تحقيقات استقصائية: الايزيديون بعد داعش .. مهاجرون في رحلة “الحياة او الموت” بحثا عن وطن آمن

الايزيديون بعد داعش .. مهاجرون في رحلة “الحياة او الموت” بحثا عن وطن آمن

سامان نوح – باسم فرنسيس:

“قد تكون رحلتي الأخيرة في هذا العالم… قد تكلفني حياتي وتكلف عائلتي كل ما ادخرته خلال سنوات، لكني سأمضي علني أجد أرضاً تحفظ كرامتي وإنسانيتي.. أرضاً خير من وطن يُهدد فيه كل يوم وجودي”.

كانت تلك الكلمات الأخيرة، للشاب الإيزيدي داود حسو، قبل ان يودع رفيقه المسلم احمد سليمان، وهو في طريقه الى العاصمة التركية انقرة ومنها الى الحدود التركية البلغارية، في هجرة غير شرعية يفترض ان تنتهي به في المانيا، الوجهة الأولى لعشرات آلاف الايزيديين الباحثين عن وطن آمن، بعد أكثر من عام على عمليات الابادة التي تعرضوا لها في أرضهم التاريخية بسنجار وسهل نينوى التي “غزاها جنود” ابو بكر البغدادي.

رحلة “الحياة او الموت” كما يقول حسو تمثل “الخلاص الأخير للايزيديين من محنهم التي تستمر منذ عقود واليوم قد بلغت محطتها الأخيرة” مع استيلاء تنظيم “الدولة الاسلامية” على مناطقهم وتحويلها الى جزء من “ارض الخلافة” التي لا مكان فيها للايزيديين المصنفين “ككفرة” والذين تعرض نحو ثلاثة آلاف منهم للقتل في عمليات ابادة جماعية، وتم احتجاز نحو اربعة آلاف غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب نشطاء ومسؤولين ايزيديين.

وسط دهوك، في منزل الايزيدي خيرو، رفيق حسو في رحلته الى المجهول، كانت والدته تجلس بصمت في اقصى زاوية صالة المعيشة، التي عرضت فيها العائلة كل ما يصلح للبيع، بينما وقفت سيدتان بعباءات طويلة سوداء، تعاينان سجادة وطقم من الأواني المنزلية ترغبان بشرائه وتصران على خفض سعرهما.

قال خيرو، بعد ان رفضت والدته الكلام وغطت وجهها بطرف غطاء رأسها “سنبيعها بأي ثمن لتأمين سفر معظم افراد العائلة، لكل قطعة منها ذكرى لدى والدتي، لكن لم يعد لها أهمية”.

350 الف ايزيدي، ممن تمكنوا من الفرار قبل وصول التنظيم المتطرف الى مناطقهم، يواجهون ظروفا صعبة في مخيمات مؤقتة بمدن كردستان، تفتقد للكثير من مقومات الحياة في ظل درجات حرارة ترتفع صيفا الى ما فوق الخمسين وتهبط شتاء الى مادون الصفر، بلا امل في عودة سريعة مع استمرار سيطرة داعش على سنجار وكامل مجمعاتها الجنوبية فضلا عن التهديد المستمر لمجمعاتها الشمالية التي استعادتها قوات البيشمركة نهاية 2014.

غياب الأمل بعودة سريعة، والخوف من مستقبل التعايش مع محيط اسلامي متشدد “شارك في ابادتهم، ويرفض وجودهم وثقافتهم” الى جانب الفقر والبطالة المنتشرة في المخيمات، يدفع معظم الشباب الايزيدي للتخطيط للهجرة خارج البلاد، كما يقول الناشط الايزيدي حسن عكو، مبينا ان “معدلات الهجرة تتصاعد من خلال شبكات المهربين عبر الحدود الشمالية الغربية لتركيا ومافيات الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط”.

