورجال الأمن.

“لا أحد يعرف عدد المعتصمين بدقة”، يقول أحد المسؤولين عن الأمن في ساحة التحرير: “هناك خيم تضم معتصمين اثنين وأخرى تضم 20 شخصاً وأكثر، لكن أعتقد ان عدد المعتصمين يقارب 5 آلاف شخص تركوا كل شيء خلفهم وقرروا مواجهة سلطة فاسدة وتغييرها”.

المعتصمون بغالبيتهم شبان أتوا من محافظات جنوبية ومن مناطق بغداد المختلفة، لم يسبق لهم أن التقوا قبل ساحات التظاهر التي جمعتهم مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. البعض يتولى التنظيف وآخرون استقبال الضيوف والتعليق والتصريح بمواقفهم ومطالبهم، فيما آخرون مسؤولون عن الطبخ وتوزيع الطعام.

يقول حسن كريم (24 سنة) الذي كان منشغلاً بترتيب طاولة طويلة عليها قدور كبيرة وأدوات مطبخية، قبل أن يندفع سريعاً لتغطية أكياس من الرز والسكر والمواد الغذائية بقطعة نايلون سميك لمنع تلفها، حين بدأت قطرات من المطر تضرب الطاولة: “هناك من يتبرع بالمواد التموينية وعلينا أن نحافظ عليها، لا نعرف ربما تنتظرنا أيام ينقطع فيها التموين”.

هؤلاء بدأوا تكثيف تحضيراتهم للشتاء بطرائق بدائية ووسائل بسيطة، ليديموا احتجاجاتهم التي تجاوزت أسبوعها العاشر، على رغم استخدام الرصاص الحي والغازات المسيلة القاتلة.

ويضيف: “لم أعمل في حياتي، تخرجت من الكلية وبقيت بلا عمل، الآن أصبحت طباخاً… لم أفعل ذلك يوماً في بيتي، لكن الاعتصامات وساحة التحرير علمتني أن أطبخ، واليوم ينتظر عشرات المحتجين الطعام من يدي”.

يقول جبار، وهو معتصم في الثلاثينات من عمره، بينما كان يتحقق من الأطراف السفلى لخيمته التي أكمل تغطيتها بالنايلون “ليلة 27  تشرين الثاني/ نوفمبر عندما بدأت السماء تمطر، كنا أربعة أصدقاء نتناوب لنمنع مياه الأمطار من دخول الخيمة التي لم تكن محمية ولا مهيأة لاحتمال تجمع المياه، بينما كان أصدقاؤنا نائمين”.

ويضيف: “اليوم سننام ونحن مطمئنون فالأمطار لن تدخل خيمتنا التي رفعناها على القواعد الخشبية وغلفناها بالنايلون”.

معظم الخيم تم تجهيزها بعدد كبير من البطانيات والملابس الشتوية التي تم جمعها من تبرعات أتت من أنحاء العراق كافة، يقول جبار: “استلمنا 1800 بطانية من النجف، وأحد المحامين قدم 500 بطانية وفرشة في يوم واحد عندما تمكن الشباب من السيطرة على كراج السنك… متبرعون آخرون قدموا ملابس شتوية وبعض الاحتياجات الأساسية، حتى أصبحت خيمنا أشبه بخيم اللاجئين”.

الكثير من المتبرعين هم عوائل وأقارب وجيران، شبان سقطوا في الاحتجاجات “هؤلاء يحرصون على دعم التظاهرات بكل ما يملكونه كواجب إنساني ووطني ولكي لا تضيع تضحيات أبنائهم هدراً”، كما يقول جبار. ويضيف: “أصحاب المواكب أيضاً يتبرعون، البعض يعتبر وجود خيمة له في إحدى الساحات أمراً يدعو إلى فخر”.

الخيم التي نصبت بداية الاحتجاجات بشكل عشوائي ومن دون تنسيق بهدف الوقاية من أشعة الشمس، لم تكن سوى قطع من القماش حملت على أعمدة لا يمكنها مقاومة مطر أو رياح، واليوم رصت بشكل متوازي ومنسق وأصبحت مهيأة لمواجهة ظروف جوية صعبة.

مخيمات حديقة الأمة

ما أن تتجاوز نصب الحرية والخيم المنصوبة تحته، وتتقدم باتجاه حديقة الأمة عابرا نقطة تفتيش للمعتصمين يدقق القائمون عليها بكل ما يحمله القادمون، حتى تفاجأ بالخيم المتراصة على شكل تجمعات، معظمها يستخدم لمبيت المعتصمين.

