تحقيق استقصائي يكشف عن مقتل واصابة مدنيين سوريين هاربين من الحرب على يد الجنود الأتراك في مخالفة صريحة للقانون الدولي
نشر التقرير في صحيفة “صباح كوردستان” العراقية، واعيد نشره في العديد من المواقع الاخبارية العراقية والعربية.
مع استمرار الصراع الدموي في سوريا والذي يخلف عشرات القتلى اسبوعيا، ومع استفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وعدم وجود اي افق للحل السياسي، تواصل عشرات العوائل السورية يوميا محاولاتها “للخروج” من البلاد في هجرة غير شرعية “مكلفة وخطرة” بحثا عن مستقبل أفضل لهم في احدى بلدان اللجوء.
أولى محطات تلك الرحلة الطويلة تمر عبر الحدود السورية التركية، التي كانت في بعض الفترات شبه مفتوحة امام السوريين الهاربين من جولات القتال الدامية بين قوى المعارضات السورية وقوات الحكومة السورية، قبل ان تصبح في السنوات الأخيرة مسورة بجدران عالية يصعب المرور منها ومحمية بمئات نقاط المراقبة التي ينتشر فيها قوات حرس الحدود التي لا تتردد في كثير من الأحيان باطلاق النار على العوائل الهاربة من العنف موقعة قتلى وجرحى، في مخالفة صريحة للقانون الدولي كما القانون التركي.
وتشهد المناطق الحدودية السورية التركية الممتدة لنحو 900 كلم تصاعدا في نشاط شبكات تهريب البشر عبر الحدود والتي تمثل تجارة رائجة لمئات المهربين، فيما تشتد المعارك في مناطق ادلب وشمال حلب مع تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا باتجاهها سعيا للسيطرة عليها، وهو ما يدفع آلاف السوريين للمخاطرة بعبور الحدود ما يجعلهم اهدافا للجنود الاتراك الذين يرى الكثير منهم ان السوريين لم يعد مرغوب بوجودهم في تركيا ويبرر بعضهم اطلاق النار على اللاجئين بحجة كونهم مسلحين وليس مدنيين هاربين من الحرب.
يرصد تحقيق لشبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، انجزه الصحفي قصي عمامة، تحت عنوان (حدود الدم السورية التركية) قصص العديد من العوائل التي حاولت عبور الحدود سرا بشكل شخصي او عبر الاستعانة بشبكات تهريب البشر وتعرضوا لاطلاق نار متعمد وقاتل في نقاط حدودية تمتد من شرق البلاد الى غربها رغم وجود أطفال ونساء بينهم.
يستهل التحقيق بمقدمة توضح واقع المنطقة ونشاط شبكات تهريب البشر فيها: “أنت الآن في أرض جبهة النصرة. لا نصائح خاصة بالسلامة تُقدم لك للمرور في هذه القرى والبلدات في ريف مدينة إدلب شمال غربي سوريا. لا احتياطات ولا خطة “باء”. عليك فقط الالتزام بالمظهر “الشرعي” كي تعبر الحدود السورية التركية بطريقة “غير شرعية”، الطريقة الأخيرة المتاحة لمغادرة البلاد التي يمزقها الصراع منذ ثماني سنوات. عليك أن تقطع الشريط نفسه الذي قتل عنده العشرات من السوريين برصاص حرس الحدود التركي. النجاة والوصول إلى الضفة الأخرى “مسألة حظ”، يؤكد أحد الذين رافقناهم في رحلة الموت”.
ويتابع كاتب التحقيق: “تتشابه القرى في ريفي إدلب “الشمالي والغربي” القريبان من الشريط الحدودي السوري- التركي، خضرة غير مُنظمة، منازل متباعدة تتخلل الأراضي الزراعية التي معظمها شجر زيتون. من السهل أن تشاهد شباناً من القرى بالزيّ العسكري والكثير من السلاح. ومن المألوف أن تسمع بإفراط كلمات مثل “قائد، حاجز، نقطة، مقر، تيل” وعشرات من التسميات الواقعية أو الساخرة أبرزها “زبائن”، “أنفار” و”رؤوس”، تشير لأولئك القادمين نحو شريط الحدود كي يجازفوا بحياتهم لدخول الأراضي التركية، يتداولها المهربون والدلالون والسماسرة”.