خلات سمو، ايزيدي آخر، يستعد للهجرة الى المانيا، قال وهو يستعيد الساعات الأولى لسقوط مدينته سنجار بيد تنظيم “داعش” في 3 آب 2014 “كنت محظوظا يومها، فقد نجوت مع عائلتي من عمليات القتل العشوائية التي نفذها جيراننا المسلمين، كما كنت محظوظا حين نجوت من الموت جوعا وعطشا في جبل سنجار حين حاصرنا التنظيم عشرة ايام، لكني لا اعرف هل سيحالفني الحظ في رحلتي الجديدة ام انها ستسجل نهايتي”.

معدلات هجرة مخيفة

تتعدد مخاطر الهجرة غير الشرعية التي تتم إما عبر تخطي البحار أو البراري، مع احتمالت التعرض إلى النيران من حرس الحدود و”جشع مافيات الهجرة” التي لا تتردد في اللجوء إلى القتل عند تعرض مصالحها للخطر، لكن “سمو” مثل آلاف الايزيديين، متمسك بخوض تلك المغامرة “سأمضي بحثا عن وطن أستعيد فيه كرامتي المسلوبة، ولعلي أمحي عن ذاكرتي قصص القتل والخيانة والسبايا والموت عطشا”.

وفق استبيان، اجرته في حزيران (يونيو) الماضي مؤسسة ايزيدية في بلدة الشيخان التابعة لاقليم كردستان، حيث يعيش الايزيديون الى جانب المسلمين، يهاجر نحو ثلاثة آلاف ايزيدي شهريا من كردستان، وهو معدل يكفي لانهاء الوجود الايزيدي خلال سنوات قليلة.

الاستبيان اوضح ان 96% من الايزيديين يرغبون في الهجرة الى اوربا، تاركين ارضهم ومعابدهم ومزاراتهم الدينية وإرثهم التاريخي.

هذه الأرقام تتطابق مع ارقام ومؤشرات مديرية شؤون الايزيديين في حكومة كردستان، التي تتحدث بدورها عن هجرة 100 ايزيدي يوميا من الاقليم. ويقول هادي دوباني، وهو مسؤول في المديرية، ان نحو “40 ألف كردي ايزيدي هاجروا من كردستان خلال الأشهر الستة الاولى من العام 2015”.

دوباني أكد أن معظم المهاجرين هم من الشباب، مرجعا السبب الى فقدانهم للأمل “هم لا يجدون فرص للعمل، ومدنهم ماتزال تخضع لسيطرة داعش، ومن غير المعلوم متى يتم تحريرها، ووضعهم سيء في المخيمات”.

الدوافع الكامنة للهجرة

يقول جاسم خديدا، الذي كان يُحول مبلغا من المال الى الليرة التركية في سوق صرف العملات بمدينة زاخو الحدودية مع تركيا “لم يعد أمامي خيار آخر، ادرك مدى خطورة هذا القرار، لكن لم تعد تربطني صلة بهذا الوطن”، يصمت وهو يطأطئ رأسه ويطالع اوراقه الشخصية التي استنسخها للتو وبينها الجواز العراقي.

خديدا، الذي تجاوز الخمسين من عمره، كان يمسد بين فترة واخرى لحيته وشواربه الكثة، اعتبر ما حصل لهم خيانة لن تنسى “تعرضنا لطعنتين من الأمام والخلف، واحدة من سكان بعض القرى العربية التي غدرت بنا، والثانية من بعض القادة العسكريين المشرفين على أمننا والذين قرروا الانسحاب وعدم الدفاع عنا وسلموا مصيرنا بأيدي عصابة همجية، كيف يمكننا ان نعيد الثقة مجددا، انها الابادة 73 التي نتعرض لها على هذه الأرض”.

يقول المؤرخون الايزيديون إن الشعب الايزيدي تعرض لـ 72 حملة ابادة جماعية لتغيير دينهم، كان آخرها على يد العثمانيين مطلع القرن العشرين، قبل ان يأتي تنظيم داعش وينفذ الابادة الجديدة التي يقدر نواب ونشطاء ايزيديون عدد ضحاياها بنحو ثلاثة آلاف رجل قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية مع سبي أكثر من أربعة آلاف امرأة وطفل مصير نحو الفين منهم مايزال مجهولا.