عشرات الشبان كانوا منشغلين بتجهيزها في ما يشبه ورشة العمل استعداداً للشتاء، منهم من كان يحفر مجاري حول الخيم لمنع دخول مياه الأمطار إليها، ومنهم من كان منهمكاً بتغليف الخيم بالنايلون ودعمها بمزيد من الأعمدة والحبال لمنع تكرر حالات سقوطها التي حصلت مع موجة المطر الأولى، بخاصة أن أغلبها من خيم السفاري المصنوعة من القماش الخفيف الذي لا يقاوم المطر.

يقدر أحد المسؤولين عن الدعم اللوجستي، عدد الخيم في ساحة التحرير وما حولها بنحو 1400 خيمة بين صغيرة وكبيرة.

يقول حيدر (20 سنة): “أنا هنا منذ بداية الاحتجاجات حين كانت الخيم قد نصبت لتقينا من أشعة الشمس، اليوم يشغلنا التفكير في كيفية تأهيلها لتقاوم شتاءً قاسياً… لا نعرف ماذا يُخبّئ لنا الطقس ولا ما يُخبئه السياسيون وقادة الميليشيات”.

يقاطعه وحيد، الذي يقطن معه في الخيمة ذاتها، قائلاً: “سنتجاوز هذه المرحلة ونستمر مثلما صمدنا بوجه القناصين والدخانيات”.

تبدو مواجهة الشتاء بالنسبة إلى الكثير من متظاهري بغداد أمراً سهلاً، فبإمكانهم التوجه إلى بيوتهم ليلاً والمبيت فيها والعودة في الصباح لساحات التظاهر وخيم الاعتصام، لكن بالنسبة إلى المصرين على عدم ترك ساحات الاعتصام ولو لساعة كما للقادمين من محافظات الجنوب، فالأمر مختلف.

بدا مصطفى (17 سنة، من الناصرية)، والذي يحب أن يعرف عن نفسه باسم “زيوزس” غير مكترث بأي تدهور في الطقس، قال: “اتخذنا ما نستطيع من احتياطات، وإذا ساءت الأمور أيام المطر الشديد ربما نلجأ لأصحاب المحال والدور القريبة… لا أعتقد أنهم سيرفضون استقبالنا فالكل يريد وطناً”.

وتحولت الاحتجاجات الشعبية في بغداد عقب انطلاقتها في 1 تشرين الأول، من مجرد مظاهرات مطالبة بتحسين العيش واصلاحات لمواجهة الفساد الى “انتفاصة لتغيير الطبقة السياسية وطبيعة النظام الذي يقود البلاد” ومع استخدام الرصاص الحي ضد المحتجين واللجوء الى عمليات قنصهم وخطفهم واستخدام غاز مسيل للدموع أوقع عشرات القتل، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات واتسعت رقعتها مع انضمام عشرات الآلاف لها، بينهم شبان من محافظات جنوب البلاد ذات الغالبية الشيعية.

جسر الجمهورية وجبل أًحد

على ساتر الصد الأول من على جسر الجمهورية، مع دقائق الفجر الأولى الباردة، تلمع عيون شبان في مقتبل العمر تكوروا تحت بطانيات خفيفة وهم يرصدون تحركات قوات مكافحة الشغب على الجهة الثانية من الجسر، الذي شهد في أيام الاحتجاجات الأولى اشتباكات دامية أوقعت عشرات القتلى.

على بعد بضعة أمتار وسط الجسر، يتجمع “المرابطون” حول نار أوقدت في نصف برميل، وعلى جانبي الجسر تمتد خيمهم الصغيرة التي تم تغطيتها بالنايلون.

يقول حسين، وهو عشريني يرابط على جسر الجمهورية منذ أيام “لقد جهزنا ما نحتاجه للمرابطة هنا من بطانيات وبدلات مطرية ونايلون لتغليف الخيم، هذا كل ما نحتاجه لإدامة المرابطة، وهي مسؤولية كبيرة لأن أمن رفاقنا في التحرير وسلامتهم يعتمدان على ما نقوم به هنا من مناوبة”.

ويضيف بعد فترة صمت، كاد يغالبه النعاس خلالها وهو يطالع الظلام على أطراف النهر: “كلنا نريد أن ينتهي هذا ونعود إلى بيوتنا… البعض منا كان يأمل بنهاية قريبة وعبور الجسر الى الضفة الأخرى.. لكن قالوا إن الوقت لم يحن بعد… نتمنى ألا يطول”.

