تحقيقات استقصائية: تلعفر .. بوابة الحرب الطائفية التي مزقت وحدة التركمان

تلعفر .. بوابة الحرب الطائفية التي مزقت وحدة التركمان

1200 حالة اختطاف لمواطنين تركمان دخلوا عالم مجهولي المصير نصفهم من النساء والأطفال

نينوى/ تحقيق جعفر التلعفري

ينشغل كريم قاسم، الشاب التركماني ذو الثلاثين عاما والذي يعيش في ضواحي مدينة كربلاء جنوبي العراق، في تجهيز آخر متطلبات “رحلة الخلاص ”كما يسميها والتي يأمل ان تنتهي به الى المانيا، غير مكترث ببقية افراد عائلته الذين يقضون جُلّ وقتهم أمام شاشة التلفاز لمتابعة عمليات تحرير نينوى “ليست هنالك نهاية..الحرب هنا لها أوجه متعددة وستستمر عقودا”.

قاسم الذي نزح من تلعفر مع عائلته في حزيران 2014 الى المدينة المقدسة عند الشيعة، كان يتحدث عبر السكايب مع صديقه الذي وصل الى المانيا بعد رحلة خطرة عبر خلالها حدود اربع دول، نهض من مكانه سريعا بعد ان تلقى اتصالا من شقيقه الأصغر محمد الذي ينتمي الى احد فصائل “الحشد الشعبي” والتي تقاتل قرب تلعفر لاستعادتها من تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”.

نحو 200 الف تركماني شيعي آخر نزحوا في ذات التاريخ وخلال ساعات متجهين جنوبا تاركين المدينة التي ولدوا فيها وتقاسموا أزقتها متعايشين مع نظرائهم في القومية دون المذهب طوال قرون.

خلال الاتصال، هرب قاسم بوجهه بعيدا عن عائلته محاولا اخفاء دموع التمعت في عينيه، وحاول مرارا ابعاد الهاتف عن وجهه ليمنع شقيقه من سماع دوي الكلمات التي اختنقت في حنجرته “قد لا أراه أبدا، قد لا يعود من هناك… تلعفر قتلت الآلاف من اهلنا وستقتل آلافا آخرين.. منذ سنوات وهم يقولون انهم يريدون تحويلها الى مقبرة لنا”.

يُرجِع قاسم قراره بالرحيل حتى قبل حسم معركة تلعفر واتضاح مسار الأحداث في الموصل معقلي داعش الأخيرين في نينوى المحافظة الشمالية ذات التعدد الديني والقومي والمذهبي، الى غياب أي أمل بالمستقبل، مستذكرا فقدان اثنين من ابناء عمومته خلال اجتياح التنظيم للمدينة “26 عاما من عمري تلاشت بين سنوات الحصار والفقر وسنوات الحرب والخطف.. آخرون خسروا حياتهم في حرب عبثية تبدو بلا نهاية، ويسألونني لماذا تريد الرحيل!”.

يوافقه الرأي عباس محمد، الذي يعيش منذ عامين ونصف مثل عشرات آلاف الشيعة التركمان في حسينيات ومواقع ايواء مؤقتة في جنوب العراق، في انتظار عودة قد تتطلب سنوات “قبل سيطرة داعش على تلعفر لم نكن افضل حالاً، فعلى مدى عشر سنوات كانت التفجيرات تتوالى كما عمليات القتل على الهوية… كنا في سجنٍ كبيرٍ، والوصول الى الموصل القريبة كانت مغامرة قد تدفع حياتك ثمنا لها”.

يؤكد محمد، ان الحرب الطائفية حولت الجميع الى ضحايا محتملين للجماعات المتطرفة “كان التحرك في أي تجاه محفوفاً بالمخاطر في محيط يحكمه متطرفون وسط غياب سلطة الدولة، بل ان بعض احياء تلعفر حرمت علينا بعد ان انقسمت المدينة مذهبيا”.

يضيف وهو يعرض عبر هاتفه صور اقربائه الذين قتلوا أو فُقدوا قبل ان يغالبه البكاء “هذا والدي، خلال هجوم داعش رفض أنْ نغادر المدينة كسائر الناس.. كنا عائلة كبيرة تضم 15 فرداً بينهم سبع فتيات ونسوة، لم تكن هناك وسيلة نقل متاحة للجميع وكان ترك المدينة مشياً أمرا شاقا وخطيرا.. طلب والدي مني ومن اثنين من إخوتي أن نغادر وحدنا لكي لا نكون هدفاً للمسلحين، معتقداً أن الاطفال والنساء في أمان ولن يتعرض لهم احد”.