جمال، وهو ابن عم خديدا، وأحد الذين يستعدون للهجرة، قال “اريد ان انسى الأرض التي زرعنا فيها الخير وحصدنا الموت، وان انسى الأرض التي نزحنا اليها هربا من داعش لكنا بقينا فيها مواطنين منبوذين تطاردنا العيون.. هي تلومنا لأننا نحاول الحصول على فرص عمل بأجر اقل لكي نمنع عوائلنا من شر الحاجة والتسول”.

الناشطة الإيزيدية نارين شمو ترى أن “الاضطهاد الديني، والمضايقات، والحياة الصعبة في المخيمات، وعدم الشعور بالأمان نتيجة فقدان الثقة بالحكومتين الكردية والاتحادية التي أخفقت في حمياتهم” تدفع بالايزيديين للهجرة.

وتقول شمو “من الاجحاف التعامل مع الإيزيديين كنازحين أو لاجئين عاديين، هؤلاء تعرضوا للترهيب والذبح الجماعي، وذاقوا الموت تحت الحصار في الجبل، وفقدوا أحباءهم الذين ما يزال بعضهم مجهول المصير، ومع كل ذلك، يواجهون الإهانة حين يحتجون على أوضاعهم الإنسانية”، تقول شمو “هذا يولد اليأس في نفوس الجميع”.

كماشة مافيات التهريب

وتتحدث شمو، التي كرست حياتها لمتابعة أوضاع الايزيديين الانسانية منذ 3 آب 2014، عن السبل المتبعة نحو الهجرة، بأن “الايزيديين فروا بملابسهم وفقدوا كل ما يملكونه، بعض العوائل تحصل على المال من اقاربها في المانيا لتمكين احد افرادها من الهجرة، والبعض يقترض، وهؤلاء يضعون كل تلك الاموال في أيدي مافيات التهريب الجشعة ومن دون ضمانات، يحدث ذاك في مخيمات تركيا ايضا، والجميع بما فيهم النساء والأطفال يواجهون مصيرا مجهولا”.

الناشطة الإيزيدية رصدت في زيارة لها إلى ألمانيا، وصول نحو 30 إيزيديا إلى ذلك البلد بمعدل شبه يومي، عبر رحلات غير شرعية خطرة تتطلب احيانا المشي والمبيت في الغابات لعدة ايام ومواجهة حرس الحدود، او ركوب قوارب صغيرة يكدس فيها اللاجئون وتواجه الغرق بشكل شبه يومي. “قابلت شابين في مدينة كوتنكن، تحدثا عن رحلة قطعوا فيها عشرات الكيلومترات مشيا على الإقدام، بعد ان تم المتاجرة بهم من قبل عصابات التهريب، ورغم الموت الذي واجهاه اعتبرا ما حصل لهما مغامرة تستحق خوضها، للخلاص من مستنقع العراق”.

الشابان كانا ينتظران وصول 40 آخرين من أصدقائهم وأقربائهم الذين دخلوا تركيا لخوض ذات الرحلة دون ان يلتفتوا وراءهم. وتصف شمو ذلك بالمأساة “تترك أرضك وحياتك وتاريخك، وتمضي نحو المجهول”.

مديرية الشؤون الإيزيدية في كردستان، تقر بأن الوضع سيء. وتعتبر ان “ناقوس الخطر دق” مع تسجيل حالات لأسر تسكن مناطق لم تسقط بيد تنظيم داعش بدأت “ببيع ممتلكاتها استعدادا للرحيل”، محذرة من تداعيات الهجرة اليومية “لقد أصبحت ظاهرة، وهي في تصاعد، خصوصا مع تقديم بعض الدول الأوروبية تسهيلات لاستقبال اللاجئين”.

