تحقيقات استقصائية: عام على الكارثة… المسيحيون العراقيون بين نار البقاء أو الهجرة نحو المجهول

عام على الكارثة… المسيحيون العراقيون بين نار البقاء أو الهجرة نحو المجهول

سهل نينوى/ باسم فرنسيس – سامان نوح :

بعد ألفي عام من العيش المشترك والعبادة والتراتيل، لم يعد لهم وجود هناك، ولم تعد تدق أجراس كنائسهم، بعد ان حولتها دولة “الخلافة الاسلامية” الى مخازن للتموين والعتاد، وأنزلت صلبانها واحرقت كل ما وقع بين ايديهم من كتبها وكنوزها الموغلة في التاريخ.

يستعيد مسيحيو بلاد ما بين النهرين، مشهد اقتحام مقاتلي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» في حزيران (يونيو) 2014، مدنهم وقراهم بسهل نينوى، فارضين شريعة لا تؤمن بالمساواة في الحقوق، وضعت مواطنين تمتد جذورهم في تلك الأرض آلاف السنوات أمام خيارات محددة: إما إشهار إسلامهم أو دفع الجزية أو المغادرة، بعد تجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم.

خلال ساعات كان امراء الفتاوى الشرعية قد حسموا أمرهم وخلفهم مئات المقاتلين الطامعين بخيرات الغزوات، ولم يجد عشرات الآلاف من مسيحي الموصل وسهل نينوى، خياراً أمامهم للخلاص، غير النزوح سريعا إلى مدن إقليم كردستان القريبة، ليخلفوا وراءهم أرض الأجداد التي احتضنتهم لقرون.

منذ ذلك اليوم يواجه مسيحيو نينوى الذين تقدر أعدادهم بنحو 130 ألف شخص، أوضاعاً إنسانية صعبة، إذ يعيش معظمهم في مخيمات او مبانٍ قيد الإنشاء، تفتقر إلى مقومات السكن، وتحت أعباء ظروف اقتصادية متردية، ومعدلات بطالة مرتفعة.

ويعتبر هؤلاء ما يتلقونه من مساعدات عبر الكنائس والمنظمات الإنسانية، مجرد حلول انسانية لمشكلة كبيرة تتعمق يوما بعد آخر وتتعلق بمصير شعب.

يقول الخمسيني يوسف حنا : «كنا في الموصل قانعين نمارس حياتنا اليومية رغم الاستقرار الهش، لكننا اليوم فقدنا ذلك البصيص من الأمل وخسرنا كل ما جنيناه في تعب السنين، وهنا نحتار بين البقاء الذي نفتقر فيه إلى أبسط الحقوق، أو الهجرة التي تتطلب أموالاً طائلة يصعب تأمينها بعد أن سلب منا آخر قرش”.

حنا الذي كان يسكن في حي شعبي بموصل القديمة حين تنتشر معظم كنائس المدينة البالغة 29 كنيسة، أضاف وهم يمسح عينيه وينظر في وجوه أطفاله الذين جمعهم في غرفة غير مكتملة البناء بمدينة اربيل “لا نعرف مصيرنا، المستقبل غامض، لا يمكن تصور رحلة يصعب تحديد وجهتها، وكل الأبواب قد أوصدت بوجوهنا”.

نزيف الهجرة

ويتحدث زميله الياس عن محنته: «حين خرجنا ذلك اليوم، حصلنا على وعود وتطمينات بالعودة سريعاً، لكننا عشنا شهوراً مريرة، البعض لم يكن يملك ثمن شراء الدواء، وها قد مر عام ولم يتغير شيء، هل من أحد يمكن أن يحدد شكل المستقبل الذي ينتظرنا؟ وهل يمكن أن نجد من نصدقه؟».

ويجمع كثير من المسيحيين على أن الشعور بـ «اليأس» من الحاضر والمستقبل، نتيجة الشرخ الذي أصاب النسيج الاجتماعي ومع التوترات الاقتصادية والسياسية وغياب حاضنة للمسيحيين، كلها عناصر حاسمة لدفع أبناء الديانة إلى الهجرة.

تشير تقديرات كشف عنها رجال دين مسيحيون ومنظمات حقوقية، في نيسان (أبريل) 2015، إلى أن نحو 5 إلى 7 أسر مسيحية تهاجر بمعدل يومي من كردستان التي استقبلت الفارين من الموصل ومناطق سهل نينوى. ويحذر رجال دين مسيحيون ومن خلال لغة الأرقام بأن الوجود المسيحي في العراق بات مهدداً فعلاً مع استمرار الهجرة بمعدلات سريعة وفي أعقاب تراجع أعدادهم إلى أقل من 500 ألف، بعد أن كانت تتجاوز المليون ونصف المليون قبل الغزو الأميركي العراق عام 2003.