ويضيف:”هناك تنتشر، تجارة تهريب البشر عبر الحدود، التي تديرها شبكات المهربين، فمئات آلاف السوريين عبروا خلال ثماني سنوات من الحرب السورية تلك الحدود في أوقات متفرقة، دفع بعضهم مبالغ تترواح بين 1000 الى 1500 دولار، ليعبروا طرقا مختلفة بينها ما هو آمن نسبيا وقصير، وبين ما هو وعر وخطر، وفق ما يذكره القائمون على هذه التجارة في شمال سوريا”.
“ماذا عن أولادك؟” يسأل كاتب التحقيق، رجلاً أربعينياً على وشك عبور الحدود المحصنة والخطرة. يجيب بأنه لا يمتلك حلاً آخر. سيخاطر بحياته وحياتهم أثناء الرحلة الخطرة القادمة، قبل أن يكمل: “نفرّ من أقدار الله إلى أقدار الله”.
الحياة المستحيلة
في شمالي سوريا، وجّهة التهجير القسري في سوريا، تتزاحم فصائل المعارضة السورية المتناحرة على السلطة، والتي أدى الاقتتال بينها مؤخراً إلى سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مساحات واسعة من أرياف إدلب وحلب وحماة، فيما تسود في تلك المناطق وبغض النظر عمّن يسيطر عليها حالة من الفوضى الأمنية، عنوانها عشرات حالات القتل، والخطف مقابل فدية، مع أنباء مستمرة عن اغتيالات وانفجار سيارات مفخخة وعبوات ناسفة، فضلاً عن استمرار عمليات القصف من قبل الحكومة السورية وروسيا، بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة. وكحال الوضع في معظم مناطق البلاد، لا تتواجد على الأرض أي جهة قادرة على توثيق عدد القتلى والجرحى بدقة، فيما يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد قتلى الحرب بنحو 370 ألف شخص.
يقول كاتب التحقيق ان معظم من تحدث إليهم ممن ما يزالون في داخل سوريا أو ممن وصلوا إلى الأراضي التركية “أكدوا أن قرارهم بالتوجه إلى تركيا، نابعٌ مما سموه استحالة الحياة في الشمال السوري”.
“نسأل هذا وذاك على الشريط الحدودي: ما الذي دفعك إلى الهجرة، فتكون الإجابات متماثلة: مخاوف أمنية، انعدام فرص العمل، سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب التعليم، وهيمنة الفصائل الإسلامية على كافة مفاصل الحياة. آخرون اعتبروا أن مغادرتهم لمدنهم وقراهم في جنوب ووسط البلاد، بات يعني لهم الخروج الكامل من سوريا، وليس البقاء في شمالها، حتى لو كان الأخير خارج سيطرة النظام السوري”.
يذكر التحقيق: غير بعيد عن الشريط الحدودي، في “خربة الجوز”، القرية الواقعة في اقصى شمال ريف إدلب، تبدو أبراج المراقبة التركية من بعيد كافية للدلالة على صعوبة العبور. ومع الاقتراب أكثر تظهر الأسوار والأسلاك الشائكة والخنادق، وتسمع همسات المهربين لبعضهم البعض، يتناقلون فيها أخبار الطريق.
“أشعر بمزيج من الخوف والترقب والتفاؤل والحذر، رغم أني نجوت من عشرات المعارك وعمليات القصف والحصار وخطر الموت جوعاً ومرضاً” يقول أحمد.ع (27عاماً) بينما يتقدم في خطواته نحو الجدار برفقة زوجته وولديه. ويتابع: “لم أمت في جنوب دمشق بحصار دام لست سنوات، بقي هذا فقط كي أضمن القليل من الأمل لأبنائي”.