خيري بوزاني مسؤول الشؤون الايزيدية بوزارة الأوقاف بحكومة كردستان يرى إن “النظرة التشاؤمية تحيط بمخيلة الشباب الإيزيدي الذي يعاني الإحباط بعد أن أصبح نازحا مجردا من كيان وحياة كريمة، هو لم يصحو بعد من هول ما يعتبره خيانة وطعنة من الخلف تلقاها من بعض سكان القرى العربية، ولم يعد يثق بامكانية التعايش التي كانت سمة المكونات لعقود من الزمن قبل غزوة داعش”.

ويرى بوزاني أن ظروف النازح الإيزيدي في مدن الإقليم أفضل نسبيا من أقرانهم المقيمين في المخيمات بتركيا “الاوضاع الإنسانية هناك مزرية، ما يدفع النازحين وخصوصا الشباب للبحث عن أي وسيلة للتوجه نحو اوروبا، حتى لو واجهوا الموت، ما يجعلهم يقعون ضحية مافيات التهريب، البعض يخسر أموالا طائلة، وآخرون يفقدون حياتهم غرقا او على الطرق البرية، وقد سجلت العديد من حالات الموت والاختفاء”.

الوقوع في الشرك

ويكشف محمود ماردين المختص في شؤون ديانات الشرق القديم والأقليات، عن “ارتفاع متصاعد للهجرة في وسط الشباب الإيزيدي، من تركيا إلى اليونان بحرا ولاحقا إلى إيطاليا، من خلال شبكات تهريب البشر، والتي غالبا ما تستخدم مراكب غير صالحة للأبحار تكون مهددة دائما بالغرق، لينتهي حلم الهجرة الى ظلمات البحر وتتحول أجساد اللاجئين الى طعام للأسماك”.

ويشير ماردين، الذي يتابع عن قرب موجات الهجرة الجديدة من كردستان، الى استخدام بعض المافيات طرقا برية لا تقل خطورة عن الرحلات البحرية، يقع فيها المهاجر فريسة لاستغلال المهربين الذين يتخلون عنهم مع اول تهديد يتعرضون له، لينتهي بهم الى الاعتقال او الاختفاء في ظروف غامضة، او حتى الموت”.

ويتحدث ماردين عن خيار ثالث للهجرة وهو “إقدام الكثيرين على شراء تأشيرة التنقل الأوروبية (شنغن) بمبالغ تترواح بين 9 آلاف إلى 12 ألف دولار، تكون عادة قابلة للزيادة من قبل المهرب بعد أن يكون المهاجر قد دخل مراحل متقدمة من الهجرة لا يستطيع التراجع عنها”.

ماردين انتقد اهمال سلطات الاقليم وبغداد لظاهرة هجرة الايزيديين وبقية المكونات الصغير كالمسيحيين، مبينا ان وجودها على ارضها التاريخية اصبح مهددا فعليا، فالنزيف يستمر والجميع يتفرج “في تركيا، حاول نحو ثلاثة آلاف لاجيء ينتشرون في مخيمات اللجوء في جنوب شرق تركيا بما فيها ديار بكر، قبل اسابيع النزوح بشكل جماعي نحو بلغاريا في محاولة يائسة للنجاة من اوضاعهم السيئة، لكنهم واجهوا الضرب والاهانة والجوع ليومين قبل ان يتم اعادتهم بالقوة الى المخيمات مجددا”.

يرجع الناشط والكاتب الصحفي الايزيدي خدر خلات، احد أسباب الهجرة الى تأخر عملية تحرير مناطق الايزيديين “أصابهم ذلك باليأس بعد عام من الحياة تحت الخيم وبلا افق للخلاص في وقت تتحدث بعض القوى الدولية عن حرب تمتد مع داعش لعشر سنوات، هذا دفع معظم الشباب للبحث عن اي وسيلة للهجرة الى اوربا”.

خلات يتفق مع رؤية ماردين من أن المهاجرين يواجهون “أبشع أنواع الاستغلال من المهربين”، مبينا ان “الرحلة تكلف نحو 10 آلاف دولار أميركي في المتوسط، ويتحدد المبلغ وفق سهولة وصعوبة الرحلة ومدى خطورة الدروب التي يتم سلكها”.