ويكشف مطران أبرشية ألقوش ميخائيل المقدسي عن “مخطط خارجي يعمل على تشجيع المسيحيين على الهجرة”، محذرا من ان موجات الهجرة المستمرة ألحقت ضرراً بالغاً بالوجود المسيحي “رغم وجود غالبية تتمسك بالبقاء، خصوصاً في سهل نينوى”. وأضاف: «لا نشجع على الهجرة بالمطلق… كما لا يمكننا منعها».

مخاوف متزايدة

مسيحيو إقليم كردستان يشاركون قلق أقرانهم النازحين إزاء المستقبل، ويدور هذا القلق حول استمرار تهديد «داعش» الذي يشارك في الحدود مع الإقليم، إضافة إلى تزايد التشدد الديني وتوسعه، خصوصاً بعد إعلان سلطات الإقليم اعتقال خليتين غالبية أعضائها من الأكراد.

أعضاء إحدى الخليتين اعترفوا بالوقوف وراء تفجير سيارة مفخخة قرب القنصلية الأميركية في ناحية عنكاوا ذات الغالبية المسيحية، وأقروا بأنهم انخرطوا في صفوف «داعش» تحت تأثير خطب لرجال دين من الإقليم، وتزامن ذلك مع إجراءات احترازية اتخذتها السلطات بمنع تداول الكتب الدينية السلفية، ونقل إدارة المدارس الدينية إلى وزارة التربية بدل وزارة الأوقاف.

وينتاب شرائح أخرى في المجتمع المسيحي القلق من صعوبة تحقيق التجانس مع محيط يواجه صعوبة في مواجهة التشدد، في ظل غياب قوانين وتشريعات ومواد دستورية ضامنة لحقوق الأقليات ويضعها في خانة «المساواة»، على المستويين العراقي والكردي.

وبغية تبديد هذه المخاوف تبذل القوى السياسية المسيحية في إقليم كردستان مساعي لضمان حقوق المسيحيين في مسودة دستور إقليم كردستان التي باشر البرلمان الكردي بإجراء تعديلات على بنودها. وينظر مسؤولون مسيحيون إلى المسودة السابقة على أنها «صيغت لتوائم الغالبية الكردية».

دستور مدني

القوى المسيحية تأمل توظيف «التعاطف الدولي» مع محنة المسيحيين، لضمان حقوق هذا المكون والحد من تبعات هجرة أبنائه المستمرة، والتي بلغت معدلات غير مسبوقة طوال تاريخ وجود المسيحيين في وادي الرافدين، وفق ناشطين مسيحيين.

وحصلت الأقلية المسيحية على مقعد واحد من أصل 21 مقعداً في لجنة تعديل مسودة الدستور التي شكلها البرلمان الكردستاني في نيسان الماضي، والتي يفترض أن تعمل وتجري تعديلاتها اعتماداً على صيغة «التوافق» بين القوى السياسية.

رئيس كتلة «أبناء النهرين» في برلمان الإقليم سرود مقدسي، انتقد مسودة دستور الإقليم، قائلاً إن “مضامين المسودة التي أعدت قبل عام 2009 شكلت غبناً وإجحافاً بحق الأقليات، وقد صيغت وبنيت على وجهة نظر كردية بحتة أكثر من كونها كردستانية، باعتبار الإقليم يضم الكثير من المكونات العرقية والقومية والدينية”.

ويوضح “في ديباجة الدستور تم ذكر المظالم التي لحقت بالشعب الكردي، في حين لم يتم التطرق إلى المظالم التي لحقت بالكلدان والسريان والآشوريين، خصوصاً مذابح سميل وصوريا التي تعرضوا لها أوائل القرن الماضي”.

ويرى القيادي المسيحي أن «العلم والنشيد، يجب أن يكونا شاملين وجامعين كلَّ المكونات، وعدم حصره بفئة محددة، لكونهما يرتبطان بمسألة الهوية ودرجة المواطنة، والنشيد الحالي يقول نحن أحفاد (الميديين وكي خسرو)، إذاً ما هو وضع وموقع أحفاد البابليين والآشوريين».

