الأهالي برس: كشفت وزارة الصحة في حكومة اقليم كردستان، عن وضع ضوابط لعمل “الصيدليات الشعبية” المنتشرة في معظم مناطق الاقليم والتي تدار من قبل مضمدين ومعاونين طبيين وتستقبل عشرات الآلاف من المراجعين يوميا، مؤكدة ان رئاسة الحكومة وبعد تقديم مشروع متكامل لها لمعالجة سلبيات تلك العيادات قررت تحديد آلية جديدة لعملها وحصر أنواع الأدوية المسموح بيعها فيها، مهددة باغلاق العيادات المخالفة.
وتأتي اجراءات حكومة اقليم كردستان بعد أشهر من التحقيق الاستقصائي الذي انجزه الصحفي موفق محمد لحساب شبكة نيريج للصحافة الاستقصاية والذي نشر في صحيفة “العالم” تحت عنوان “بانتظار احياء القطاع الصحي المتهالك في كردستان: “الالاف يسلمون ارواحهم للمعاونين الطبيين والحكومة تؤكد استحالة ايقافهم” والذي تناقلته عشرات المواقع الالكترونية واعادت نشره صحف ومؤسسات داخل العراق وخارجه.
وقال وزير الصحة الدكتور ريكوت حمه رشيد، ان رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني وافق خلال اجتماع مجلس الوزراء على اتخاذ اجراءات جديدة لمعالجة مشاكل المحال الصحية التي تديرها الكواد رالصحية وتباع فيها الأدوية المختلفة.
وأوضح رشيد ان وزارته عملت على تطوير القطاع الصحي وما يتعلق باستيراد وبيع الأدوية في الاقليم لتقديم افضل الخدمات للمواطنين “لكن ماتزال مشكلة الصيدليات التي تدار من قبل الكوادر الصحية موجودة في الاحياء الشعبية”.
وأشار الى ان البورد الطبي الذي تشكل في حكومة الاقليم الحالية، قدم بعد اجتماعه مقترحات للحل “وقرر على ضوئها رئيس الحكومة وقف تراخيص بيع الادوية من قبل الكوادر الصحية (المضمدين) ومنحهم تراخيص العمل الصحي فقط، مع إعطاء الصلاحية لمعاوني الأطباء ومعاوني الصيادلة وخريجي الكليات والمعاهد الطبية ببيع قائمة محددة من الادوية في عياداتهم، وسيتم اغلاق المخالفين”.
وتقدر عدد محلات التداوي والتضميد في المناطق الشعبية والتي يطلق عليها اسم العيادات الشعبية، بأكثر من 4 آلاف محل موزع في معظم مناطق الاقليم، وهذا العدد يبلغ نحو 10 أضعاف عدد الصيدليات الرسمية في الاقليم، وتقوم عادة تلك المحلات بوظائف توازي عمل الصيدليات فضلا عن قيام عدد كبير من اصحابها بتشخيص حالات المرضى وصرف العلاجات لهم مباشرة ما يتسبب بوقوع أخطاء طبية خطيرة يصل بعضها الى الوفاة.
وتدار نسبة كبيرة من تلك المحال من قبل مضمدين صحيين مجازين، فيما تدار البقية من قبل معاونين طبيين، وفي كلا الحالتين يتم التجاوز على الصلاحيات الممنوحة قانونا لأصحاب تلك المهنتين.
يقول موفق محمد، معد التحقيق الاستقصائي الذي انجزته شبكة (نيريج) عن تجاوزات محلات التمريض تلك، ان اللائحة التي نشرتها وزارة الصحة والتي حددت انواع الأدوية التي يسمح للمعاونين الطببين ومعاوني الصيادلة ببيعها في تلك المحال تشمل ادوية مسكنة للآلام ولعلاج الالتهابات وادوية الاسهال والغازات والأنفلونزا، وهي تتنوع بين الشراب والحبوب والابر، وهي لائحة لا تختلف كثيرا عن لائمة سابقة كانت تحدد 18 مادة دوائية مسموح ببيعها، مشيرا الى ان المشكلة تكمن في التطبيق والقدرة على تنفيذ القرار.
ويرحب المضمد هيرش امين، من مدينة اربيل، بقرار وزارة الصحة، واصفا اياه “بالضروري جدا كي يتم وضع حد لاستسهال بعض الكوادر الصحية لبيع الأدوية الخطرة للناس”، لكنه استبعد “تطبيقه من قبل العديد من المعاونين الطببيين والمضمدين لأنه سيضر بمصالحهم المادية”، مبينا انه “كان يسمح لأصحاب تلك المحال في السابق بيع 17 مادة دوائية أساسية لكنهم كانوا يبيعون اكثر من 22 مادة واليوم الوزارة حددت نحو 12 مادة لكن معظمهم سيتجاوز تلك اللائحة”.
