تنتشر المكتبات حول مباني الكليات التابعة لجامعة دمشق، وهي توفر بحوثاً للطلاب وحتى للأساتذة مقابل مبالغ مالية، في سوق علنية رائجة تتسع منذ سنوات. أما التسيب في الجامعة فله عناوين أخرى اضافية منها الرشى للاساتذة والابتزاز الجنسي للطلاب.
حسانة سقباني/ صحافية سورية
تقف هدى (25 عاماً) وقد ارتسمت على وجهها علامات اليأس، في البهو الجامعي لكليّة التربية. بوجه شاحب وأنفاس متقطعة تمسكُ رزمةً من الأوراق. أربع مرات متتالية قدمت مخطط رسالة الماجستير لاستاذها المشرف فقابلها جميعها بالرفض. “لا سبب مقنع، إنما هو تعطيل متعمّد.. غيري من الطلاب تُقْبل موضوعاتهم وهي لا ترقى لأن تكون أبحاثاً”، تقول لزميلها الذي بادرها بالقول: “الحلّ عند المكتبات”. لم تستوعب هدى مغزى كلام زميلها، قبل أن يكشف قيامه بشراء رسالته للماجستير من إحدى المكتبات التي تنتشر حول مباني الكليّات التابعة لجامعة دمشق، والتي توفر بحوثاً للطلاب وحتى الأساتذة مقابل مبالغ مالية، في سوق علنية رائجة تتسع منذ سنوات.
زميل هدى برر لجوئه لشراء بحثه الدراسي بتلقيه أمر سوقٍ للخدمة العسكرية مما ألزمه بسرعة التسليم، ثم أسدى إليها نصيحةَ تمثلت بالاتصال بـ “عماد. م” الذي يؤمن أشخاصاً مختصين بكتابة الأبحاث ولديه في الوقت ذاته صلات بالمشرفين على البحوث. لن يستغرق الأمر بحسب قوله أكثر من بضعة أشهر ودون أية مشاكل. “عماد.م” شاب في الثلاثينيات من العمر، معروف لدى طلاب كلية التربية في جامعة دمشق. اعتاد التردّد على مقهى الكلية لتأمين “الزبائن” من طلاب دراسات الماجستير. عملٌ يقوم به منذ سنوات دون تحفظاتِ أو أدنى سريّة.
يشرح عماد في لقائنا معه طبيعة مهمته: “أنا صلة وصل بين المكتبة والطالب الراغب بشراء بحث علمي، سواء كان بحث ماجستير أو دكتوراه.. أتقاضى نسبة 30في المئة من قيمة المبلغ المتفق عليه لإتمام الرسالة”. لم يتردّد الشاب في الاتصال بصاحب مكتبة لتحديد موعد لنا لبحث التفاصيل، مُلحقاً ذلك بعبارة “جماعة من طرفي”.
في الساعة الثانيّة ظهراً، في منطقة البرامكة وسط العاصمة دمشق، في وقت الازدحام الخانق، كان الموعد الذي حصلنا عليه. هناك ترتصّ مباني الجامعة بمختلف اختصاصاتها على طول الشارع، كما المكتبات الطالبيّة التي تبيع القرطاسيّة والمحاضرات الجامعية، لكنها ايضاً تعمل في تجارة كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه للطلاب.
“الأمر يختلف لدينا”
في شارع فرعي في قبو أحد الأبنية، لا شيء يشير إلى وجود مكتبة ولا حتى لافتة، لكنها المكتبة الأشهر لدى طلاب كليّة التربية القاصدين شراء مشاريع التخرج وبحوث الماجستير والدكتوراه. وحده العنوان الذي حصلنا عليه عبر الهاتف كان مرشدنا، لنجد أنفسنا في حجرة مستطيلة عالية السقف كمخزن. المكتبة ذاتها قُسمت لثلاثة أقسام هي مكاتب أصغر، لا يكاد الزائر يستطيع الوقوف فيها. رائحة الغبار المتسلل بين الكتب والملفات المكدّسة فوق الأرفف والطاولات تملأ المكان. “م.س” رجل تجاوز الستين عاماً يرتدي نظارة سميكة، استقبلنا بابتسامة ترحيبية ونظرة فاحصة، قبل ان يرنّ هاتفه ليجيب بصوت خافت: “التعديلات جاهزة بس جيب الدفعة الأخيرة”. يغلق الهاتف ليسألنا عن حاجتنا.
بصفة طالبة ماجستير في كلية التربية، كان سؤالنا عن إمكانيّة إنجاز بحث يحظى بقبول الدكتور المشرف. أجاب: “لدينا أخصائي في كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه لجميع أقسام كليّة التربية”، مشيراً بيده إلى الملفات فوق الأرفف الخشبيّة التي ملأت الحائط: “كل هذه الرسائل نحن قمنا بإنجازها”. يضيف شارحاً العروض التقديميّة المرافقة لإنجاز البحث: “المكتبة مختصة بأبحاث كلية التربية، وهي تلتزم بضمان أن يكون الموضوع جديداً تماماً وليس كما يقوم البعض ممن يعمل في هذه المهنة، قصّ ولصق من الإنترنت مع بعض التغييرات البسيطة”. يعود ويؤكد: “الأمر يختلف لدينا”. وفقاً لتوضيحات (م.س) فإن تكلفة البحث تتوقف على طبيعته ومدى صعوبته وعلى الوقت المستغرق في إنجازه.