فجر ذلك اليوم غادر محمد تلعفر، ووصل قبيل الظهر وعبر طرق جانبية خطرة الى سنجار القريبة حيث يحكم البيشمركة الكردية، ليتصل من هناك بعائلته “ردت والدتي على هاتف والدي، قالت وهي تبكي ان المسلحين هاجموهم وأخذوا والدي وجدي.. بقينا على اتصال مع والدتي حتى اليوم التالي حيث بدأ شخص غريب يرد على الهاتف ويخبرنا أن العائلة محتجزة عنده”.

طوال الأسابيع والأشهر اللاحقة ظل الهاتف مغلقاً “الى اليوم، لا نعرف عنهم شيئاً.. آمل ان يكونوا احياء.. داعش لم يقتل البشر فقط بل دمر كلّ شيء يعود للشيعة، بيوت الكثيرين منهم، والحسينيات والمكتبات وكل ما يتعلق بتاريخهم”.

وثقت مؤسسة إنقاذ التركمان، التي تتابع ملف ضحايا داعش من قتلى ومخطوفين، نحو 1200 حالة اختطاف لمواطنين تركمان جُلهم من شيعة تلعفر على يد تنظيم داعش حتى أواخر نيسان 2016، بينهم 120 طفلاً ونحو 450 امرأة وفتاة.

ينتشر معظم النازحين الشيعة الذين فروا من تلعفر وقرى سهل نينوى، في اكبر واسرع عملية نزوح سجلها العراق الحديث، في الحسينيات على طريق النجف – كربلاء، وفي أماكن معدة أصلا لاستراحة زوار المراقد الدينية، ويستقر آخرون في مخيمات أقيمت على أبواب المدينتين، ويقيم البعض في ناحية الحيدرية (40 كم غرب النجف) وينتشر نحو ألف عائلة في مخيم السيدة رقية (10 كم من مركز كربلاء)، فيما فضل عدد صغير منهم الاستقرار في بيوت مؤجرة داخل المدن بالمحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية.

المختطفون .. عالم مجهولي المصي

يتحدث علي جميل، النازح التركماني ذو الأربعين عاما، وهو يفترش سجادة قديمة في غرفة صغيرة بضواحي مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة والتي استقبلت عشرات الآلاف من سكان تلعفر، عن الساعات الأخيرة لعائلة أخيه المؤلفة من 11 فردا والتي وقعت اسيرة لدى التنظيم أثناء محاولتها مغادرة سنجار والتوجه الى جنوب البلاد “شكلنا قافلة مكونة من 12 سيارة، قصدنا ناحية ربيعة تاركين سنجار التي كانت مهددة بالسقوط بعد تلعفر، لكننا سلكنا الطريق الخاطئ ووجدنا انفسنا في ناحية عوينات.. اكتشفنا ذلك حين ظهرت لنا الرايات السوداء، حاولت السيارات التي كانت تتقدم القافلة الرجوع إلا أنها تعرضت لسيل من النيران ما اجبرها على التوقف في حين تمكنت السيارات المتأخرة من الرجوع وكانت سيارتي بينها”.

وقع البعض في قبضة داعش، وبينهم عائلة شقيق جميل التي كانت تضم ستة نساء وخمسة رجال، وانقطع الاتصال معهم سريعا.

يضيف جميل، وهو يمسح وجهه من العرق بينما أحمر وجهه: كنا مصدومين لا نعرف ماذا نفعل، ونخشى ان نقع بدورنا بيد التنظيم، حتى حضر إلينا شخص من اهالي المنطقة، وأبدى استعداده لمساعدتنا واعادة النساء حصرا دون الرجال، وطلب منا سيارة ليقوم بذلك.

“أعطيته سيارتي، وبعد أقل من نصف ساعة أقفل راجعا، وابلغنا أن المسلحين أخذوا السيارة ورفضوا تسليم من بحوزتهم… منذ تلك اللحظة لا نعلم عنهم شيئا”.