يتألف السور من جدارين متوازيين مسبقي الصنع يبلغ ارتفاع الواحد منها 4 أمتار وبعرض 3 أمتار، وبوزن 7 أطنان. ترتفع أبراج مراقبة لـ 8 أمتار مزودة بنظام تكنولوجي متقدم، من أنظمة مراقبة عالية الدقة وكاميرات حرارية ورادارات لعمليات الرصد البري، كما يتمتع الجدار الإسمنتي بأنظمة تسليح متطورة يتم التحكم بها عن بعد، وفق ما يذكره كاتب التحقيق.
على عتبات هذا السور تحديداً، بحسب تقارير إعلامية متفرقة، قتل وجرح العشرات من السوريين أثناء محاولتهم دخول الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، وسط صمت شبه تام من السلطات التركية، والسلطات المحلية في شمال سوريا، التي تشكل القوة الرئيسة فيها اليوم، فصائل عسكرية تدين بالولاء لتركيا، أو على الأقل لا تناصبها العداء.
الموت هرباً
ينقل التحقيق قصص العديد من المدنيين الذين تعرضوا لاطلاق نار، بينها قصة السيدة “حياة” (25 عاماً) التي قررت دخول تركيا بعد هروبها من الغوطة الشرقية “لبدء حياة جديدة بعد سنوات من الحصار والجوع وانعدام الأمل”:
“كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، وجدت نفسها مع أكثر من 15 مدنياً سورياً آخرين عند نقطة “طريق الدرية- دركوش” بريف إدلب، واحدة من نقاط الدخول إلى تركيا. يهمس المهربون للاجئين: “لا ترتدوا الأبيض، لا ترفعوا الصوت، لا تشعلوا ولّاعة ولا تصدروا أي ضجيج، انخفضوا قدر ما استطعتم، نحن نقترب من الجدار التركي، فأسرعوا ولا تتمهلوا”. النصيحة الأبرز التي ينشرها المهربون بين اللاجئين المستقبليين، هي أن يتم اعطاء الأطفال الرضع دواءً منوّماً يدوم مفعوله لساعات”.
“هكذا يضمن المهربون أن بكاء الرضيع لن يُنبه الجندي التركي خلال عبور الحدود، كما لن يوقظه البرد أو الركض”، يوضح بعض السوريين الذين التقاهم كاتب التحقيق.
بين جداري السور التركي، طريق يتسع لمرور عربة الدورية العسكرية، يضبط المهربون تمريرهم للاجئين على موعد مغادرة الدورية أو قرب مرورها. وكي تتم العملية بنجاح، على المهربين أن ينصبوا سلالم على الجدار الأول من الجانب السوري، فتصعد النسوة وثم الرجال، حتى نهاية المجموعة، التي تكون قد باتت بين الجدارين، ثم تكرر العملية مع الجدار الثاني، ويبدأ الركض باتجاه العمق التركي حتى أقرب قرية.
بحسب مهرّبين وأبناء من المنطقة، عادة ما يتم تنسيق العملية مع مواطنين أتراك يستقبلون اللاجئين في منازلهم لساعات قبل أن تتابع المجموعات رحلتها نحو المدن التركية.
“حياة” لم ترى الجدار الثاني ولم تعرف الأول. قبل ذلك بكثير، وحين كانت مجموعتها لا تزال صامتة كما أُمرت من المهربين، بدأ إطلاق النار. بأربع رصاصات، واحدة في الصدر وأخرى في البطن وطلقتين في الساق سقط زوج حياة على الأرض. سحب آخرون جسده بعدها بدقائق وأسعفوه إلى مشفى محلي قبل أن يفارق الحياة.