كما ينبه إلى المادة 35 من المسودة التي تتحدث عن حقوق المكونات، قائلاً: «هي معطلة كلياً فهي تشير صراحة إلى الحقوق الإدارية والسياسية للكلدان والسريان والآشوريين بما فيها الحكم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية سكانية. هي وضعت بصيغة غير قابلة للتنفيذ عملياً بسبب عدم وجود تلك الغالبية في منطقة محددة، فمضمون هذه المادة تعجيزي، ويتطلب تعديلها لتكون قابلة التطبيق».

ويدعو مقدسي إلى استحداث مجلس أعلى لشؤون المكونات للمساهمة في تطبيق البنود والمواد الخاصة بحقوق الأقليات سواء في الدستور أو القوانين النافذة، وإلى إجراء تعديلات على مواد الأحوال الشخصية لإزالة الغبن الحاصل، والتشديد على بناء الدستور وفق المبادئ المدنية والعلمانية «للنظر بعين المساواة إلى الجميع».

مقدسي عبّر عن اعتقاده بإمكانية تحقيق غالبية تلك المطالب بالاستفادة من توجهات المجتمع الدولي ورؤيته لإقليم كردستان الذي يريده أن يصبح “تجربة فريدة” في المنطقة بخصوص الديموقراطية وحقوق المكونات.

لكن كثيراً من المسيحيين لا يشاركون مقدسي تفاؤله. يقول فادي كوركيس: «الأحزاب المسيحية لا تملك مشروعاً واضحاً لضمان حقوق المكون المسيحي ولا تحمل مطالب محددة، فهناك خلافات عميقة في وجهات النظر، ومن جهة ثانية مسودة الدستور الكردستاني لن تتغير كثيراً، ولن تكون هناك فرصة لمساواتنا مع الكردي المسلم، كما لن تكون هناك فرصة لإقامة مناطق إدارة مسيحية، معظم السياسيين الكرد يرفضون تلك الفكرة بتاتاً».

وعلى رغم أن مراقبين ونشطاء مسيحيون، يرون عدم جواز حصر أسباب هجرة المسيحيين وربط مصير وجودهم بالتشريعات والقوانين فقط، فإنهم يشددون على تعديل المسودة في الشكل الذي يضمن إنشاء مناطق إدارة ذاتية للمسيحيين، والاتفاق على اختيار نشيد وعلم جامعين لكلَّ المكونات.

يضيف إلى تلك «المرتكزات»، المحامي المسيحي سركون يعقوب، مطالب أخرى تتمثل بإضافة مواد وفقرات جديدة للمسودة تتلاءم والمتغيرات التي طرأت خلال السنوات الماضية، والمتعلقة ببعض القوانين المدنية والأحوال الشخصية، منبهاً: «من دون ذلك لا يمكن طمأنة المسيحيين بشأن مستقبل وجودهم».

خلافات وتشكيلات أمنية متعددة

لا تقتصر مشاكل المسيحيين على تهديدات مقاتلي الدولة الاسلامية المستمرة ولا على التجانس المجتمعي المفقود والحقوق التي يمكن أن تمنح لهم في الإقليم، فهناك أيضاً الخلافات بين القوى المسيحية ذاتها في شأن طبيعة «الحل السياسي والصيغة الإدارية» التي تنقذ وجود هذا المكون وتضمن استمراره في العراق.

تلك الخلافات برزت أخيراً إزاء موضوعة تشكيل قوات عسكرية خاصة بالمسيحيين تتولى تأمين مناطقهم بعد تحريرها من «داعش»، فبعض الأحزاب المسيحية أعلنت منفردة عن تشكيل أفواج عسكرية من المتطوعين، وهو مؤشر على عدم فاعلية تلك الخطوة وتشرذم تلك التشكيلات العسكرية، مع عدم حسم ارتباط تلك التشكيلات بوزارة البيشمركة أو بوزارة الدفاع العراقية أو الحشد الشعبي.

يقول السكرتير العام لحزب «بيت النهرين الديموقراطي» روميو هكاري أن «ما حدث من تهجير للمسيحيين على يد داعش، دفع إلى بلورة فكرة جديدة في برنامج الأحزاب السياسية الكلدو – آشورية، تمثلت بضرورة المشاركة في الجانب الأمني والعسكري بخاصة في مناطق انتشار المسيحيين، ونحن كنا أول من طرح هذه الفكرة على الأحزاب الأخرى بعد الكارثة لتشكيل قوة مشتركة، لكن للأسف لم نفلح، ما دفعنا إلى تشكيل قوة بجهود ذاتية وبشكل قانوني بالمشاركة مع حزب اتحاد بيت النهرين».