ألديك وقت للقراءة؟
في ساعة متأخرة من مساء اليوم التالي كان موعدنا مع الشخص الذي سيكتب البحث. رجلً نحيل الجسد متوسط القامة، التجاعيد التي ظهرت على جبينه توحي بأنه تجاوز الأربعين من عمره. بدا عليه الحذر ، محاولاً التأكيد على سريّة الأمر والاستفسار بشكل أدقّ عن تفاصيل ما نريده. تناول القلم وراح يرسم خطوطاً على الغلاف الذي أمامه ويشرح بإسهاب خطوات العمل: “ليس عليك سوى تحضير العنوان. وبعد الموافقة عليه من قبل المشرف، أقوم بتجهيز “السيمنار” (المخطط الأولي للبحث)، وعند الموافقة عليه يصبح الموضوع تقنيّاً، أعطيك الفصل الأول ثم الثاني وهكذا…، وإذا طلب الدكتور المشرف تعديلات تعودين للمكتبة لإجراء التعديلات”. وعند سؤالنا هل سيتمّ اكتشاف الأمر من قبل الدكتور المشرف، أجاب: “سأشرح لكِ خطوات العمل وتتابعين مع الدكتور المشرف، وقبل المناقشة لدينا جلسة للشرح كي لا تُحرَجي أمام الأساتذة. يجب أن يكون لديك وقت للقراءة فقط”. ثمّ أكمل بنبرة مازحة وابتسامةٍ سائلاً: “أليس لديكِ وقت للقراءة؟”.
وأضاف: “تكلفة هذا البحث التقريبية هي 150 ألف ليرة (حوالي 300 دولار أمريكي)، نصف المبلغ في البدايّة والنصف الثاني عند التسليم، وسنحتاج إلى ثلاثة أشهر للانجاز”.
بعد زيارة أكثر من عشر مكتبات في حي البرامكة حيث معظم الكليات، أجاب صاحب مكتبة واحدة فقط من بينها: “نحن لا نقوم بإجراء رسائل ماجستير، فهذا الأمر ممنوع قانوناً”. عدا عن ذلك، فإن جميع المكتبات التي زرناها تعاملت مع الأمر كأنه اعتيادي، وكلها لديها شخص مختص.
تتركز معظم الكليات التابعة لجامعة دمشق والتي يبلغ عددها 18 كليّة في تجمّع منطقة البرامكة، الذي يضمّ مبنى رئاسة الجامعة وأبنية الإدارة المركزيّة وبعض الكليّات والمعاهد. يقابل مبنى رئاسة الجامعة كل من كليّة الحقوق وكليّة الشريعة. وعلى امتداد الطريق الواصل بين وكالة الأنباء السوريّة “سانا” وساحة “عبد الرحمن الداخل” المعروفة بـ”ساحة الجمارك”، تنتشر كل من كليّة التربية، كليّة الفنون الجميلة، كليّة الاقتصاد، كليّة العلوم، كليّة السياحة، كليّة الهندسة المدنيّة، كليّة الهندسة المعماريّة. وفي منطقة المزّة تقوم كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، كليّة الطب البشريّ، كليّة طب الأسنان، كليّة الصيدلية، كليّة الإعلام. وتتوزع باقي الكليات في طريق مطار دمشق الدولي، كليّة الهندسة الميكانيكيّة والكهربائيّة وكليّة الهندسة المعلوماتية، والعلوم السياسيّة في منطقة التل.
كان من اللافت بعد زيارة أكثر من عشر مكتبات في البرامكة أن يجيب صاحب مكتبة واحدة فقط من بينها: “نحن لا نقوم بإجراء رسائل ماجستير. فهذا الأمر ممنوع قانوناً”. عدا عن ذلك، فإن جميع المكتبات التي زرناها تعاملت مع الأمر كأنه أمر اعتيادي، وكلها لديها شخص مختصّ في ذلك الأمر.
يتحايل أصحاب المكتبات على القانون بطرق عديدة لبيع الأبحاث العلميّة، وهم يعلقون لافتات ترويجية مكتوب عليها: “طباعة الرسائل العلميّة، تنضيد وتنسيق”، وليس بيع أو إعداد، باعتباره نشاطاً مشروعاً وعنصر جذبٍ للطالب لدخول المكتبة، كما تقول “رندة” (اسم مستعار، 27 عاماً) التي عملت في إحدى المكتبات لمدة خمس سنوات، وهي الآن معيدة في كليّة التربيّة وتنجز بحثاً عن مناهج التعليم المهني.
تؤكد “رندة” أن أعداد الطلاب الذين يراجعون المكتبات للاتفاق على تجهيز أبحاث الماجستير والدكتوراه ومشروعات التخرّج “كبيرة جداً”، فالمكتبة التي عملت بها وهي “متواضعة” على حد وصفها، كانت تنجز حوالي ثلاثين مشروع تخرج وسبعة رسائل ماجستير وأقل منها رسائل دكتوراه في السنة الدراسية. وتضيف وهي تحاول رسم ملامح الجدية على وجهها رافعة نبرة صوتها: “أشعر بالازدراء عندما كان الطلاب يساومون على أجر إنجاز الرسالة كأنّهم يتفاوضون على ثمن قطعة ملابس، فالمكتبة كانت تعتمد في مدخولها على كتابة الأبحاث وتتكفل بكل الأمر من بدايته حتى نهايته”.