فجأة يعدل جلسته، وينظر ناحية زملائه الملتحفين ببطانياتهم، ويستدرك: “على رغم كل شيء نحن مستعدون لمقاومة طويلة… ولن نعود من دون وطن. إن لم يكن من أجل شيء، فمن أجل دماء رفاقنا التي سالت”.

في بداية الجسر حيث تنتصب “بناية المطعم التركي” بطبقاتها المتعددة، والتي يطلق عليها المتظاهرون اليوم تسمية “جبل أحد”، قام المتظاهرون في الطبقة السادسة بتقطيع المكان بقطع قماش على شكل مربعات صغيرة يتجمع فيها الشباب للاستراحة والهرب من البرد، يقول تاج الدين مسؤول الطبقة: “أحضرنا بطانيات وملابس كثيرة… سنبقى مرابطين هنا حتى تحقيق مطالبنا”.

هذه هي الحال في الطبقات الأخرى للمبنى المؤلف من 18 طبقة، والذي يمثل مركز اعتصام اساسي وبرج مراقبة بفضل موقعه الاستراتيجي، إذ يطل على ساحة التحرير من جهة ومن الجهة الأخرى على جسر الجمهورية الذي يربط الساحة بالمنطقة الخضراء حيث مركز القرار وبيوت كبار المسؤولين في الدولة.

دماء جسر السنك

على جسر السنك المعقل الآخر للاحتجاجات الشعبية في بغداد، والذي شهد في 7 كانون الأول/ ديسمبر مقتل أكثر من 20 شخصاً، إثر هجوم قام به مسلحون ملثمون يستقلون سيارات بيك آب ضد المحتجين، يقف شاب فوق حاجز كونكريتي يفصل المتظاهرين عن قوات مكافحة الشغب وهو يلوح بيده المربوطة بشاش طبي ويهتف: “هذا الشعب وهذا الشغب”، ويرد رفاقه المتجمهرين على الجسر وراءه “هذا الشعب وهذا الشغب” غير مكترثين للبرد الذي يحمله لهم دجلة.

يقول جاسم الفتلاوي، المسؤول عن الدعم اللوجستي في جسر السنك: “حصلنا على 40 بدلة مطرية للشباب المرابطين، ولكنها غير كافية. الأحداث التي وقعت على الجسر ومحاولات قوات الشغب المتكررة للسيطرة عليه تظهر مدى أهمية هذا المكان، لذلك نعمل بجهد للحفاظ عليه من خلال زيادة أعداد المرابطين”.

المعتصمون بغالبيتهم شبان أتوا من محافظات جنوبية ومن مناطق بغداد المختلفة، لم يسبق لهم أن التقوا قبل ساحات التظاهر التي جمعتهم مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

الخيم على الجسر الذي بات أحد أكثر نقاط المواجهة سخونة بين المتظاهرين وقوات الأمن، تختلف عن تلك الموجودة في ساحة التحرير وجسر الجمهورية، فأغلبها يدوي الصنع، ومعظمها مجرد أغطية معلقة بأعمدة خشبية مثبتة بكتل الكونكريت.

يضيف الفتلاوي: “لا أتوقع أنها ستصمد طويلاً مع المطر والرياح”. ويتابع: “المساعدات التي تأتي من الناس بمعظمها ملابس شتوية وبطانيات أما الخيم فقليلة جداً… الشباب هنا يتناوبون النوم فيها”. وبعد لحظات من الصمت قال “نحن سلميون ونوصل رسالة الحسين (ع)”.

على حافة الجسر يقع كراج السنك الذي سيطر عليه المحتجون أيضاً واتخذوه نقطة لمراقبة قوات مكافحة الشغب وإبلاغ زملائهم عند أي تقدم لهم باتجاه مواقع تجمع المعتصمين.

في كل طبقة من الكراج توجد مجموعات من المعتصمين من أهالي بغداد أو الآتين من خارجها. يتجمعون على شكل حلقات ملتحفين بالبطانيات، ينشغلون بالنقاش والاستماع للأخبار وتبادل المعلومات عن ما يحصل، ومنهم من يغني أو يلعب مع رفاقه.