الخطوة ذاتها أقدمت عليها قوى مسيحية أخرى، وأيضاً بشكل منفرد سواء بالاتفاق مع حكومة بغداد أو حكومة أربيل.وهو ما يعكس الانقسام السياسي المسيحي حتى في ما يتعلق بأمن مكونهم ومناطقه. فقد أعلنت الحركة الآشورية الديموقراطية، وهو الحزب السياسي الرئيسي للآشوريين في العراق، في كانون الأول (ديسمبر) 2014 عن تشكيل قوة مسيحية للدفاع عن المسيحيين من هجمات تنظيم «داعش» والمساهمة في استعادة الأراضي التي احتلها التنظيم. كما اعلن في بغداد عن تشكيل قوة مسيحية تحت مسمى “بابليون” ضمن تشكيلات ما يعرف بالحشد الشعبي.

تعدد القوى العسكرية والخلافات بشأن دورها والجهة التي تتبعها، لم يخفها هكاري “قوة الأحزاب الكلدو – آشورية هي في وحدتها وطرح مطالبها بسلة واحدة من دون إعطاء ثغرات من شأنها أن تضعف موقفها، هكذا سيكون لنا تأثير أكبر وسيعزز ثقة أبناء المكون، وبعكسه ستظهر آثار سلبية نحن بغنى عنها”.

رغم ذلك يبدي هكاري تفاؤله استناداً إلى “اللقاءات التي عقدت أخيراً بين القوى المسيحية لتوحيد مواقفها وقواها”.

لكن حتى مع توحد تلك القوى، وهو امر مستبعد في الأفق المنظور، فان وجودها على الأرض يظل ضعيفا، الى حد يجعل منها قوة عسكرية شكلية، كما يقول ضابط مسيحي في الجيش العراقي، فضل عدم الكسف عن أمسه، قائلا “في افضل الاحوال ستتألف تلك القوى من بضعة مئات من المقاتلين المحدودي التدريب والتجهيز، وسيكونون محكومين تماما بارادات ومصالح قوى عراقية اخرى مع غياب التأثير السياسي المسيحي”.

استيلاء على ممتلكات مسيحية

كما يواجه المسيحيون، انتهاكات أخرى نتيجة الفوضى الأمنية وضعف القانون، بينها تكرر حالات الاستيلاء على عقاراتهم في بغداد من قبل اناس عاديين او اشخاص متنفذين في الدولة او في الجماعات المسلحة. وتتحدث الأحزاب والمؤسسات المسيحية عن توالي الشكاوى ومنذ سنوات عن عمليات استيلاء على ممتلكات بعض المسيحيين تتم بعدة وسائل بينها اللجوء للقوة لبيع ممتلكاتهم بثمن بخس، او الاستيلاء عليها عبر عمليات تزوير، او بالقوة دون ان يستطيع صاحب العقار رفع شكاوى بالمحاكم خوفا من تعرضه للخطف او القتل.

وفي اقليم كردستان، يشكوا المسيحيون من الاستيلاء على قراهم، وتؤكد كتلة الاتحاد الكلداني السرياني الآشوري في كردستان، وجود تجاوزات كبيرة من قبل بعض المتنفذين على القرى والاراضي الزراعية للمسيحيين.

وتقول رئيس الكتلة وحيدة ياقو ان “الإستيلاء على تلك الأراضي تم بمساندة بعض المسؤولين” رغم ان أصحاب تلك الأراضي “يملكون مستندات قانونية تثبت ملكيتها”. وتؤكد ان المواطنين المسيحيين يرغبون بالعودة إلى مناطقهم في حال “إعادة أملاكهم إليهم”، معتبرة ان ذلك التجاوز يمثل أحد الاسباب الرئيسية لهجرة المسيحيين من الإقليم.

آمال بمستقبل أفضل

يقول رئيس الحزب «الوطني الآشوري» عمانوئيل خوشابا أن الأحزاب المسيحية «بدأت بعقد سلسلة اجتماعات لبحث النقاط المهمة والمتعلقة بحقوق الشعب المسيحي عموماً باعتباره صاحب أرض وأصالة، منها شكل وجوده، وضرورة ذكره كشعب له وجوده وحقوقه في ديباجة الدستور، علماً أن كل المكونات قد تم ذكرها في المسودة السابقة».