وتنشط شبكات المهربين ومافيات الهجرة بنقل المهاجرين عبر الحدود الشمالية والغربية لتركيا، او من خلال البحر.

سعدون مجدل، إيزيدي عايش الأوضاع في مخيم نصيبين في تركيا “البعض خاطر بعبور البحر إلى اليونان كونه أرخص من التسلل إلى بلغاريا ومنها الى صربيا في طرق لا تخلو من مخاطر مواجهة الحيوانات المفترسة او السامة في الغابات أو الموت بسبب البرد، البعض تعرض للضرب وتهشمت أطرافه على يد حرس الحدود البلغاري، الى جانب الترهيب بواسطة الكلاب البوليسية”.

الموت برا او بحرا

يحكي الشاب الايزيدي مردان شنكالي، من مجمع زورافا التابع لسنجار، كيف فقد شقيقه مع اثنين من رفاقه خلال رحلتهم إلى بلغاريا “أصر على الهجرة، رغم سوء احوالنا المادية، والعائلة أيدته عله يصل ويساعدنا على اللحاق به.. تمكنا بعد اشهر من جمع ستة آلاف دولار لرحلته.. لكنه لم يصل أبداً، انقطعت اخباره، وبعد ايام عثر بعض المعارف على جثته، كانت تحمل آثار كدمات وجروح في الرأس والبطن”.

لكن مصير آخرين كان افضل فقد تعرضوا للسلب فقط من قبل قطاع الطرق، بحسب دلير محمد، الذي ينقل بسيارته الكثير من الايزيديين الراغبين بالهجرة الى تركيا “عليك توقع اي شيء على هذه الطرق حيث تنتشر المافيات التي تتاجر بالبشر وبكل الممنوعات”.

يؤكد تلك الصورة المرعبة كمال سعدو، وهو من مدينة سنجار “بعد اسبوع من الانتظار، قال المهرب ان علينا التحرك سريعا، وحين وصلنا الى الحدود قيل ان هناك انتشار لحراس الحدود البلغاريين، بقينا في الغابة يومين ونحن ننتظر، المهرب اختفى فجأة، والحرس اكتشفوا وجودنا فلم نكن نعرف مخرجا من الغابة، تعرضت ساقي للكسر بعد أن هاجمتنا الكلاب البوليسية واجبرونا على العودة، لم اكن استطيع السير لكن الشرطة التركية انقذتنا”.

ويروي شاب آخر من مجمع خانصور التابع لسنجار تفاصيل نجاته من الموت في رحلته الى اليونان “توجهنا من تركيا على متن مركب صغير كان يحمل 90 شخصا، المركب غرق بعد خروجنا بدقائق، لكننا كنا محظوظين فالشرطة التركية انقذتنا، هناك عشرات لم يحالفهم الحظ”.

احد ‏المهربين، الذي نجح في ايصال سبعة ايزيديين الى المانيا، بعد رحلة خطرة استغرقت اسبوعين، قال “نأخذ من كل شخص مبلغ يترواح بين 7 الى 10 آلاف دولار حسب خطوط ‏التهريب .. الطلبات كثيرة جدا، والمهربون الذين تعثرت اعمالهم خلال السنوات العشر الماضية، يعيشون اوج ازدهار تجارتهم”.

التطمينات والشعارات

يقول الناشط سردار علي، الذي يتابع هجرة الاقليات الى المجهول “شعارات التعايش وخطب التطمينات والكلام عن ‏المساواة و‏المواطنة والحياة المشتركة التي تطلقها السلطات في العراق، لن يوقف الهجرة”.

“الايزيديون كما باقي الاقليات محبطون، يشعرون انهم منسيون بعد أكثر من عام على الكارثة، لقد خسروا ارضهم وما جمعوه خلال عقود، وفقدوا الكثير من احبتهم”.