ينقل التحقيق عن السيّدة قولها، إن حرس الحدود أطلق النار على زوجها “متعمداً القتل”، وأصيب في ذات الليلة ثلاثة مدنيين آخرين برصاص حرس الحدود المباشر. دفنت حياة زوجها في قرية “خربة الجوز” في شمال ريف إدلب، وعادت من حيث أتت مع أطفالها إلى دمشق.
أقل من عشرين يوماً
ويتقصى التحقيق في قصة “طالب إدريس” (21 عاماً) متابعا تفاصيلها منذ مغادرته مدينته معرة النعمان باتجاه الحدود السورية التركية بعد سيطرت جبهة النصرة على المدينة، فبات الشاب مطلوباً لها، كمئات غيره من النشطاء المدنيين في كثير من مناطق شمال سوريا.
في 5 نيسان 2018، حين كان في بلدة عقربات بريف إدلب الشمالي، تواصل طالب للمرة الأخيرة مع عائلته وأصدقائه، قبل أن يُفقد الاتصال معه لخمس أيام قادمة. قلقت العائلة، لكنها ظنت أنه دخل الأراضي التركية، ومن الطبيعي أن يغيب البعض عن أي تواصل بعد تجاوز الحدود.
يوم الجمعة 20 نيسان نشر “عبد القادر لهيب” صديق طالب، عبر صفحته على “الفيس بوك” خبراً عن اختفاء طالب على الحدود السورية التركية، ليأتيه اتصال من الدفاع المدني في ذات اليوم يبلغه بالعثور على جثة شاب على الحدود مقتولاً برصاصة في الرأس. أرسل عنصر في الدفاع المدني السوري، صورة عن البطاقة الشخصية للشاب، إلى عبد القادر، فكان هو طالب.
بحسب كاتب التحقيق، قتل طالب إدريس في 16 نيسان برصاص حرس الحدود التركي. أشرف على كتابة التقرير الطبي الخاص به، وزير الصحة الحالي في الحكومة السورية المؤقتة فراس الجندي المقيم في إدلب.
كان حرس الحدود التركي قد أبلغ الدفاع المدني السوري عن وجود جثة بالقرب من الشريط الحدودي، ليقوم الأخير بنقلها من نقطة وجودها إلى مشفى المعرة الوطني، حيث قال التقرير الطبي إن رصاصة واحدة في الجهة الخلفية من الجمجمة أودت بحياة طالب، منذ أربعة أيام.
وينقل التحقيق العديد من قصص عبور الحدود التي اختتمت بنهاية مأساوية كقصة “محمد داود” (37 عاماً) الذي حاول دخول تركيا رفقة أطفاله الثلاثة وزوجته، لكنه فقد ثلاثة من افراد عائلته. يقول كاتب التحقيق: استفاق داود في نقطة طبية في قرية خربة الجوز السوريّة، إلى جواره كان يستلقي ابنه محمود (عامين ونصف العام) فيما وعلى بعد كيلو مترين، دفنت زوجته ورضيعه وابنه أحمد (أربعة اعوام). يروي القصة بهدوء قبل أن ينفجر صوته. “لم ينجو أحد منّا. ثلاث رصاصات أصابتني في الكتف والساقين، رصاصة في كتف محمود، سبع رصاصات توزعت في أجساد زوجتي وابني أحمد، وقضى طفلي الرضيع ياسر اختناقاً بالماء الطيني في المجرى تحت الجدار”.
النقاط الساخنة
من خلال عمليات التقصي والرصد، ونقلا عن سوريين نجحوا في دخول الأراضي التركية، أو ما زالوا يحاولون الدخول وعن أفراد شبكات تهريب البشر المعقدة التركيب التي تعمل في ريف إدلب، يحدد كاتب التحقيق ثلاث نقاط تعتبر الأخطر على حياة السوريين الذين يحاولون دخول تركيا بطرق غير شرعية.
