الكتاب يضم التحقيقات التي انجزتها شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، حول جذور الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” ومرحلة التأسيس للدولة واعلانها وانتهاءً بانهيارها، الى جانب تحقيقات دولية.
يعرض الكاتب والصحفي جمال بيرة، في كتابه (زمن داعش) الصادر باللغة الكردية في آذار 2019، مراحل ولادة تنظيم داعش وصعوده السريع ومن ثم تراجعه الكبير وبدايات نهايته، وما خلفه من تداعيات سياسية واجتماعية وأمنية.
الكتاب يرصد ويوثق في 390 صفحة من القطع الوسط، التفاصيل الكامنة وراء ولادة التنظيم وبروزه كقوة بلا منافس في عدة محافظات عراقية وسورية بعد سلسلة تصفيات دموية وعمليات تجنيد امتدت لسنوات اعتمدت في الأساس على خطاب طائفي متشدد مكفر للآخر، ومن ثم انطلاقه الدموي المعلن بسيل من الجرائم الكبرى بحق المكونات العراقية والسورية المختلفة.
يقدم الكتاب خلاصات مكثفة للابادات التي قام بها تنظيم داعش ولسياساته الاقتصادية والأمنية ولبنيته التنظيمية ولطبيعة تسليحه، ولرؤيته العقائدية ولتجربته في صناعة الخوف وبث الرعب من خلال اعتماد أعلى درجات الترهيب والقسوة حتى بحق اعضائه، ولاستثماره للصراعات السياسية والمذهبية ولنقاط الضعف والخلل في بنية دول المنطقة للتغلغل والتمدد وشن الهجمات ومن ثم السيطرة على مساحات واسعة من الأرض.
انه يقدم سيرة ذاتية مكثقة للتنظيم الارهابي منذ انطلاقته من رحم تنظيم القاعدة وحتى مرحلة اعلانه لدولته ومن ثم انهياره في العراق على يد القوات العراقية والبيشمركة والحشد وبدعم من التحالف الدولي، وانهاء خلافته في سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية.
الكتاب، الذي يضم عشرات التقارير الاستقصائية والتحقيقات والتقارير الصحفية والمقالات التحليلية، هي حصيلة ما جمعه وترجمه الكاتب من العربية والانكليزية طوال اربع سنوات من عمله اليومي في الصحافة كمترجم وكاتب وصحفي يزور جبهات القتال وينقل قصص المعارك والابادات والاعدامات التي نفذها التنظيم، كما كشاهد عاش جوانب من تلك الحرب وعايش ضحاياها وابطالها.
تحقيقات “نيريج”
ضم الكتاب معظم التحقيقات الاستقصائية والتقارير المعمقة التي انجزتها شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، بشأن تنظيم داعش منذ ولادته ومن ثم هجماته على تلعفر وسنجار واستغلاله للواقع السياسي والاجتماعي في الموصل والأنبار وصلاح الدين والبنية العشائرية في تلك المناطق لتعزيز قوته وبناء هيكلية حكمه وأجهزته القمعية التي مارست الترهيب والتعذيب والقتل على الشبهة طوال خمس سنوات.
وكانت شكبة “نيريج” قد انجزت بين 2013 و2019 اكثر من 20 تحقيقا استقصائيا، من خلال نخبة من الصحفيين والكتاب العراقيين البارزين، والتي وثقت تفاصيل بروز التنظيم الارهابي وتمدده في العراق وسوريا وتداعيات سيطرته على مساحات واسعة من الأرض وتهديده للامن الاقليمي والدولي، وللمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي سيخلفها وراءه.
وانجزت الشبكة التي يعمل فيها نحو 15 صحفيا عراقيا، تحقيقا في 2013 كشفت من خلالها ان معظم مناطق محافظة نينوى محكومة من قبل مجموعات ارهابية (القاعدة- داعش) تعمل من تحت الأرض وان اجهزة الدولة والمؤسسات الادارية والأمنية مخترقة تماما، وان كل الشركات والتجار والمقاولين يقدمون الضرائب والأتاوات للمسلحين الذي يشكلون نظاما اداريا كاملا، ونبهت الى امكانية اعلان السيطرة الكلية على المدينة وان ما يؤخر ذلك هو حسابات خاصة بتلك المجموعات المسلحة.
ويضم الكتاب ايضا العديد من التحقيقات والتقارير التي انجزها صحفيون دوليون بارزون عن التنظيم ومعاركه ودعايته وبنيته التنظيمية وانتماءات قادته وايديولوجيته وطرق تجنيده للمقاتلين وكسبه لولاءات العشائر ورجال الدين عبر سياسات الاغراء والترهيب التي كان يعتمدها.