جميل بدا فاقد الأمل بامكانية اللقاء بهم، لكنه اكد عودته لتلعفر حال استعادتها “سأعود عليَّ أجد أثراً يدلني عليهم”.

وتشير معلومات مؤسسة إنقاذ التركمان، ان أغلب الرجال المخطوفين (أكثر من 600 شخص) اعدموا في عمليات قتل جماعية، لكن غالبية النساء والأطفال على قيد الحياة، بينهم من نقل إلى مدينة الرقة السورية، بينما تمكن عدد لا يتجاوز أصابع اليد من الفرار، أو تمكنت عوائلهم من استردادهم مقابل مبالغ مالية وبجهود فردية.

كما وثقت المؤسسة ذاتها، بالأسماء مقتل 416 تركمانياً في نينوى وإصابة 746 آخرين على يد تنظيم داعش في أحداث وقعت بمجمل محافظة نينوى، فالبعض قُتل قبيل معارك اقتحام تلعفر، عندما هاجم داعش المدينة بالهاونات والصواريخ، والبعض قُتل في مواجهات مباشرة مع التنظيم، والبعض الآخر قتل اثناء النزوح من المدينة وبقية المناطق التركمانية الشيعية التي فرّ منها اكثر من 200 الف تركماني ونحو 400 الف ايزيدي، بحسب نواب ومنظمات مجتمع مدني.

الملف المنسي

يصف ناشطون تركمان ملف المختطفات التركمانيات بـ”المأساة المنسية”، مشيرين الى صعوبة التعاطي مع قضيتهن حيث يفضل المجتمع تناسي وجودهن فيما لا تقبل عوائل المختطفات الافصاح عن أية معلومات عنهن، بل ويعتبرون مجرد الحديث عن هذا الموضوع “وصمة عار”، حسب عباس المولى، أحد الناشطين التركمان.

المولى نبه الى خطورة ذلك الموقف على فرص تحرير المختطفات وعلى مستقبلهن، ويلفت الى أن عوائل المختطفات لم يتلقوا أي دعمٍ وطني أو دولي لتحرير بناتهن كما حدث مع الايزيديات، ومع ذلك تمكنت بعض التركمانيات من الفرار والخلاص من معتقلات داعش، ووصلن إلى عوائلهن التي رفضت تقديم أية معلومات عنهن.

ويرى المولى ضرورة توثيق كل ما يتعلق بالمختطفات وتوفير الدعم من أجل تحريرهن، وتأسيس مراكز لتأهيلهن بعد التحرير، وتقديم المتورطين في حجزهن واستعبادهن الى المحاكم الدولية “هكذا نحقق العدالة ونعيد الاعتبار للضحايا وليس بكتمان قصصهن”.

هيمان رمزي رئيسة منظمة “تولاي” لشؤون التركمان، التي وثقت أسماء 850 مختطفاً ومختطفة من التركمان في نينوى، قالت أن العدد أكبر من ذلك، لكن المنظمة تواجه صعوبة بالغة في استحصال المعلومات لعدم تعاون عوائل المختطفات، مشيرة الى توثيق حالات قتل جماعي لتسع نساء تركمانيات بعد اغتصابهن وقتل أزواجهن في قرية “قرة قوين” على أطراف الموصل، والى قصص مأساوية كثيرة يفضل عوائل الضحايا حبسها في صدورهم لأنها “تزيد آلامهم” في مجتمع تحكمه قيم عشائرية.

رمزي أشارت الى وجود حالات هروب من معتقلات التنظيم “اطلعنا على اكثر من حالة، بينها تمكن 18 فتاة وامرأة من الهرب، الا أن أغلبهن توفين على الطريق الذي تطلب عدة ايام من المشي، وبينهن كانت امرأة حامل توفيت مع جنينها.. لم تصل سوى خمس منهن، اثنتان يتواجدن في كركوك، واثنتان في سفرة علاج نفسي خارج العراق”.

وبدورها لفتت إلى عدم تبني أية جهة قضية المختطفات التركمانيات كما حدث مع الايزيديات رغم تقديم كل المعلومات الموثقة إلى الجهات المعنية في الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان “طرقنا كل الأبواب لكن دون جدوى .. بل لم تشكل لجنة للتحقيق والبحث الجاد في القضية، لذا هو ملف مجهول رغم كل ما يحمله من مآسي”.