توضح “رندة” أن أساتذة الجامعة لديهم علم بأن بعض الطلاب يقومون بشراء مشاريع التخرّج، لكن الأمر لا يمكن إثباته. “المكتبة التي عملت بها كانت تعتمد على أشخاص ذوي خبرة عالية، وكان يتم إنجاز البحث بصورة احترافيّة وغالباً كانت تحظى بمعدل جيد، وإذا لم يطلع الدكتور المشرف على البحث إلا في مرحلته الأخيرة – وهو ما يحدث عادة – فالأمر لن يتم اكتشافه”.
يتضح من شهادات العاملين في المكتبات أن زبائنهم ليسوا من الطلاب فقط وإنما هناك بعض الأساتذة الجامعيين الذين يقصدونها لإجراء أبحاث أكاديمية تنشر لاحقاً في مجلات مختصّة. ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتي أحد أصحاب المكتبات بينما كان منشغلاً بمسح زجاج نظارته الطبية، عندما سألناه عن احتماليّة اكتشاف العملية، فقال مطمئناً: “نصف الدكاترة في كليّة التربيّة أقوم بإجراء الأبحاث بدلاً عنهم”.. قبل ان يعرض لنا أنموذجين لدراستين قال أنه أجراهما نيابة عن أستاذٍ وأستاذة.
يتابع صاحب المكتبة فيما بدا كرسالة ترويجية: “اختاري الدكتور المشرف وأنا سوف أتحدّث معه كي لا يدقق كثيراً. وفي حال رفض الدكتور البحث أعيد لكِ المبلغ المدفوع”.
ثغرات قانونية
لا يوجد نص في أحكام القانون السوري العام يعاقب على تجارة الأبحاث العلمية، حسب ما يوضح القاضي ماهر العلبي رئيس محكمة الاستئناف الأولى، بما يعني غياب أهم رادع أمام انتشار هذه التجارة. يقول القاضي “الحالة هنا تتمثل بتكليف شخص بإجراء الأطروحة لطرف آخر مقابل أجر مادي، وينسبه الأخير له”. ويتابع العلبي: “من المؤكد أن الباحث الأصلي لا يقوم بإجراء عقد بيع بينه وبين الطالب، وإنما الأمر يندرج في إطار الاتفاقات المخفيّة التي تتم بالتراضي بين الطرفين، كما أن الأمر في مثل هذه الحالات لا يخضع أيضاً لقانون حماية الملكية الفكرية، لأن البحث غير مسجل في وزارة الثقافة وغير محمي، فالمكتبة خالية المسؤولية ولا تعاقَب بأي بند قانوني”.
يبدو نشاط المكتبات واقع في إطار الثغرات التي لم يتناولها القانون السوري العام وغفل عنها قانون تنظيم الجامعات: لا يوجد نص في أحكام القانون السوري العام يعاقب على تجارة الأبحاث العلمية، كما “إنها خارج ملاك الجامعة وبالتالي لا تخضع لقانون تنظيم الجامعات وليس لدينا سلطة عليها”.
لكن هناك عقوبات أخرى وفق “قانون تنظيم الجامعات السورية” كما يوضح نائب رئيس جامعة دمشق لشؤون البحث العلمي أ.د عصام خوري، تطال الطلبة الضالعين في شراء الأبحاث وليس أصحاب المكتبات، نافياً في الوقت نفسه ورود أي حالة من هذا النوع إلى مكتبه. يقول خوري: ” في حال حصول هكذا حالات يتم التعامل قانونياً مع أي شخص يثبت تورطه في عملية تجارة الرسائل أو السرقة العلمية، ومن الممكن أن تصل عقوبته إلى حد الفصل من الجامعة، ومنعه من مزاولة المهنة مرة ثانية”.
ومن كلام القاضي والمسؤول الجامعي، يبدو نشاط المكتبات واقع في إطار الثغرات التي لم يتناولها القانون السوري العام وغفل عنها قانون تنظيم الجامعات. “إنها خارج ملاك الجامعة وبالتالي لا تخضع لقانون تنظيم الجامعات وليس لدينا سلطة عليها” يوضح خوري.
ويبلغ عدد الجامعات الحكومية في سوريا ثماني جامعات: هي جامعات دمشق، حلب، تشرين، البعث، الفرات، حماة، طرطوس والجامعة الافتراضية السورية. ويتخطى عدد طلابها الـ693 ألف طالب وطالبة، فيما يبلغ عدد الجامعات الخاصة 22 جامعة موزّعة في مختلف المحافظات، بعدد طلاب يقدَّر بـ 34 ألف طالب وطالبة.
شبح الخدمة الإلزامية
على حاجز “جسر الرئيس” والذي يعتبر نقطة وصل بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، تقف حافلة النقل العام منتظرة ريثما يحين دورها ضمن طابور الانتظار الطويل الذي يعجّ بالمركبات الخاصة والعامة. يتهيأ الركاب لإبراز الهويات الشخصية بينما الشبان يقومون بتجهيز أوراق تأجيل الخدمة الإلزامية. ما أن تصل الحافلة حتى يفتح العسكري الباب متفقداً البطاقات الشخصيّة ويتجه بنظره لشاب في العشرينيات من عمره يجلس في المقعد الأيمن وبنبرة حادة يسأله عن أوراق التأجيل. يمدّ الأخير يده مبرزاً الدفتر العسكري مرفقاً بعبارة “تأجيل دراسي”.