توثيق الجرائم والابادات
ويغطي الكتاب جرائم التنظيم مع مختلف المكونات العراقية بما فيها ابادة الايزيديين ودفنهم في مقابر جماعية (يصل عددها لنحو 75 مقبرة)، ولجوئه الى سبي الايزيديات والى تجنيد اطفالهم في المعارك، الى جانب عمليات القتل الواسعة في معسكر “سبايكر” والتدمير والتغيير الديمغرافي في تلعفر، فضلا عن سياسات بث الرعب وعمليات فرض الجزية والعقاب والقتل التي انتهجها في المناطق السنية التي سيطر عليها خلال اسابيع بعد سنوات من العمل تحت الأرض.
يقول الكاتب جمال بيرة لـ(صباح كوردستان) عن سبب انجازه للكتاب، رغم المعرفة الدقيقة للعالم كله وللعراقيين بصفحة خاصة بما فيهم الكرد بجرائم التنظيم، ان “الذاكرة البشرية تنسى سريعا وتختلط عليها التفاصيل بعد سنوات ثم تتداخل الاحكام، حيث تؤكد التجارب ان الانسان في دوامة الحياة اليومية وبعد سنوات من الصراعات الحياتية ينسى معظم تفاصيل ما يمر به ويعيشه من وقائع، حتى لو كانت احداث كبرى ومزلزلة كظهور داعش وجرائمه التي ارتكبها”.
ويضيف بيرة، الذي زار مع صحفيين دوليين ومحليين الكثير من جبهات القتال مع التنظيم بين 2015 و2017 والمناطق التي كان يفقدها ووثق عشرات التفاصيل والقصص الصادمة، ان “القليل من الكتاب والصحفيين الكرد كتبوا عن التنظيم تحقيقات وتقارير معمقة ومقالات تحليلية، فاغلب ما كتب كان عبارة عن مقالات رأي وقصص سمعوها، وبوستات إدانة على صفحات التواصل الاجتماعي وبيانات وخطابات تحذير، في حين غابت التحليلات العميقة المبنية على معلومات دقيقة وموثقة”.
لكي لا تضيع الحقائق
ويضيف “بالكاد يمكنك ان تجد كتابا او اثنين بالكردية عن تنظيم داعش، يؤرخ ويوثق لظهور التنظيم، رغم انه سيطر على مناطق واسعة من كردستان وارتكب جرائم كبرى بحق الكرد وهدد بشكل خطير كيان اقليم كردستان في بدايات ظهوره”.
ويتابع بيرة :”الكرد لم يوثقوا الحرب الداخلية في الاقليم بين 1994 و1998 ولم يوثقوا فعليا كوارث الأنفال وحلبجة والهجرة المليونية الا ببضعة روايات ومجموعات قصصية ومقالات سردية، فيما غابت الى حد كبير التحقيقات والتقارير المعمقة كما الأبحاث المعمقة، وحين تعود اليوم الى تلك المراحل الخطيرة في حياة الامة الكردية بالكاد تجد اشياء مكتوبة، ومع مرور السنين نحن الذي عاصرنا تلك الاحداث لم نعد نتذكر الكثير منها ومع عدم التوثيق ضاعت الكثير من الحقائق”.
ويلفت الكاتب الى ان الايزيديين بدورهم و”رغم انهم نشروا مئات القصص عن ما وقع بحقهم من عمليات قتل وسبي وخطف، فان معظم ما كتبوه عبارة عن قصص ذات بعد شخصي او عمليات توثيق رقميه، في حين غابت الى حد كبير عن كتاباتهم التحقيقات والمقالات التحليلية المعمقة التي تبحث في تفاصيل وجذور ما وقع لهم”.
ويستطرد “لذلك وجدت ان من الضروري ان اوثق من خلال متابعاتي المكثفة جزءا من ما جمعته وشهدته خلال السنوات الأربع الماضية، في كتاب يبقى للأجيال المقبلة”، مبينا ان الكتاب بعيد عن “الرؤية الشخصية للكاتب او احكامه الشخصية” فهو يعرض لمعلومات دقيقة جمعها الصحفي بنفسه بحيادية الى جانب ما كتبه ووثقه افضل الصحفيين العراقيين والدوليين خلال سنوات عملهم في تغطية المعارك عن قرب او حتى قبلها عبر ما جمعوه عن التنظيم خلال فترة حكمه للموصل والانبار.
قصص انسانية ومقالات تحليلية
ويضيف بيره، ان الكتاب “يقدم ايضا وقائعا وقصصا انسانية مؤلمة وصادمة على لسان ناجين من مذابح ومعتقلات التنظيم، الى جانب خلاصات تحليلية لظهور التنظيم وطريقة عمله وتمدده السريع ومن ثم تراجعه وانهياره المدوي”.
يقول الكاتب ان داعش ليست صفحة عابرة في تاريخ المنطقة، انها غيرت وجهها بما افرزته من تداعيات تتعلق ببنية الحكم وطبيعة الخطاب الديني وبمستقبل الجماعات السياسية الاسلامية المتشددة وعلى نحو خاص القوى “السلفية الجهادية”، وان تلك الصفحة المرعبة “فرضت وقائع وحسابات سياسية اقليمية ودولية جديدة، وافرزت حقائق حاسمة غير قابلة للتشكيك بشأن استغلال الدين والطائفة من قبل قوى اقليمية ودولية لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية ومذهبية وقومية”.