النقاط الثلاث التي تسجل حالات قتل وإطلاق نار مباشر على السوريين، هي دركوش في الريف الغربي لإدلب، وخربة الجوز واليمضية في الريف الشمالي لإدلب.
طوال سنوات الحرب في سوريا، عبر عشرات الآلاف من السوريين من النقاط الثلاث بشكل سلس نسبياً، وبحسب مهربين التقيناهم وسكان المنطقة، نادراً ما سجلت عمليات قتل برصاص حرس الحدود التركي، إلا أن وتيرة القتل ازدادت مع بدء تشييد انقرة للجدار العازل على قسم كبير من حدودها مع سوريا، من المنطقة التي نركز البحث فيها ضمن هذا التحقيق.
فوق الجدار وأسفله
انهت تركيا بناء الجدار العازل على الحدود مع سوريا في حزيران من عام 2018، بطول 711 كم، من أصل الحدود التي تمتد إلى 911 كم، وهو ثالث أطول جدار في العالم. وقالت أنقرة إن بنائها للجدار يهدف في المقام الأول، إلى منع تسلل مقاتلين متطرفين من سوريا إلى إراضيها.
تظهر فيديوات، قيام شبكات الإتجار بالبشر، باستخدام المهربين للمجاري المائية أسفل الجدار كطرق لتهريب اللاجئين بين الحدود، الى جانب استخدام سلالم لتسلق الجدار والنزول في الأراضي التركية.
يخلص التحقيق من خلال شهادات ناجين الى ان اطلاق حرس الحدود النار على اللاجئين يتم عمداً:
في 9 تموز2018، تعرض “أبو نبيل” مع زوجته وأطفاله، لإطلاق نار من قبل حرس الحدود التركي أثناء محاولته دخول الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، من نقطة طريق الدرعية – ناحية دركوش بريف إدلب. ولحسنِ الحظّ لم يصب أحد من عائلته حينها.
بحسب ما يقول “أبو نبيل” فقد صوّب الجندي مباشرة على بعض أفراد المجموعة. “وجه الجندي التركي ضوءً كاشفاً نحونا. كان عددنا 30 وجميعنا مدنيون، لقد شاهدنا بدقة، شاهد النساء والأطفال في المجموعة، ويشكل بكاء الأطفال أثناء إطلاق النار وصراخ النساء دليلاً على وجود مدنيين وليس مقاتلين يحاولون دخول الأراضي التركية. مع هذا استمر الجندي في إطلاق النار”.
بدوره يؤكد “أحمد. ر” أن إطلاق النار الذي تعرض له في نقطة اليمضية، كان بهدف الإصابة وليس الإخافة والعودة إلى سوريا. يقول إن الجندي كان يشاهده ويشاهد من معه أثناء محاولة العبور في 7 نيسان 2018. لم تسجل أي اصابات قاتلة في تلك الليلة، وبقي أحمد يحاول الدخول لأكثر من عشرين مرة، قبل أن ينجح في آب من ذات العام من الوصول إلى اسطنبول.
وينقل التحقيق قصص لحالات متكررة لاطلاق النار، وابلاغات وتقارير متوالية عن العثور على جثث لسوريين بالقرب من الشريط الحدودي قتلوا برصاص حيّ.
المناطق الكردية
الوضع أعقد في مناطق شمال شرق سوريا التي تتمتع بإدارة ذاتية يسيطر عليها الكرد، فقد شهدت أعلى حالات قتل برصاص حرس الحدود التركي ولسنوات طويلة. يقول سكان تلك المناطق الذين هم من السوريين الأكراد، إن حرس الحدود التركي لا يتهاون معهم على الإطلاق لأنهم كرد، وهو يتقصد قتل كل ما يتحرك عبر الحدود. ويورد كاتب التحقيق قصص عديدة لعمليات قتل وضرب مبرح.