ويكشف علي عن قلق يسود المجتمع الايزيدي من نظرة المسلمين لهم كمواطنين من الدرجة الثانية “هناك من يجاهر بعدم جواز التعاطي اجتماعيا مع الايزيديين ولا زيارتهم او تناول طعامهم، يمكنك ان تسمع فتاوي رجال الدين حول ذلك، ويمكنك ان تكتشف ان الايزيديين هنا لا يستطيعون العمل في قطاعات كثيرة، وان عملهم يتركز في مجال الخدمات.. هذا التمييز المجتمعي يشعر به كل ايزيدي”.

تلك النظرة تمتد الى السلطة ذاتها، بحسب علي “تشكيل بعض الايزيديين لحزب يُواجه بموجة شكوك حول الأهداف وبالكثير من العراقيل السياسية والأمنية… وحديث بعض الايزيديين عن تشكيل قوات خاصة بهم لحماية مناطقهم بعد تحريرها يُنظر اليه كجريمة تهدد وحدة وأمن الاقليم”.

ويرى علي أن “اختيار وجوه ايزيدية ومسيحية، وزجها في ‏الأحزاب الحاكمة ومنحها بعض المناصب الصغيرة، والحديث عن احتضان الأقليات ومداوات جراحها، أمور شكلية لا تحل العقد المستعصية.. ربما استتباب الأمن وتحسن الاقتصاد سيخفض معدلات الهجرة، ويغري الكثيرين بالبقاء، لكن القلق من المستقبل سيظل ماثلا في ذهنية الايزيدي طالما احس انه مواطن من الدرجة الثانية، وطالما كانت القيم الاجتماعية والثقافية مشوهة”.

مآلات الموت والفناء

يحذر عضو سابق في مركز (لالش)، الذي يعد ابرز مركز ثقافي للايزيديين بكردستان، من نهاية وجودهم “الوضع كارثي، الكل يفكر بالهجرة، ولا رادع فالمستقبل غامض.. بعد سنوات لن تجد هنا غير كبار السن”.

العضو الذي رفض كشف اسمه، خوفا من ان يناله لوم السلطات، قال “الشباب يائسون، لم يعد يؤمنون بان هذه الأرض يمكن ان تتقبلهم وتتفهم خصوصيتهم، كل من لديه خمسة آلاف دولار يخطط للهجرة، الفقراء والأغنياء على حد سواء.. اسطنبول وادرنة والعديد من المدن التركية صارت محطات لهجرتهم النهائية”.

فناء الايزيدية من على أرضهم التاريخية، اعتبره صحفي ايزيدي يستعد للهجرة، أمراً حتمياً “نعم استمرار الهجرة بمعدلاتها الحالية سيعني نهاية وجودنا على هذه الأرض، لكن هل من خيار بديل؟.. نحن بين فكي ظلم داعش والمتشددين، ومجتمع لا يعير أهمية لخصوصيتنا”.

الصحفي الذي يعيش منذ اشهر في غرفة صغيرة بهيكل مبنى قيد الانشاء في ضواحي دهوك، قال وهو يضع بين ركبتيه طفلته التي ولدت بعد أسابيع من “غزوة داعش”، بينما جلست والدته الى جواره بملابسها الايزيدية البيضاء “نحن هنا نعيش في نفق مظلم بلا بصيص نور، لدينا آلاف القتلى ينتشرون في عشرات المقابر الجماعية، ونحو الفي فتاة مجهولة المصير، والعالم يتفرج ويتحدث عن خطط حرب تمتد خمس سنوات، الخيار الوحيد يكمن في إنقاذ مستقبل الناجين والهجرة نحو عالم آمن”.

أنجز التقرير من قبل شبكة “نيريج” بالتعاون مع منظمة دعم الإعلام الدولي (IMS).

***********

نشر هذا التقرير بشكل مختصر في صحيفة الحياة بتاريخ ٩ أغسطس/ آب ٢٠١٥

http://www.alhayat.com/Articles/10472991/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B7%D9%86-%D8%A2%D9%85%D9%86—-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%AA%D8%A8%D8%AE%D8%B1%D8%AA

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17457}" data-page="1" data-max-pages="1">