“رامي” تخرّج من كليّة الهندسة الزراعية جامعة دمشق، لم يكن أمامه سوى خيارين، إما إكمال الدراسات العليا أو السفر خارج البلاد كي لا يتم سوقه للخدمة الإلزامية. يقول: “الحرب في البلاد فرضت خيارات ليست ضمن ما أطمح إليه، لا أستطيع الآن السفر وترك عائلتي، وبالمقابل ليس لدي رغبة في إكمال الدراسات العليا”.
في سوريا، يُلزم الشبان بالالتحاق بالخدمة العسكرية عند بلوغهم سن الـ18. وكانت مدة الخدمة قبل الحرب تتراوح بين سنة ونصف سنة إلى سنتين، ولكن بعد عام 2011 باتت تطول لسنوات دون وجود وقت محدّد للتسريح. ووفق المادة (10) من قانون خدمة العلم، يمكن للطلاب الجامعيين المكلفين بالخدمة العسكرية التأجيل دراسياً، بحيث تكون السن القصوى للتأجيل هي 27 سنة بالنسبة لطلاب الدبلوم، و 29 سنة لطلاب الماجستير، و32 سنة لدراسة الدكتوراه في كافة الاختصاصات، لذا يلجأ الكثير من الشبان السوريين إلى إكمال مسيرتهم التعليمية في الدراسات العليا.
“جمال” يعمل موظفاً في أحد المراكز التربوية في دمشق، لجأ العام الماضي إلى التسجيل بالدراسات العليا في كلية “علم النفس” على الرغم من عدم رغبته في ذلك الاختصاص. يقول: “أسعى الآن إلى إتمام الماجستير في عامين وبعدها سوف أقوم بدراسة الدكتوراه إذا استطعت، وبهذا أستطيع إبعاد شبح الخدمة الإلزامية عني لمدة خمس سنوات في ظل ظروف الحرب التي تشهدها البلاد”.
بحسب نتائج مفاضلة الدراسات العليا وماجستير التأهيل والتخصص ودبلوم التأهيل التربوي للعام الدراسي 2018 -2019 للجامعات الحكومية السورية، والذي نشر على الموقع الرسمي لوزارة التعليم العالي، بلغ عدد المقبولين من طلاب الدراسات العليا لتلك السنة الدراسية 4700 طالب للكليات الأدبية، وقد أكد الرقم الإجمالي مصدر مسؤول في رئاسة الجامعة.
يُلزَم الشبان بالالتحاق بالخدمة العسكرية عند بلوغهم سن الـ18. وكانت مدة الخدمة قبل الحرب تتراوح بين سنة ونصف سنة إلى سنتين، ولكن بعد عام 2011 باتت تطول لسنوات دون وجود وقت محدّد للتسريح. ووفق المادة (10) من قانون خدمة العلم، يمكن للطلاب الجامعيين المكلفين بالخدمة العسكرية التأجيل لسبب الدراسة.
أما في الاختصاصات الطبية، فقد بيّن عميد كلية الطب البشري في جامعة دمشق “نبوغ العوا” أن عدد طلاب الدراسات العليا حالياً نحو 2000 طالب وطالبة موزعين على كل الاختصاصات الطبية لجميع السنوات الدراسية مقابل 183 أستاذاً جامعياً فقط. وتبلغ نسبة الذكور المتقدمين للدراسات العليا كحد أدنى 50 في المئة في معظم الكليات عدا الاختصاصات الطبية، بينما ترتفع لتتجاوز 70 في المئة في بعض الكليات كالهندسة المدنية والهندسة الميكانيكية والكهربائية والحقوق والزراعة، على الرغم من أن نسبة الذكور في سوريا بآخر إحصاء في عام 2018 (حسب موظف في الهيئة السورية لشؤون الأسرة) لا تتجاوز الثلاثين في المئة من عموم المتواجدين في البلاد.
تساهل مع الطلاب
“كمال” (اسم مستعار، 29 عاماً) حاصل على الماجستير في كلية الإعلام جامعة دمشق، يقول إن تأجيل الخدمة الإلزامية من خلال المضي في الدراسة أصبح شائعاً عند الطلاب، والأكثر شيوعاً منه حسب قوله، هو لجوء الأخيرين إلى المكتبات لإنجاز الأبحاث بدلاً عنهم. “عند انتهائي من رسالة الماجستير سألني أحد الأصدقاء كم دفعت على الرسالة وإن كان بمقدوره التواصل مع الشخص نفسه. وفي إحدى المرات اتصل بي صديق طالباً مساعدتي لإيجاد شخص يقوم بإنجاز رسالة الماجستير بدلاً عنه بسبب ضغط الوقت لديه وطلبه للتجنيد”.
يكشف كمال أن صديقا آخر من دفعته أخبره أن رسالته تقوم بها عاملة في مكتبة. ويوضح “المدة التي تمنحها شعبة التجنيد غير كافية لإتمام رسالة الماجستير أو الدكتوراه، وهو ما يدفعنا للجوء إلى أصحاب المكتبات، كما أن قلة الكوادر التدريسية في الجامعة، وقلة المتابعة والتدقيق يسهّلان الأمر”.