واستدرك “سيكون التطبيق صعبا خاصة في المناطق البعيدة عن مراكز المدن، الا في حال قيام تنسيق عالي بين لجان الوزارة مع المذاخر التي تبيع الأدوية للصيدليات ولتلك المحال”.
وتابع قائلا ان على الوزارة “تطبيق القرار بشكل جدي للكي لا يظل حبرا على ورق، وهو ما يتطلب متابعة دقيقة من قبل لجان دائمة تعمل بشكل مستمر وذات قدرة على اتخاذ القرار ، وليس عبر لجان مؤقتة تعمل بشكل دوري”.
ويرى أمين ان وزارة الصحة تأخرت كثيرا في اصدار القرار، الذي جاء بعد وقع العديد من الأخطاء في اعطاء علاجات ادت الى حصول وفيات بسببها.
وسيتم وفق القرار تشكيل لجنة مشتركة من ممثلين لوزارات الصحة والداخلية ومديريات الصحة للمحافظات ونقابة الصيادلة وذوي المهن الصحية لمتابعة تطبيق القرار.
وبحسب وزارة الصحة سيتم تطبيق القرار لمدة سنة واحدة، ويتم متابعة تنفيذه بآلية مناسبة ودراسة نتائجه، مبينة ان البرنامج سيدخل حيز التنفيذ في غضون اسبوعين.
وتكمن المشكلة وفق معاونين طبيين، بغياب البدائل وارتفاع الاسعار التي يتقاضاها الاطباء وارتفاع اسعار الادوية في الصيدليات الرسمية الى جانب قلة المستشفيات واصرار القائمين على المراكز الصحية الحكومية على اغلاق ابوابها في وقت مبكر ما يضطر المرضى الى التوجه للعيادات الشعبية التي يتم فيها تشخيص المرض واعطاء الدواء بسعر مقبول.
والمشكلة الأخيرة سعت الوزارة الى حلها، واعلنت في ايلول 2013 انها تخطط لجعل العمل في المراكز الصحية بالاقليم على مدار اليوم، ففي حدود محافظة السليمانية حولت 30 مركزا الى دوام 24 ساعة، من اصل 129 في حدود المحافظة كخطوة اولى لجعل الدوام في كل المراكز مستمرا على مدار اليوم.
ونبهت سلسلة تحقيقات استقصائية نشرتها شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية في عامي 2012 و2013 الى جانب العديد من التقارير المنشورة في الصحافة الكردستانية، الى مفاصل الخلل في القطاع الصحي والتي تهدد حياة آلاف من اهالي الاقليم سنويا. وقالت وزارة الصحة الكردستانية انها تتابع ما ينشر وتعمل على معالجة تلك المشاكل عبر اتخاذ قرارات واجراءات حاسمة.
وفعلا شهد عام 2013 اتخاذ خطوات ملموسة من قبل الوزارة، فقد قامت بالتعاقد مع شركة بريطانية لفحص الأدوية الداخلة الى الاقليم عبر المعابر الرسمية، وهو ما قلل وصول الادوية رديئة النوعية، الى جانب تنشيط عمليات مراقبة الصيدليات والعيادات ومخازن الأدوية واتلاف الأدوية التي فشلت في الفحوصات فضلا عن الأدوية منتهية الصلاحية.
وطالت الاجراءات والمعالجات التي قامت بها الوزارة، العديد من المشاكل التي عرضها التحقيق الاستقصائي الذي عمل على انجازه الصحفي موفق محمد في 2012 ونشر في صحيفة الحياة اللندنية واعيد نشره في عشرات المواقع والصحف، والذي كشف عن ضلوع قوى نافذة في كردستان في تجارة الادوية المزيفة وتمريرها لصفقات ادوية فاسدة، وعرض للعديد من مفاصل الخلل في القطاع الصحي والتي تشكل مصدر تهديد لحياة عشرات الآلاف من سكان الاقليم.
وأفرز التحقيق نتائج عميقة خاصة مع اجراء سلسلة مقابلات صحفية وتلفزيونية واذاعية مع كاتبه، تجاوبت ايجابيا وزارة الصحة مع ما ورد فيها عبر إحادث تغييرات واضحة في القطاع الصحي، بينها اتخاذ آليات جديدة لفحص الأدوية والتعاقد مع شركات رصينة لاستيراد الأدوية، ووضع علامات على الأدوية الموجودة في الصيدليات تؤكد انها اخضعت للفحص فضلا عن تحديد اسعار العديد من الادوية.