ناشطة تركمانية فضلت عدم الاشارة الى اسمها، لخصت واقع المختطفات بالقول “لا أمل لهن بالعيش حتى بعد النجاة من داعش”.

تجنيد اطفال

لم يتوقف التنظيم عند قتل الرجال والمراهقين ممن تجاوزوا الـ 13 عاما، وسبي النساء باعتبارهن “كفرة”، فأعدّ للأطفال مصيراً مشابهاً حين عمد الى اقحامهم في معسكرات تدريب وتأهيل ديني ونفسي ليكونوا قنابل موقوته في معاركه.

يقول نائب رئيس الجبهة التركمانية، البرلماني حسن توران، ان التنظيم أدخل في مطلع تموز الماضي 25 طفلاً تركمانياً في معسكر تدريبي، بعد ان كانوا محتجزين في دار الأيتام في الموصل، كما اختطف أربعة من أطفال النائبة السابقة إيمان محمد يونس السلمان وهي سنية من تلعفر تم قتلها مع زوجها في تشرين الأول 2014 ورُميت جثتيهما على بئر “علو عنتر” شمال تلعفر، حيث كان يقوم التنظيم بإلقاء اغلب جثث ضحاياه في بداية سيطرته على المدينة. وتمّ لاحقاً إطلاق سراح اثنين من اطفالها وما يزال مصير الطفلين الآخرين مجهولاً.

السلمان، كانت نائبة في أول دورة للبرلمان العراقي، وتفرغت فيما بعد لإدارة منظمة (الملاك) الإنسانية التي كانت تُعنى بقضايا الأرامل والأيتام، وكان عملها السياسي وترشحها للانتخابات البرلمانية الاخيرة ضمن قائمة (متحدون للاصلاح) عن الجبهة التركمانية العراقية “حجة” كافية لقتلها.

بوابة الاستعباد

مثل آلاف الشيعة التركمان الذين ينتظرون استعادة تلعفر لمعرفة مصير من اختطفهم التنظيم، فان آلاف العوائل الايزيدية يروادها الأمل بعودة نحو 3500 امرأة وطفل من المختطفين الذين تم سبيهم واستعبادهم، كما يقول المقاتل الايزيدي خليل سنجاري “تلعفر كانت مركزا لاعتقال الايزيديات ومحطة لنقلهم الى الموصل والى الرقة في سوريا، وكانت بوابة لاستعبادهم… المئات من سكانها ومن سكان المناطق المجاورة لها كالبعاج شاركوا في كل الجرائم التي حصلت من قتل وسبي ونهب… لقد سببوا لنا جروحا لن تندمل”.

لكن الآمال تتضاءل، فبعد استرجاع نحو نصف الموصل لم يعثر الا على عدد صغير من النساء والفتيات، وسيعني عدم العثور عليهن في ما بقي من الموصل ولاحقا في تلعفر، ان معظم المختطفات قتلن او اجبرن على الرحيل الى الرقة وديرالزور السوريتين، وهو ما سيعني تلاشي الآمال بعودة غالبيتهن.

يقول مدير دائرة شؤون الايزيدية خيري بوزاني، ان 6413 ايزيديا وايزيدية تم توثيق خطفهم من قبل التنظيم (بينهم 3543 انثى و 2870 وذكر) فيما قتل 1293 شخصا، وتم حتى كانون الأول 2016 تحرير2851 من مجموع المختطفين والمختطفات (بينهم 1492 طفلا وطفلة و1031امرأة و328 رجلا) فيما مازال أكثر من 3562 مختطفا ومختطفة بيد التنظيم (اكثر من 50% منهم من النساء) وان هناك 2745 طفلا يتيماً من الأب او الأم او الاثنين.

وبسبب هجمات مقاتلي داعش، المتهم غالبيتهم بالقدوم من أطراف الموصل وتلعفر ومناطق غربي نينوى، اضطر نحو360 الف ايزيدي من النزوح وترك مناطقهم من مجموع 550 الف ايزيدي في العراق.

ضخامة أرقام الضحايا والمختطفين والمفقودين، تؤشر عمق التحديات التي يُنتظر مواجهتها لاعادة رتق النسيج الاجتماعي الذي مزقه التنظيم، فالايزيديون لم يعودوا لسنجار بعد اكثر من عام على استعادتها، كما مسلمو المدينة من الكرد السنة والشيعة، وهو امر قد يتكرر في تلعفر.