وينبه الكاتب الى ان “حدثا كبيرا كهذا بما حمله من كوارث كبرى نتيجة ظهور مفاجيء لقوة مسلحة متطرفة تضم آلاف المجندين الذي يتحركون خارج القانون الدولي وبلا اي ضابط اخلاقي… قوة قادرة على تدمير او تهديد حياة ملايين البشر، لا يمكن أن يمر دون كتابة معمقة حوله، لكي تقف الأجيال المقبلة بحذر وتأخذ العبر مما حصل وتمنع من تكرار ذلك في العقود المقبلة .
التغيير الذي لا يمكن اصلاحه
ودعا بيره المراكز الثقافية والصحفية كما المؤسسات البحثية في الجامعات، والكتاب والباحثين ان يقوموا بواجبهم ويسخروا امكاناتهم من اجل انجاز كتب ودراسات عميقة حول ما حصل “ففي كردستان اجتاح التنظيم مناطق واسعة كان يفترض انها محصنة بعشرات آلاف قوات البيشمركة المزودين باسلحة جيدة، وعلى الصعيد الاجتماعي أدت جرائم التنظيم الى ترك أكثر من 350 الف ايزيدي لمناطقهم الأصلية وهجرة اكثر من 120 الف منهم خارج البلاد وتحول الباقون الى نازحين يرجح ان معظمهم سيستقرون في مناطق تواجدهم الحالية ولن يعودوا الى مناطقهم ما يشكل تغييرا ديموغرافيا هائلا لا يمكن اصلاحه، كما ان الامر ينطبق على المسيحيين الذين اصبح وجودهم ككتلة بشرية مهددا في سهل نينوى مع حقيقة غيابهم عن الموصل”.
يذكر ان غلاف الكتاب هو من تصميم هشام شكرجي وشورش غفوري، والصور للصحفي الفوتوغرافي سفين حميد، وهو احد المصورين الذين عملوا لسنوات في الجبهات الأمامية للقتال ونقلوا عشرات من الصور الصادمة لجرائم داعش الى العالم كله.
دروس صحفية
يقول شوان احمد، وهو ناشط مهتم بمجال العمل الصحفي، ان “كتاب (زمن داعش) ليس مجرد كتاب لتوثيق تفاصيل ولادة تنظيم داعش وتعاظم قوته سريعا في لحظة تاريخية من تقاطع المصالح الاقليمية وربما الدولية وتبينها غير المعلن وبدوافع مختلفة لتحركات التنظيم بتطرفه المفرط وأهدافه الراديكالية، ولا فقط لتوثيق جرائم التنظيم التي نفذها بحق شعوب المنطقة وما خلفه من ويلات وخراب اجتماعي ودمار يتطلب اعادة بنائه عقودا من الزمن، بل هو ايضا كتاب يُطلع الصحفي على أساليب كتابة التحقيقات الاستقصائية والتقارير الصحفية ذات البعد الانساني والتي تفتقدها المكتبة الكردية”.
ويضيف ان التحقيقات التي يضمها الكتاب “تجمع بين تقديم المعلومات والوقائع بمهنية وحياد، وبين اللغة الانسانية السهلة والبناء الدرامي القوي، كما ان المقالات التي تضمه هي ليست مقالات رأي مجردة لكتاب بارزين، انها نماذج للكتابة التحليلية العميقة ولابداء الآراء ليس بدافع الانتماءات القومية والمذهبية بل اعتمادا على المعلومات الدقيقة وتحليل الوقائع والغوص في تفاصيل الأحداث”.
ويخلص الى القول ان “الكثير من مواد الكتاب يمكن ان تشكل مرجعا تدريبيا لطلاب الصحافة في الجامعات وفي المؤسسات الاعلامية بشأن كتابة التحقيقات والتقارير ذات البعد الانساني كما المقالات التحليلية”.
ويقول دلير عثمان، وهو مدرس ثانوي، ان على الكتاب الكرد الاهتمام بشكل اكبر بانتاج كتب تحلل اسباب ولادة مثل هذه التنظيمات المتطرفة والأرضية التي تساعد على تمددها وانتشارها وما تشكله من خطر وتهديد، مشيرا الى “نجاح تنظيم داعش في بداياته بتجنيد عشرات الشبان الكرد ما كاد يشكل خطرا كبيرا على الاقليم لولا سرعة تحرك المجتمع الدولي ضد التنظيم وقراره السريع بضرورة تدميره”، مبينا ان “ذلك الخطر ماثل في ظل استمرار امكانية ولادة هكذا تنظيمات ما لم يتم معالجة مسببات ظهورها والقضاء عليها بشكل جذري”.
- نشر التقرير في صحيفة “صباح كردستان” العراقية الرسمية، واعيد نشره في عدة منصات خبرية باللغتين العربية والكردية.
المزيد عن أخبار نيريج
أخبار نيريج","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17656}" data-page="1" data-max-pages="1">