وأضاف أن «للمسألة اتجاهين، الأول يتمثل في كوننا مواطنين نملك خصوصية، والثاني يتعلق بالبعد الوطني في شكل عام وأهمية تجسيد المدنية لخلق مجتمع علماني، كما أن مسألة التسمية ستكون نقطة مهمة أيضاً».

وأوضح خوشابا «نحن اليوم نتطلع إلى تشكيل قوات لحماية مناطق سهل نينوى وجعلها منطقة محمية، ولكن ذلك يبقى رهن تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، وكذلك الموقف النهائي لكل من الطرفين حول آلية التطبيق».

لكن تصريحات قادة القوى المسيحية، والاجتماعات التي تعقدها في محاولة لتوحيد خطابها ورؤاها بشأن حقوقها ومطالبها الدستورية والسياسية والإدارية في ظل بيئة سياسية وامنية متوترة تشهد صراعات على اكثر من مستوى قومي وديني وحزبي، لا تجد لها صدى في الأوساط الشعبية المسيحية.

المحافظة التي رفضها الجميع

فمطالبات العديد من القوى المسيحية ومنذ نحو عشر سنوات بإقامة محافظة تحت ادارة مسيحية في سهل نينوى ضمن العراق الفدرالي، لم تجد من يؤيدها لا في بغداد ولا في اربيل، حتى احتل جنود ابو بكر البغدادي السهل المسيحي وارغموا اكثر من 120 الف مسيحي على الهجرة بعيدا عنه.

يقول شيموئيل صليوه “القوى المسيحية ضعيفة، ليس بيدها القرار حتى وان توحدت في خطابها ومطالبها.. لقد أخفقت في التقليل من معاناة المسيحيين بشكل عام، وهي اعجز من ان تتمكن من تأمين حقوق المسيحيين في ادارات ذاتية او تشكيلات امنية خاصة بمناطقهم”.

ويضيف صليوه “من يهتم اليوم بتحرير سهل نينوى، ومن يسأل لماذا لا تبدأ عمليات التحرير؟ رغم ان تنظيم داعش لا يحتفظ اللا بالقليل من المقاتلين في البلدات المسيحية بالسهل.. كثير من العسكريين يقولون ان تحريرها يمكن ان يتحقق في ساعات وليس ايام”.

ويخلص الى القول “قضايانا دائما مهملة… لا احد يهتم بمعاناة عشرات آلاف النازحين الراغبين بالعودة .. وحتى مع التحرير من يضمن ان لا يهاجمك تنظيم داعش مجددا، طالما ان الحرب معه ستستمر بحسب الأمريكيين خمس او عشر سنوات مقبلة”.

باحثون في الشأن المسيحي ورجال دين، منذ سنوات يدقون ناقوس الخطر منبهين الى ان الوجود المسيحي في العراق يسجل محطاته الأخيرة مع استمرا الهجرة والتغيير الديمغرافي الذي تشهدع مناطقهم.

يقول الباحث سعد سلوم ان “من اصل مليون واربعمائة الف مسيحي قبل العام 2003  لم يتبق اليوم سوى 250-300 الف مسيحي، والرقم الاخير مهدد بالذوبان التدريجي بسبب الهجرة اليومية”.

ويقدر باحثون وناشطون مسيحيون التقاهم معد التحقيق، ان العراق بكل مناطقه، سيكون خاليا تماما من الوجود المسيحي خلال أقل من سبع سنوات، اذا استمرت الهجرة بمعدلاتها الحالية.

 أمام ذلك القلق المسيحي من المستقبل، ووسط المخاوف الأمنية والأجتماعية والدينية، تظل الهجرة هي الخيار الأول امام آلاف المسيحيين، يقول بهجت سمير «الموضوع لا يتعلق بخطاب ديني عاطفي ولا برؤى سياسية مختلفة وبحقوق يمكن أن تجد طريقها للدستور، ولا بأمن مفقود قد يتوفر مستقبلا، بل بالتمييز المستمر والتجانس الهش والتعايش الذي تضيق مدياته يوماً بعد آخر».

 * أنجز هذا التقرير من قبل شبكة “نيريج” وبالتعاون مع منظمة منظمة دعم الإعلام الدولي (I.M.S).

************

نشر هذا التقرير بشكل مختصر في صحيفة الحياة بتاريخ ٩ يونيو/ حزيران ٢٠١٥

http://www.alhayat.com/Articles/9458925/%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D8%A9—-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D9%88%D9%84

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17455}" data-page="1" data-max-pages="1">