يبدي عبدالله داود، وهو نازح تركماني حطَّ الرحال بكركوك، مخاوفه من المستقبل “لا نعرف كيف ستكون ردود فعل التركمان الشيعة الغاضبين من محاولات داعش محو وجودهم في تلعفر، فقد قتل واختطف المئات وأجبر نصف أبناء المدينة على الفرار ليتحولوا الى نازحين ولاجئين، وجاء التنظيم بمقاتلين من تركيا والقوقاز ومن الدول العربية صاروا قادة المدينة وتحكموا حتى بمصير سنة تلعفر”.

تمزيق النسيج الاجتماعي

المحامي دلوفان برواري، يلفت الى التخريب المجتمعي الذي سيخلفه داعش، وصعوبة اعادة بناء التعايش “هي عملية غاية في التعقيد، وليس حديثا خطابيا يلقى في مؤتمر للمصالحة او مجرد قانون يصدر، والأمر لا يتعلق بموقف اهالي الضحايا فقط”.

يضيف “التنظيم أراد قتل فرص التعايش المستقبلية فضرب النسيج الاجتماعي وورط مئات السنة من اهالي المدينة معه، وسعى لتدمير تاريخ الشيعة ففجّر كل المساجد والحسينيات والمكتبات والمراكز الثقافية العائدة لهم كما منازل الشخصيات السياسية والعشائرية “.

برواري يرى ان “هناك اشياء لا يمكن استعادتها، واخرى ستتطلب سنوات طويلة من العمل في بيئة انقسمت مذهبيا بعد احتلال العراق في 2003 ودخلت سريعا في حرب طائفية اوقعت آلاف الضحايا قبل ان تسكن قليلا بعد 2009، لكن التعايش ظل هشاً في تلعفر الى ان ظهر داعش وقسم أبناء التركمان الى طائفتين متصارعتين “.

ذلك الانقسام يبدو جليا عند العامة من الناس، كما عند النخبة المتعلمة والسياسيين التركمان حتى خارج حدود تلعفر، فقد غلب الاختلاف المذهبي على الوحدة القومية.

يقول الكاتب المهتم بأوضاع الأقليات هَفال محمد “في سنجار المدمرة، ذات التنوع الديني والقومي والمذهبي، معظم السكان يعتبرون العودة جنونا وسط فوضى انتشار التشكيلات المسلحة مختلفة التوجهات والأجندات، فالايزيديون يخشون من تكرر تعرضهم للابادة على يد الجماعات المتطرفة التي تنتشر او تختفي في البلدات والقرى المحيطة وفي البادية القريبة، والمسلمون يخشون من انتقام متشددي الايزيدية الذين خسروا عوائلهم وينتظرون في مخيمات على جبل سنجار وقرب مقابرهم الجماعية أي فرصة للانتقام .. الكل خائف من الكل في مشهد سيتكرر في تلعفر بشكل أكثر قسوة”.

ويتساءل محمد “بعد كل التمزيق الذي أحدثه داعش والضحايا الذين سقطوا، كيف يمكن اقناع المتصارعين من ضحايا ومتورطين في الجرائم بالعودة للتعايش المشترك في فترة ما بعد طرد التنظيم؟.. وكيف يمكن اقناع الشيعي بالعودة من الجنوب الى تلعفر وانه لن يُهدد مجددا في وجوده؟… وكيف يمكن اقناع السني بأنه لن يكون ضحية لسطوة القوى الشيعية التي تريد ان تحكم المدينة وتجعلها معقلا شيعيا يطل على سوريا؟”.

وسط قتامة المشهد الذي تشكله الحروب الطائفية، يصرّ عباس محمد على رفض فكرة الرحيل عن نينوى “نعم لن يكون بامكاننا استرداد حياتنا المفقودة وتناسي قتلة أهلنا، ولن يكون بامكاننا تغيير محيطنا، لكن هذا لا يعني ان نترك كل شيء خلفنا”، فيما يتسلل كريم قاسم ومئات آخرون من شيعة وسنة تلعفر وايزيدي سنجار، عبر الحدود الدولية بحثاً عن حياة افضل خارج خارطة النار المشتعلة منذ 13 عاما.

* انجز التحقيق بدعم من الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية “نيريج”.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17512}" data-page="1" data-max-pages="1">