يقول استاذ جامعي في كلية التربيّة جامعة دمشق: “الحرب أثرت بشكل كبير على المنظومة التعليمية. قرارات القيادة القطريّة (لحزب البعث) بالتساهل مع الطلاب بسبب الظروف الحالية خلقت أزمة تعليمية حقيقية. لو كنت أعرف أن الدكتوراه في سوريا سوف تصل إلى هذا المستوى المتدني لما أكملت الدراسات العليا”. تعلو نبرة صوته مردفاً: “برنامج الدراسات العليا أصبح مهنة يعتاش منها الكثير من المستفيدين، أساتذة جامعة، طلاب ومكتبات”.
“ماهر. س” (28 عاماً) حاصل على درجة الماجستير من كلية التجارة في جامعة دمشق عمل في هذه “المهنة” لمدة سنتين. كان يقوم بتجهيز البحث الواحد مقابل خمسين ألف ليرة (مئة دولار أمريكي). يقول: “بدأت القصة بمساعدة أحد الأصدقاء مقابل أجر مادي بسيط بسبب ضغط المصاريف لدي وعدم توفر أي مورد مالي مع شحّ الفرص الوظيفية”. ويكمل: “معظم الطلاب الذين أُجريت لهم الأبحاث تقدّموا إلى الدراسات العليا بغرض التأجيل من الخدمة الإلزامية. ظروف الحرب دفعتهم لذلك، حتى أنهم لا يعرفون المنهجية الصحيحة للبحث العلمي”.
يبلغ عدد كوادر الهيئة التعليمية في جامعة دمشق 3500 أستاذ جامعي، وهذا الرقم متغيّر بشكل مستمر بسبب الحرب، حسب ما أوضح نائب رئيس الجامعة للشؤون العلمية. وهناك نقص في كوادر الهيئة التدريسيّة بجامعة دمشق مع تسرّب نحو 20 في المئة منهم خلال السنوات الثماني الأخيرة.
أحد أعضاء الهيئة التدريسية في كلية التربية، وبعد إمتناع متكرر عن الرد على أسئلة معد التحقيق، وافق على التصريح مشترطاً عدم ذكر اسمه: “طالبتُ مراراً في جميع الاجتماعات بإيقاف برنامج الدراسات العليا بسبب الفساد المنتشر في كل مفصل”. ويضيف: “الأمر فاق المعقول، فإما قصّ ولصق، أو يدفع الطالب المال مقابل أن يُنجز له أحدهم بحثه العلمي، أو يرشي الدكتور المشرف.. هذا أمر مخجل لصرح تعليمي مثل جامعة دمشق، والمخجل أكثر هو حجم الرشى والفساد بين صفوف الأساتذة الجامعيين أنفسهم”. يكمل الأستاذ الجامعي: “أنا شخصياً أقول للطالب: إسرق البحث ولكن على الأقل اطلّع عليه، حتى تستطيع الإجابة عندما أسألك!”.
يبلغ عدد كوادر الهيئة التعليمية في جامعة دمشق 3500 أستاذ جامعي، وهذا الرقم متغيّر بشكل مستمر بسبب الحرب، حسب ما أوضح نائب رئيس الجامعة للشؤون العلمية. وهناك نقص في كوادر الهيئة التدريسيّة بجامعة دمشق مع تسرّب نحو 20 في المئة منهم خلال السنوات الثماني الأخيرة.
“رندة” المعيدة في كلية التربية، تروي تجربتها الشخصية مع “الفساد الحاصل” في الجامعة قائلة إن “بعض الأساتذة لا يقوم بتوقيع ورقة أو قبول بحث إلا بمقابل مادي، وهناك عبارة اشتهر استخدامها من قبل أستاذ: عليك بما خفّ وزنه وغلا ثمنه”، مشيرة إلى أن الأستاذ المذكور ما هو إلا عينة عن عشرات غيره ينتشرون في كافة الأقسام الأكاديمية.
طلاب يكتبون لأساتذتهم
في الساعة الثامنة صباحاً يبدأ “فراس” (اسم مستعار، 32 عاماً) يومه الطويل في العمل بمركز طبي تعود ملكيته لأحد أساتذة الجامعة. تخرّج “فراس” في كليّة طب الأسنان ليكمل الدراسات العليا في اختصاص اللثة. كانت فرصة عمل جيدة لشاب حديث التخرّج كما يقول، “لكن كان من المحبط أن يطلب مني أستاذي كتابة المقالات والأبحاث بدلاً عنه، لتُنشَر باسمه”.
يتطلب ترفّع الأساتذة الجامعيين من مرتبة مدرِّس إلى أستاذ مساعد ثم إلى مرتبة أستاذ، نشرهم أبحاث ومقالات محكمة في دوريات مختصّة. ويُعتَمد حالياً على مؤشر مكوّن من نقاط لأجل الترفّع الأكاديمي في الجامعات السورية، بحيث تلعب الأبحاث المنشورة والكتب والإشرافات على طلاب الماجستير والدكتوراه دوراً أساسياً.
ولا تشترط الجامعة ترتيباً دولياً محدداً لهذه الدوريات، وإنما تتنوع في مستواها بين ضعيف ومتوسط وجيد، “لذلك يوجد الكثير ممن يحملون رتبة استاذ المقابِلة لرتبة بروفسور ولا يمتلكون أي بحث منشور في دوريات دولية يُعتدّ بها في المجالس العلمية، ويبقى إنتاجهم العلمي محصوراً في مقالات أكاديمية تنشر في دوريات تكون محل اعتراف الجامعات السورية فقط”، يوضح فراس.