يقول حسين (27 سنة) وهو موظف في شركة حكومية من محافظة ميسان الجنوبية: “الكراج مفتوح من جوانبه الأربعة وهذا ما يجعله ممراً هوائياً بارداً، وحتى الأمطار قد تدخل إليه.. الأوضاع صعبة لكننا سنتحمل كل الظروف”.

واستدرك حسين، الذي ترك زوجته بعد أقل من شهر على زواجه والتحق برفاقه في المطعم التركي عقب اصابة أحد أصدقائه في احتجاجات 25 تشرين: “سنعمل حتى يستمر حراكنا… لا خيار لدينا: تحقيق المطالب أو تحقيق المطالب”.

رهانان في معركة مفتوحة

بين جسري السنك والتحرير وفي المساحة الممتدة إلى التحرير وساحات التظاهر الأخرى القريبة، يراهن آلاف المعتصمين على قوة صبرهم واستعدادهم لتقديم تضحيات أكبر، لكسب جولات معارك جديدة في طريق تحقيق هدف عريض تجمعون حوله هو تغيير الطبقة الحاكمة وتفكيك نظام حكمها، فيما يراهن قادة الأحزاب الحاكمة وخلفهم ميليشيات يجمعها هدف البقاء في السلطة والتفرد بمغانمها، على ملل المحتجين وبروز الانقسامات بينهم، وزرع المندسين الذين يثيرون أحداث تخريبية تشوه الحراك وأيضاً على استمرار عمليات الخطف والقتل “مجهولة الفاعل” وعلى عامل الزمن مع حلول الشتاء، لإنهاء الاحتجاجات.

يقول يحيى وهو أحد المحتجين الشباب المعتصمين في التحرير، بعد جولة تفقدية قام بها في منطقة السنك، إن “معركتنا ستكون طويلة، علينا أن نستعد ربما لعام كامل من الاحتجاجات… ليس الاعتصام فقط بل تصعيد فعل الاحتجاج بأشكال مختلفة بين فترة وأخرى”.

ويضيف، بينما كان يحاول زميله عبدالله، الذي تعرف إليه في إحدى جولات الاحتجاج الساخنة في ساحة الخلاني، سحبه إلى داخل خيمتهما التي بدت مستعدة لمواجهة شتاء طويل: “أن نعتصم في الخيم فقط، هذا أمر لا يثير قلق من في السلطة، علينا أن نتحرك بين فترة وأخرى لتوجيه رسائل احتجاج قوية لهم… إذا توقفنا عن بث الرعب في نفوسهم فسيتوقفون أيضاً عن تقديم أي تنازلات وسيعودون إلى توزيع المغانم على بعضهم”.

كلمات يحيى قطعتها شعارات بعض الفتية الذين كانوا يهمون بالصعود الى عربتي تكتك وهم يهتفون “أيام ونكون بالخضراء”. حينها تدخل عبدالله، وهو يرمي بسيجارة لم يكمل تدخينها وأخذ يسحقها بكلتا قدميه، قائلاً “قد تضيع ثورتنا وتذهب كل الدماء هدراً، هناك مرحلة انتقالية طويلة يريدون أن يحولوها إلى مرحلة لإعادة تأسيس نظامهم، ونحن نريد أن نسقط كل ذلك النظام”.

إن “معركتنا ستكون طويلة، علينا أن نستعد ربما لعام كامل من الاحتجاجات… ليس الاعتصام فقط بل تصعيد فعل الاحتجاج بأشكال مختلفة بين فترة وأخرى”.

يضيف عبدالله، الذي فقد ابن عمه في موجة الاحتجاجات الأولى التي جوبهت بالرصاص الحي، بينما كان ينظر في عيني يحيى: “بعد كل التضحيات والدماء التي سالت، يريدون الآن أن يغيروا سائق القطار فقط، ونحن نريد أن نغير السائق وعربة القيادة وحتى السكة…ليس سهلاً أن نفعل ذلك”.

ساد الصمت للحظات، وبدا أن موجة برد اجتاحت المكان، أخذ يحيى يغلق أزرار معطفه، قبل أن يشبك ذارعيه ويقول “نعم… هذا نظام قوي يملك السلطة والمال والسلاح، وأحد جوانب قوته يكمن في تعدد رؤوسه من خلال سرطان التحاصص الذي خلقه… طبعاً ليس سهلاً أن تتخلص من السرطان”.

أنجز التقرير بدعم من شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية وتحت اشراف دلوفان برواري، ونشر على موقع درج.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17766}" data-page="1" data-max-pages="1">