واتخذت الوزارة في 2013 وعقب ثلاث تحقيقات استقصائية نشرتها شبكة الصحافة العراقية عن الواقع الصحي في كردستان، قرارات باغلاق نحو 100 صيدلية وأكثر من 20 من مخازن الأدوية واربع شركات موردة للأدوية لوجود مخالفات فيها، وشنت حملات لاغلاق المستشفيات والصيدليات غير المرخصة، فضلا عن تأكيدها على احالة شركات موردة للادوية الى القضاء ومحاسبة العديد من موردي الأدوية المزيفة او تلك التي ادخلت بصورة غير شرعية، بما فيها موردي وجبة حقن آفاستين التي ادت الى اصابة 30 مواطنا في مستشفى وسط اربيل بالتهابات خطيرة في العين، وهي الابر التي اكدت الوزارة سلامتها بعد فحوصات لاحقة، مشيرة الى أخطاء في طريقة الاستخدام.
وبحسب وزير الصحة الكردستاني ريكوت حمه رشيد، فان الوزارة”ورغم صعوبة المهمة كون الأدوية مصدر ربح كبير وبعضها تدخل بشكل غير قانوني عبر الحدود مع دول الجوار” نجحت في السيطرة بشكل جيد على الادوية الرديئة بعد استحداث شعبة مراقبة الأدوية التي تضم لجانا للمراقبة في كل المدن واستلام شركة بريطانية لعمليات الفحص النوعي للأدوية المستوردة وقد قامت الشركة منذ بدء عملها نهاية العام الماضي والى تموز 2013 بفحص الفي دواء، فشل نحو 40 منها في الفحوصات، ومنع استخدامها.
ومن الخطوات التي اقدمت عليها وزارة الصحة، التعاقد في حزيران 2013 لشراء ادوية بعض الأمراض المستعصية والمزمنة مباشرة من الشركات الأم المنتجة لها، لكي لا يتم الاعتماد على ما تستورده الشركات المحلية، مع منع المتاجرة بتلك الادوية.
وتقول وزارة الصحة انها تنفذ العديد من المشاريع لتحسين الواقع الصحي، فقد وضعت في اربيل منتصف شباط الحالي حجر الأساس لبناية السيطرة النوعية على الأدوية والمخزن الأساسي للأدوية ومركز التالاسيما ومركزين صحيين داخل اربيل باكثر من 15 مليار دينار. كما إفتتح مركز للكلى الصناعية في قضاء رانية وسيتم إفتتاح عدد آخر من المراكز المماثلة في سوران، وزاخو، وكفري، وكلار، وحلبجه وسيد صادق، وجومان، وكويه، خلال الفترة المقبلة.
وتؤكد الوزارة انها انجزت ضمن خطتها للعامين الماضيين العديد من المستشفيات الكبيرة كمستشفى (شار) في السليمانية الذي يسع 400 سرير ويضم أقسام الباطنية والنسائية والإطفال وزراعة المخ، وتحتوي صالات عديدة مزودة بأحدث الأجهزة، وكلف 135 مليون دولار، وان هناك مستشفيات أخرى قيد الإنشاء.
وذكر مسؤولون في الوزارة انها قامت خلال عام 2013 بتنفيذ 65 مشروعا، وبلغ عدد اسرة المستشفيات المنفذة نحو 2500 سريرا بكلفة 800 مليون دولار الى جانب تعين 2600 طبيبا في إختصاصات مختلفة، مشيرين الى إن عدد المستشفيات الحكومية في إقليم كردستان بلغ 68 مستشفى، الى جانب 993 مركزاً صحيا و 35 عيادة استشارية، وهو ما يشكل محو ضعف عدد المشتشفيات والمراكز قبل نحو عشر سنوات.
وكانت وزارة الصحة قد اعلنت في تشرين الثاني الماضي عن نيتها نشر مختلف المعلومات عن عقود الوزارة على موقعها، ليطلع عليها الصحفيون والمواطنون، وجاء القرار بعد اسابيع من نشر تحقيق للشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية عن اصابة 10 أشخاص بالعمى كليا او جزئيا بعد تلقيهم عقارا تم شراؤه من قبل مسؤولين في وزارة الصحة بطرق غير قانونية.
وتعد شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج)، أول شبكة للصحافة الاستقصائية في العراق، أسسها مجموعة من الصحافيين الاستقصائيين المحترفين في التاسع من أيار مايو عام 2011، وعملت منذ تأسيسها على توفير الدعم التحريري والمالي والاستشاري للصحافيين الاستقصائيين العراقيين لإنجاز تحقيقات معمقة تستند إلى البحث عن الحقائق الموثقة والمدعومة بالمصادر المتعددة وثيقة الصلة بالموضوع قيد الكشف، وبدعم من منظمة دعم الإعلام الدولي IMS.
وقد انجزت نيريج، التي يشرف عليها الصحفي محمد الربيعي، سلسلة تحقيقات مهمة منذ تأسيسها حظيت بانتشار دولي واسع وحصدت جوائز عربية ودولية وهي تسعى لاطلاق سلسلة جديدة من التحقيقات خلال الأسابيع المقبلة.
المزيد عن أخبار
أخبار","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":17427}" data-page="1" data-max-pages="1">