آلاء (27 عاماً) طالبة ماجستير، لديها تجربه مماثلة: “عند الانتهاء من المحاضرة قام الدكتور بالتلويح بيده مشيراً إلى خمسة طلاب، أنا من بينهم، طالباً منا مراجعته في مكتبه. عندما دخلنا طلب منا الجلوس، جذب نفساً عميقاً وراح يثني على اجتهادنا، ثم شرح موضوع بحثه، ووزّع المحاور الأساسية على كلٍّ منا. كنت والآخرين نسأل أنفسنا عن العواقب التي ستكون في حال رفضنا طلبه”. يؤكد الدكتور (غ. خ) وهو أستاذ جامعي في كلية التربية ما روته “آلاء” بالقول: “هذا أمر طبيعي بالنسبة للبعض، هناك أساتذة يستعينون بالطلاب في كتابة أبحاثهم. تخيّلي طالباً تشرفين عليه يقوم بإنجاز البحث بدلاً منك!”.
الدكاترة لم يعد لديهم الحافز لكتابة الأبحاث والترفّع العلمي، بسبب ضعف المرتبات، والجميع يريد ترك الجامعات الحكومية إلى الجامعات الخاصة لفارق الرواتب، لكن الجامعة لا تقبل استقالة أعضاء الهيئة التدريسية (…) ساهمت الحرب في تدني الوضع الاقتصادي بالإضافة للعقوبات المفروضة على البلاد. البحث العلمي يحتاج أدوات وأبحاثاً ودعماً مالياً وهذا غير متوفر.
صاحب احدى المكتبات في منطقة البرامكة، أورد اسم أستاذين قاما بشراء أبحاثهما من مكتبته لتقديمها للجامعة كي “يتمكنا من الترفع”، مضيفا “اذا كان الأساتذة يشترون فليس هناك ما يُخيف أن يتم افتضاحه في حال أنجزت المكتبة البحث للطلاب”.
مصدر مسؤول عن إدارة قسم في جامعة دمشق أبلغ معد التحقيق بوجود حالات كثيرة للأبحاث المستلّة، إذ يقوم أستاذ جامعي بسرقة بحث علمي جاهزٍ وتقديمه كما هو للجامعة أو مع بعض التغييرات في العنوان والمقدمة. ليس ذلك في الكليات النظرية فقط وإنما في الكليات العلمية أيضاً. يقول: “منذ بضعة أشهر تمّت إحالة الدكتور (ع. ش) في كليّة طب الأسنان إلى لجنة التأديب في رئاسة الجامعة بسبب تقديمه بحثاً مستلاً، وعوقب بتأخير الترفع”.
الإنذار وتوجيه اللوم
يتفق العديد من الأساتذة والطلاب الذين التقيناهم، بأن اللجان الخاصة بالمحاسبة والتأديب لا تستطيع فعل شيء أمام جرائم السرقة والرشوة والتحرش، فهي تكتفي بعقوبات إدارية بسيطة لا تشكل رادعاً. يقول د. عصام خوري “إذا ثبت أن أحد الأساتذة استلّ بحثاً، تتم إحالته إلى لجنة التأديب ويخضع للعقوبات المنصوص عليها في قانون تنظيم الجامعات، كما يحال أساتذة الجامعة إلى المحكمة في حال كان هناك جرم رشوة أو تحرّش أو تزوير”.
وينص قانون تنظيم الجامعات في المادة (108) منه على مجموعة من العقوبات التأديبية بحق أعضاء الهيئة التدريسية في حال سرقة الأبحاث أو تلقيهم الرشى، يقرّها مجلس التأديب. وهي تتدرج من الإنذار، توجيه اللوم، توجيه اللوم مع تأخير الترفّع لمدة سنتين على الأكثر، النقل التأديبي خارج الجامعة (يتم النقل بقرار من رئيس مجلس الوزراء)، عقوبة قطع تعويض التفرّغ، وصولاً إلى عقوبة العزل أو الطرد. وبحسب المادة (109) “تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة عضو الهيئة التدريسية، ولا تأثير للدعوى التأديبية في الدعوى الجزائية والدعوى المدنية الناشئتين عن الواقعة ذاتها”.
د. رشاد مراد أستاذ جامعي في كليّة طب الأسنان يقول: “الدكاترة لم يعد لديهم الحافز لكتابة الأبحاث والترفّع العلمي، بسبب ضعف المرتبات، والجميع يريد ترك الجامعات الحكومية إلى الجامعات الخاصة لفارق الرواتب، لكن الجامعة لا تقبل استقالة أعضاء الهيئة التدريسية”. ويتابع “ساهمت الحرب في تدني الوضع الاقتصادي بالإضافة للعقوبات المفروضة على البلاد. البحث العلمي يحتاج أدوات وأبحاثاً ودعماً مالياً وهذا غير متوفر، لم تعد هناك أهمية لجامعة دمشق كما في السابق”.
في الجامعات الحكومية السورية يحصل حامل شهادة الدكتوراه على مرتب شهري يتراوح بين 50 و70 ألف ليرة سورية (بين 100 و140 دولار أمريكي)، بينما يتقاضى مبلغاً قدره 10 آلاف ليرة سوريّة (20 دولاراً) لقاء الإشراف على أطروحة الماجستير أو الدكتوراه، ويحصل عليه بعد أشهر عدة. أما في الجامعات الخاصة فيتراوح راتب الأستاذ الجامعي بين 400 ألف (800 دولار) ومليون ليرة سورية (ألفي دولار).