ويكشف التحقيق عن اتفاقات بين شبكات التهريب في ريف إدلب الغربي وضباط حرس الحدود التركي لتمرير لاجئين سوريين بطرق غير شرعية مقابل مبالغ مالية تصل الى الفي دولار للشخص الواحد مقابل مرور آمن من أكثر الأراضي الواصلة عبر الحدود سهولة ويسراً.
لا أحد قادر على التوثيق
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “421 مدنياً سورياً قتلوا برصاص حرس الحدود التركي “الجندرما” منذ عام 2011، من ضمنهم 75 طفلاً دون الثامنة عشر، و38 سيّدة فوق سن الـ 18، فيما رصد المرصد السوري إصابة المئات برصاص قوات الجندرما التركية (حرس الحدود) في استهداف المواطنين السوريين الذين فروا من العمليات العسكرية الدائرة في مناطقهم، نحو أماكن يتمكنون فيها من إيجاد ملاذ آمن”.
يمتلك المرصد وفق ما يقول مسؤولوه بيانات بأسماء سوريين قتلوا برصاص حرس الحدود التركي مدعومة بالصور ومقاطع الفيديو وتاريخ القتل. “بيانات كافية لأن تكون أدلة أمام أي محكمة”، توثق ما يصفه المركز بالجريمة المستمرة منذ سنوات.
لكن لا بيانات من جانب المنظمات المدنية العاملة في مناطق المعارضة ولا من قوى المعارضة. يصف إداري في إحدى النقاط الطبية في ريف إدلب وضع التوثيق “بالمعقد والخطير”. “معظم النقاط الطبية مدعومة ومموّلة من الحكومة التركية، أو حصلت على تراخيص عمل من الجانب التركي” وبالتالي لا يمكن ان تقدم اية معلومات عن عمليات قتل قام بها الأتراك.
القانون “واضح تماماً“
ويؤكد التحقيق ان ما يحدث يشكل انتهاكا للقانون التركي والقوانين الدولية، ناقلا عن المحامية التركية جانسو أنيلان “Cansu anılan” المختصة في الاستشارات القانونية، قولها أنه ورغم حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ محاولة الانقلاب العسكري عام 2016، ورغم كل الأسباب التي دفعت أنقرة إلى تشييد الجدار الحدودي، فإن القانون التركي فيما يخص الحدود السورية يسمح لدخول اللاجئين الهاربين من الحرب وهذا “واضح تماماً”.
تشرح أنيلان: “بما أن سوريا تُعرف وفق القانون بأنها في حالة حرب، فإنه من حق السوريين أن يدخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، ولا يحق لحرس الحدود إطلاق النار على المدنيين، إلا في حال كان المتوجه إلى الأراضي السورية يشهر السلاح بوجه العناصر الأتراك. غير ذلك لا يُسمح لأي كان بإطلاق النار على القادمين من داخل سوريا”.
مع هذا يقول المحامي علاء طحان، المقيم في إسطنبول إن أي دعوى من هذا النوع لم ترفع أبداً. “الناس تخاف، فالوضع القانوني الخاص باللاجئين السوريين في تركيا غير واضح ومبهم وكثير التغيّر، وتركيا لم توقع على اتفاق 1951 الدولي الخاص باللاجئين”.
ولا تنشر وسائل الإعلام التركية، اية اخبار عن عمليات قتل لللاجئين، وتتحدث بشكل حصري عن قتل “إرهابيين” حاولوا التسلل من مناطق تسيطر عليها القوات الكردية شمال شرق سوريا. في وقت تبث وكالة الأناضول أخباراً عن انتشال الشرطة التركية جثث مهاجرين سوريين غير شرعيين، قضوا أثناء محاولتهم دخول البلاد، وترفق الخبر بجملة أن التحقيقات ستتواصل في القضية، من دون أي إشارة لاحتمال قتلهم برصاص حرس الحدود.
المزيد عن أخبار نيريج
أخبار نيريج","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17697}" data-page="1" data-max-pages="1">