ابتزاز جنسي
تستذكر “ريم” (اسم مستعار) ذات العشرين عاماً، ما حصل معها عندما كانت في سنتها الأولى بقسم اللغة الفرنسية بكليّة الآداب. “ريم” بوجهها المستدير بقسمات تنضح طفولة، تغيرت ملامحها وبدأ صوتها يرتجف عندما همت برواية قصتها التي دفعتها لترك الدراسة: “كنت بصدد تقديم امتحان في مادة التعبير الكتابي، وهي مادة صعبة جداً ولا يمكن ترفيعها بسهولة. طلبتُ من سكرتيرة الكلية أن تسأل الأستاذ عن الموضوعات الهامة.. في ذلك الوقت لم نكن نعرف الوضع الحقيقي لبعض الأساتذة، كنا نسمع عن شراء المواد بعشرين ألف ليرة سورية وحتى خمسين.. عندما تحدّثتْ معه السكرتيرة طلبت مني مراجعة الأستاذ في المكتب”. تتابع “ريم” سرد قصتها وهي تنظر الى طاولة مكتبية كانت أمامها: “دخلت.. لم أكن أتوقع أن يحدث شيء، طلبت تحديد المواضيع الهامة التي من الممكن أن تأتي في الامتحان، فأجابني: بخبرك المواضيع بس بجرمانا”. لم تفهم “ريم” ما قصده، لتسأل “وين بجرمانا”، فيجيبها “عندي بالبيت بجرمانا”. تقول: “لم أستطع استيعاب الموقف. أجبته لا أستطيع الذهاب، فيقوم من خلف المكتب ويقترب مني. فقدتُ صوابي.. دفعته وخرجت سريعاً. لم أتقدم بشكوى. سمعت لاحقاً العديد من القصص الأخرى. عندما تنكشف، لا شيء سوى أن يعاقب الطالب/ة ويتوقف تخرّجه/ها ويخسر الجامعة وسمعته فيما الاستاذ يظل محصناً”.
قصة “ريم” تكررت مع هادية (22 عاماً) وهي طالبة في كلية التربية، يرويها أحد أساتذتها الذي لجأت إليه. يقول الأستاذ الذي طلب عدم ذكر اسمه: “دخلت هادية إلى مكتبي وملامح وجهها شاحبة وجميع أجزاء جسدها ترتجف. لم تستطع الوقوف. اتكأت قليلاً على طرف الباب وبدأت تتلعثم بالكلام. طلبت منها الهدوء لأفهم ما بها. صمتت لبضع دقائق لتستجمع أنفاسها وتروي ما حصل معها”. يتابع الأستاذ: “دخلت هادية إلى مكتب أستاذها آملة مساعدته في بعض النقاط العلمية في المقرر فما كان منه إلا أن طلب منها زيارته في البيت لكي يعطيها الأسئلة وتتمكّن من النجاح”. ويواصل “من المؤسف أن المتحرش بها كان المثل الأعلى بالنسبة لها”.
“قام الاستاذ من خلف المكتب واقترب مني. فقدتُ صوابي. دفعته وخرجتُ سريعاً. لم أتقدم بشكوى.. سمعت لاحقاً العديد من القصص الأخرى. عندما تنكشف، لا شيء سوى أن يعاقَب الطالب/ة ويتوقف تخرّجه/ها ويخسر الجامعة وسمعته فيما الاستاذ يظل محصناً”.
ليست هذه القصص سوى واحدة من نسخ مكررة تتناقلها ألسن الطلبة في كليات دمشق، عدد قليل منها يصل إلى المجلس التأديبي للجامعة، ولعلّ أشهرها ما حصل مع الأستاذ الجامعي في قسم علم الاجتماع (ع. ب) في عام 2016، عندما أصدر وزير التعليم العالي الدكتور “محمد عامر مارديني” قراراً بإعفائه من التدريس بالجامعة، وصرّح حينها عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية د.خالد الحلبوني بأن “سبب الإعفاء قيامه بابتزاز الطالبات جنسياً عبر موقع فيسبوك وعبر الهاتف، من أجل إنجاحهن بالامتحان”. بعد أشهر قليلة فقط أعادت إدارة الجامعة، الدكتور المذكور إلى التدريس في قسم علم الاجتماع، وفق قرار صادر عن رئيس الجامعة الدكتور حسان الكردي.
طالبة دكتوراه أصول التربية وعضو في الهيئة التعليمية للكلية، طلبت عدم ذكر اسمها، أكدت وجود حالات استغلال للطالبات تنكشف لكن لا تتخذ بشأنها اجراءات رادعة:”أحد الأساتذة (ع. ش.) تم فصله ثلاثة شهور بقرار رسمي من قبل الجامعة بسبب ضبطه بحالة غير أخلاقيّة مع إحدى طالبات التعليم المفتوح، لكنه عاد إلى الجامعة من جديد. وتتساءل: “كيف يمكن إعادة مدرس كهذا إلى الجامعة؟. النماذج كثيرة، إحدى زميلاتي تركت الماجستير بسبب أستاذ سألها: هل وقفتِ أمام نفسك على المرآة عارية!”.
وحسب موظف بموقع إداري في رئاسة الجامعة “لا تُهمل أي شكوى تصل إلى رئاسة الجامعة، ويتم التحقق من كل الشكاوى، ويُحال التدريسي إلى مجلس التأديب المؤلف من قضاة مسمّين من وزارة العدل وينال العقوبة وفقاً لقانون العقوبات في الجامعات”. ويضيف: “في حالة تعرّض الطالبة لابتزاز أخلاقي، هنا يصبح الموضوع جنائياً ويتحول إلى المحكمة المختصة بقرار من مجلس التأديب ويأخذ الحكم الذي يستحقه وفق القانون، فالجامعة تأخذ إجراءاتها وفق قانون تنظيم الجامعات”.
نصت المادة (505) من قانون العقوبات السوري على أن “من لمس أو داعب بصورة منافيّة للحياء قاصراً لم تتم الخامسة عشرة، ذكراً كان أم أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من 15 سنة من دون رضاها، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة”. كما نصت المادة (506) من قانون العقوبات السوري: “يُعاقَب مَنْ تلفظ بكلام مخلّ بالحشمة بالحبس التكديري، ولمن عرض على قاصر لم تتم الخامسة عشرة أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من 15 سنة عملاً منافياً للحياء أو وجّهَ لهنّ كلاماً مخلاً بالحشمة، عوقب بالحبس التكديري ثلاثة أيام، أو بغرامة لا تزيد على 75 ليرة، أو بالعقوبتين معاً”.
خلاصة: لا علاقة لنا
رغم الشواهد المتكررة على عمليات بيع الأبحاث الجامعية، ينفي نائب رئيس جامعة دمشق السابق لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا، د. غريب وجود حالات من هذا النوع في الجامعة. يقول: “لا يوجد أي حالة غش. وفي حال تمّ إثبات أن طالباً قام بشراء رسالة الماجستير يتم فصل الطالب نهائياً، لأن كل صفحة في الرسالة تكتب بإشراف الأستاذ الجامعي، وكلما تم إنجاز فصل تتم مناقشته مع الدكتور المشرف”، مؤكداً على أنه خلال فترة عمله لسنتين، لم يستقبل شكوى من هذا النوع. ويجيب بشأن الجهة التي تقع عليها المسؤوليّة في حال ضبط مثل هذه الحالات، قائلا: “يجب على الدكتور المشرف أن يكتشف الأمر، لكنه لا يتحمّل المسؤولية”، فعلى حد تعبيره، “لا يوجد أستاذ جامعي يقبل أن يأتيه الطالب برسالة جاهزة”. ويضيف أن “الأمور هذه تتم معالجتها في الكلية عند رئيس القسم وليس لنا علاقة بها”.
ونفى المسؤول في الجامعة وجود مكتبات تقوم بإنجاز رسائل بدلاً من الطلاب “إنما هي تعمل في تنضيد الرسائل وطباعتها فقط”. وعند إخباره عن زيارتنا للمكتبات والخدمات التي تقوم بها في إجراء رسائل الماجستير بدلاً من الطالب طلب منا متابعة الموضوع، و”لكن ليس عن طريقنا”. وأردف: “هذا الموضوع يتابع عند الكلية المعنية، وأنا برأيي المتابعة تكون مع عميد الكلية والنائب العلمي والنائب الإداري ورؤساء الأقسام”.
يحمِّل أحد الأساتذة في كلية التربية بجامعة دمشق، مجلس البحث العلمي في رئاسة الجامعة مسؤولية ما يحدث، واصفا المجلس بـ”الروتيني والشكلي ليس أكثر”، قائلا “المجلس هو سبب التسيُّب. عندما أحضر اجتماعات مجلس رئاسة الجامعة يناقش الأعضاء مسألة تبديل المشرفين فقط، ولا يتطرقون إلى مسألة الدرجات الممنوحة للأبحاث ولا كيف مُنحت، وعندما نطلب متابعة من قبلهم لا نجد استجابة”، مطالباً بتشكيل لجنة ثانية للاطلاع على الرسائل العلمية الإشكالية ومراقبة السرقات وعمليات شراء الأبحاث، وإجراء جولات رقابية على المكتبات.
وسط ضعف الاجراءات الادارية وعجز القانون وتهرب رئاسات الجامعة والكليات من المسؤولية، تستمر تلك التجارة الرائجة، موفرةً شهادات عليا لكوادر ستتسلم دون استحقاق مواقع في أهم المؤسسات التعليمية بسوريا بكل ما يحمله ذلك من مخاطر. فالعديد من الطلاب الذين قابلناهم في هذا التحقيق أنهوا دراسة الماجستير في اختصاصات مختلفة من دون أن يبذلوا جهدا يذكر.
هدى مثلاً، بعد أن حصلت على موافقة مجلس الجامعة على مخطط بحثها، تخبرنا عبر اتصال هاتفي بعد لقائنا الأول بستة أشهر أن “الرسالة جاهزة و”الأمور اصبحت روتينية”. تقول: “أحتاج فقط إلى الانتظار لانتهاء المدة المحددة كي أتمكن من مناقشة الأطروحة ونيل درجة الماجستير”، وعندما نسألها ماذا ستفعل بعد ذلك تجيب: “سأتابع دراسة الدكتوراه!”.
انجز التحقيق بدعم من شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية ونشرته صحيفة السفير العربي
المزيد عن تحقيقات استقصائية
تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17734}" data-page="1" data-max-pages="1">